لو ابني خطفوه سفاحين «وقتالين قتلة» لكانوا أحن عليه من داخلية مصر.. علي الأقل كنت سمعت صوته عند طلب فدية.. ولو كان تاه في صحراء لا زرع فيها ولا ماء لوجد طعاماً وشراباً ولن يجوع حتي تتقطع أمعاؤه جوعاً وعطشاً كما حدث في معسكرات الأمن المركزي. كلمات سطرتها لسان وقلوب أمهات 114 طفلاً احتجزتهم الشرطة في ذكري ثورة يناير الثانية. 28 يوماً قضاها الصغار بعيداً عن منازلهم.. وأمهاتهم وآباؤهم وذووهم، لا يعرفون عنهم شيئاً، 28 يوماً مرت علي الأمهات كأنها دهر كامل. سيدة واحدة عاشت 48 ساعة طافت فيها معسكرات الأمن المركزي، وفي النهاية التقت بالأطفال المعذبين.. وكانت هي أول من رأتهم وأول من سمعت منهم وأول من شاهد العذاب علي وجوههم والدموع تملأ عيونهم «وبهدلة» ملابسهم. الدكتورة سناء شريف عضو المجلس القومي للمرأة تكشف ل «الوفد» أسرار ما جري لل 114 طفلاً الذين احتجزتهم الشرطة في زنازين سرية لمدة 28 يوماً والتفاصيل في الحوار: كيف علمت باحتجاز الأطفال؟ - من التليفزيون.. كل القنوات استضافت الأمهات وهن حاملات صور أبنائهن، وأكدن خلال البرامج أنهن أرسلن كشفا بأسماء 114 طفل مفقوداً لوزير العدل ولم يتلقن أي استجابة أو رد. أليس غريباً توجه الأمهات للشكوي عن طريق التليفزيون وعدم توجههن ل «القومي للمرأة»؟ - اعتاد الناس علي أن وسائل الإعلام المرئية أسرع وسيلة لنقل الخبر، وللأسف مازال كثير من المواطنين يعتقدون أن القومي للمرأة عبارة عن سيدات مجتمع علي عكس ما تقوم به، أم أن المسئول عن ذلك الحدث المجلس القومي للطفولة والأمومة ولكن عندما وجدنا آهات الأمهات بادرنا بالحركة. وماذا تم بعد ذلك؟ - في تمام الساعة العاشرة صباحاً توجهت لمكتب النائب العام ممثلة في المجلس القومي للمرأة، والتقيت بحسن يس نائب العام المساعد وحصلت علي كشف بأسماء الأطفال ال 114، وخلال ساعات أصدر حسن يس قرارا بتفتيش معسكرات قوات الأمن المركزي بطرة والجبل الأحمر والسلام. وتوجهنا علي الفور ومعي ثلاثة مستشارين الأول وائل شبل المحامي العام لنيابة الاستئناف، ووليد فكري ومحمد سراج. وتم تفتيش المعسكرات والمفاجأة إننا لم نر أي طفل داخل المعسكر، فأصدر النائب العام بياناً رسمياً بأنه تم تفتيش معسكرات الأمن ولم نجد شيئاً. هل صدقت عدم وجود أي طفل في جميع معسكرات؟ - بصراحة.. في طرة «مكنتش» مصدقة. لماذا طرة تحديداً؟ - ثلاث علامات أثارت الشك والريبة داخلي.. أولاً بعض العساكر أشاروا لي بأصابعهم إشارات تؤكد وجود أطفال في مكان ما، ويبدو أنهم لم يجرؤوا علي الكلام لوجود ضباط معي. ثانياً: صدرت بعض الأصوات والصفارات أثناء دخولنا من بوابة المعسكر وكأنها صفارات إنذار استعداداً لحضورنا. ثالثاً: عندما دخلنا معسكر طرة استضافنا هاني محمد سلامة قائد المعسكر وقام بضيافتنا أكثر من نصف ساعة وهو ما أثار الشكوك بداخلي، فنحن في مهمة ولسنا في ضيافة. كما أن معسكر طرة أول معسكر دخلناه فمن الممكن أن يكون تم إخطار باقي المعسكرات لعمل اللازم. وهل لاحظت أي شىء آخر في باقي المعسكرات؟ - في معسكر الجبل الأحمر أكد لي العميد رجائي نيازي رئيس المعسكر أن الأطفال والشباب والسيدات يتم احتجازهم في المعسكر لمدة 5 ساعات فقط علي سبيل الاستضافة أو «يباتوا» يوماً ثم يتم ترحيلهم علي النيابة تم لمديرية أمن القاهرة. هل رأيت أمهات في المعسكرات؟ - رأيت الكثير .. بعض الأمهات كن يجرين علي أقدامهن للبحث عن أطفالهن وأخريات جئن بسياراتهن. ماذا بعد مغادرتك للمعسكرات؟ - اتصل بي اللواء عبدالوهاب الدكروري بالأمن الوطني وهو زوج أختي وقال لي: اذهبي لأسامة الصغير في مديرية أمن القاهرة، بعد أن قام بالاتفاق معه علي حضوري، وبالفعل توجهت في صباح اليوم التالي من زيارة المعسكرات لمديرية الأمن واستقبلني خالد عبدالعزيز مدير إدارة الأحداث بالمديرية وفوجئت بوجود 80 طفلاً من ال 114 داخل المديرية، قمنا بتسليم 10 لذويهم، والمديرية سلمت 20 والباقي في انتظار أسرهم. وماذا عن ال 34 طفلاً الباقين؟ - فوجئنا بأنهم في مستشفيات مختلفة وحالتهم خطيرة ومنهم من سيقابل ربه دون أن يدري به أحداً! هل أطفال الشوارع محتجزون مع هؤلاء الأطفال؟ - لا.. الشرطة فصلت أطفال الشوارع عن الأطفال الذين لهم أسر وعناوين. كيف كان حال الأطفال؟ - حالتهم متردية علي الآخر.. مبتهدلين وملابسهم متسخة وعلي وجوههم علامات الوهن والإعياء. هل كان معهم هواتف محمولة؟ - لا طبعاً.. تم التحفظ عليها بمجرد القبض عليهم. هل قام الأمن بتسليم الهواتف للأطفال عند خروجهم؟ - بالتأكيد لا.. إذا كان الأطفال تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والضرب داخل عربات الأمن المركزي، فكيف يحصلون مرة أخري الهواتف المحمولة. أين يقطن هؤلاء الأطفال؟ - منهم من الاتحادية والنهضة والسلام وإمبابة ومن أمام نادي الجزيرة ومن محافظة الإسماعيلية. ماذا حدث بمجرد رؤيتك للأطفال؟ - سألهم مدير إدارة الأحداث.. «اتعشيتوا» ردوا عليه: اتعشينا عيش وجبنة. ثم سألت مدير إدارة الأحداث عن أسباب حالتهم السيئة وملابسهم المتسخة فقال: أنا عندي 5 سخانات كل سخان 100 لتر ومعندناش مية وبنركب موتور وقاطعه أحد القيادات دون ذكر اسمه قائلاً: كان مفروض نحميهم في الفورسيزون، ثم استطرد خالد كلامه لي قائلاً: للأسف وجدنا 5 أطفال من المحتجزين تم اغتصابهم. هل عرفت منه من قام باغتصاب الأطفال؟ - لم يخبرني بأكثر من ذلك ولم أعرف ماذا كان يقصد أطفال الشوارع أم الأطفال ال 114.. ولكن أستبعد أن يكون الفاعل عسكري لان العساكر أغلب مخاليق الله. نرجع للأطفال المفرج عنهم.. ما هي أغرب تفاصيل القبض عليهم؟ - رآني طفل عنده 12 سنة كان في طريقه لنادي الجزيرة يحمل في يديه مضرب تنس تم القبض عليه أثناء المسيرة المتجهة لميدان التحرير وعندما رآني سألني فين المضرب يا طنط؟ حسانين محمد البستاني 4 سنوات أصغر طفل مقبوض عليه كان بصحبه شقيقه محمد 13 سنة جاءوا من الإسماعيلية، استغلوا ذهاب والديهما للعمل وفتحوا الباب وحضرو إلي القاهرة للمشاركة في المظاهرات. هل والدة الطفلين كانت موجودة؟ - نعم.. وأعطيتها درساً في التربية فكيف لأطفال ان يسافروا من الإسماعيلية إلي القاهرة بدون علم الأم أو الأب؟ طفل آخر كان خارج من النادي الأهلي وفي طريقه للمنزل وأخذوه! وتضيف سناء شريف: يوسف 12 سنة من سكان الاتحادية كان يلعب الكرة في المنزل وسقطت منه الكرة من الشرفة، فقال لوالدته الكورة وقعت هروح أجيبها، اعتقدت الأم أن الكرة سقطت في الحديقة ولكن الحقيقة أن الكرة سقطت في الشارع وعندما نزل يوسف لالتقاط الكرة تم القبض عليه. كيف كان حال الأمهات؟ - حرموا خروج أبنائهن من البيت أو الذهاب للنادي بمفردهم مرة أخري فهن قليلات الحيلة لا حول لهن ولا قوة. وكيف كان حال الأطفال؟ - جميعهم في حالة نفسية سيئة، فالأسر ميسورة الحال قامت بعلاج ابنائهن والأسر غير القادرة طلبت من القومي للمرأة علاجهم. علي من يقع عاتق تلك الجريمة؟ - المجلس القومي للأمومة والطفولة طبعاً، فمن اختصاصه حماية الأطفال وما قمنا به ليس من اختصاصنا، ولكن عندما رأينا جنون وأوجاع الأمهات علي أطفالهن تحركنا بسرعة حفاظاً علي حقوق المرأة. وماذا عن أطفال الشوارع المقبوض عليهم؟ - لا نعرف عنهم شيئاً فهذا من اختصاص الأمومة والطفولة. ما السبيل لحل مشكلة أطفال الشوارع وإعادة تأهيلهم؟ - الحل قرية SOS. ماذا تقصدين؟ - قرية SOS بالحي الثامن بمدينة نصر كانت مشروعا هائلا تبنته جيهان السادات وقضت عليه سوزان مبارك، تقوم القرية علي رعاية الأطفال مجهولي النسب وأطفال الشوارع وكانت نموذجاً للبيت المصري، والآن تحول إلي مبني خاو علي عروشه. من المسئول عن إعادة الحياة فيه؟ - المجلس القومي للأمومة والطفولة ولكن نحن علي أتم استعداد لإعادة القرية وتأهيل الأطفال فيه وتوظيف خريجي الخدمة الاجتماعية العاطلين بها، بشرط أن يسمح لنا القومي للأمومة بذلك، فلن نبدأ بهذه الخطوة حتي لا نتهم بالاعتداء علي تخصصات الغير.