يعتبر حق التظاهر، من الحقوق السياسية العامة، التى تنبثق عن حق الشعب فى السيادة، وحق كل مواطن فى التعبير عن رأيه، فى الشئون العامة، وحريته فى الانتقاد علناً وسلمياً للحكام، ولسياسات وقرارات وتصرفات هؤلاء الحكام!! وحقه فى الإعلان العلنى عن طلباته وحاجاته، لتحقيق الحياة الحرة الكريمة... إلخ وتنص دساتير الدول الديمقراطية، وكذلك الاتفاقيات الدولية المختلفة على هذا الحق الأساسى، وبصفة خاصة الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية، وقد ورد النص على حق التجمع والتظاهر فى الدساتير المصرية المختلفة الصادرة منذ دستور 1923 وحتى الآن، ورغم بطلان دستور 2012 الإخوانى السلفى أو دستور مرسى والغريانى، فإنه قد نص فى المادة السادسة منه فى الفصل الخاص بالمقومات السياسية بالباب الأول، على أن يقوم النظام السياسى على مبادئ الديمقراطية، والشورى والمواطنة، والتعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة.. وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحرياته... إلخ، وتطبيقًا لذلك قد نصت المادة 45 من الفصل الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من الباب الأول على أن حرية الفكر والرأى مكفولة، ولكل إنسان التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة، أو التصوير أو غير ذلك من وسائل النشر والتعبير، كما نصت المادة (50) على أن للمواطن حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية غير حاملين سلاحاً، ويكون ذلك بناء على إخطار ينظمه القانون... إلخ، ويتضح مما سبق أن هذا التظاهر السلمى من الحقوق السياسية الأساسية للمصريين، وأن مصدر هذا الحق هو النص الدستورى، وليس للسلطة التنفيذية إلا سلطة تقديرية بشأن ممارسة المواطنين لهذا الحق، ولا يملك المشرع العادى إذن أن يقيده أو يعطله، أو يفرغه من محتواه، وبمقدورهم أن يهدر غاياته، بل إن هذا الحق لا تحتاج شرعية ممارسة إلا مجرد الإخطار البسيط للسلطة التنفيذية وفقاً لما ينظمه القانون!! وبالتالى فإن هذا القانون المنظم للتظاهر لابد أن يلتزم أساساً بطبيعة هذا الحق، وغاياته ووسائله، ولا يملك المشرع أن يقيده بأية شروط أو إجراءات تتناقض مع طبيعته الدستورية!! وإلا اعتبر المشروع قانونا لمنع وحظر التظاهر!! ولقد أعدت وزارة العدل مشروع قانون أطلقت عليه أنه بشأن تنظيم الحق فى التظاهر فى الأماكن العامة!! وهى تسمية ركيكة وغير دقيقة، فالتظاهر لا يتم إلا فى الأماكن العامة، والمفروض أن يتم إحلال هذا المشروع محل أحكام القانون رقم (10) لسنة 1914 بشأن التجمهر والصادر وقت الاحتلال البريطانى لمصر، والمعدل بالقوانين أرقام 14 لسنة 1923، و28 لسنة 1929، و87 لسنة 68، ويتكون المشروع من (25) مادة، بالإضافة إلى مادة النشر والنفاذ، وتنص المادة الأولى منه على تعريف المظاهرة بأنها «كل تجمع ثابت أو متحرك لأشخاص يزيد عددهم على خمسة بقصد التعبير سلمياً عن آرائهم أو مطالبهم!! ويعيب هذا التعريف أنه غير جامع أو مانع، وأن المظاهرات تكون بالضرورة ذات طبيعة سياسية، وتكون ثابتة ومتحركة أيضاً، فالتجمع يبدأ فى مكان بعيد ومحدد، ثم تبدأ الحركة والسير إلى مكان آخر يقف فيه المتظاهرون حتى تنتهى المظاهرة بالقصد السلمى من منظميها أو بالتفرق بالقوة، بناء على ما تقرره سلطة الأمن المختصة، كما أن أهداف المظاهرات بصفة عامة وأساسية هى إعلان التأييد أو الرفض والاحتجاج، لسياسات أو قرارات أو تصرفات معينة عن السلطات العامة بالدولة، أو من حزب، أو جماعة أو دولة أو منظمة دولية معينة... إلخ. ولا تقتصر إذن على مجرد إبداء آراء غير محددة غايات إعلانها أو على مطالب فئوية معينة!! أما المادة الثانية من المشرع فقد نصت على حق التظاهر السلمى وأنه «مكفول للمواطنين حق الدعوة إلى المظاهرات وتنظيمها والانضمام لها وفقاً للأحكام والضوابط التى يُحددها المشروع، وتنطوى هذه المادة على إهدار لطبيعة المظاهرات بالمخالفة لما نص عليه دستور مرسى والغريانى فى المادة (50) آنفة الذكر، حيث جعل الحق فى التظاهر معلقاً بالأحكام أو الشروط والضوابط التى أوردها المشروع والتى تقيد حق التظاهر تقييداً شديداً يجعله مجرد حق معلق ومرتبط بالترخيص الإدارى الذى تستقل السلطة الأمنية أو التنفيذية بممارسة سلطة الترخيص والقبول والإذن أو الرفض والمنع له!!، وقد حددت المادة الثالثة من المشروع أن وسيلة التعبير الحر من المتظاهرين عن آرائهم ومطالبهم لابد أن تكون «مشروعة» ويدخل فى هذه الوسائل مكبرات الصوت واللافتات، وليس محدداً فى المشروع مواصفاتها، وهل بين هذه الوسائل مثلاً استخدام السيارات والدراجات البخارية أو غيرها من وسائل النقل التى ترفع لافتات عما يريده المتظاهرون، أو استخدامهم وسائل نقل أخرى يرونها مناسبة للاتصال العلنى بالجماهير الشعبية!! وفى المادة الرابعة اشترط أن تكون ممارسة الحق فى التظاهر على نحو لا يؤدى إلى الإخلال بالأمن والنظام العام، أو تعطيل مصالح المواطنين... إلخ، أو أى «تهديد جدى» لذلك، وغنى عن البيان أن هذه الشروط المعقدة لحق التظاهر وشرعيته ليس لها معنى محدد وواضح وقاطع، مثل ما ورد بالنص من اشتراط عدم قطع الطرق أو المواصلات أو تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على الممتلكات وحرية العمل، وبالتالى فإن النص يكون قد ترك التقدير المطلق للسلطة الأمنية لتقرير شرعية أو عدم شرعية المظاهرة، بالزعم أنها تهدد أو تخل بالأمن والنظام العام، وذلك قبل حدوث المظاهرة ويكفى فى هذا الشأن مجرد صدور هتافات رافضة ومحتجة على الحكومة، أو تصرفاتها أو أداء المسئولين فيها بصفة عامة أو خاصة أو انتقاد حزب أو جماعة سياسية منافسة، ومن البديهى أن ما ذكره النص ليس شروطاً وإنما هو تحديد لأفعال محظورة تقع بعد حدوث المظاهرة وكان يتعين أن يرد النص عليها فى العقوبات وليس فى شروط ونوع المظاهرة ذاتها لأنها تحدث خلال قيامها.. وللحديث بقية. رئيس مجلس الدولة الأسبق