في ركنه القصيّ المنزوي آخر المقهي العتيد، جلس العجوز ينفث دخان الشيشة بانتظام غير عابئ بصيحات الزبائن وتشاجرهم مع النادل، تارة بسبب أحداث الذكري الثانية للثورة، وتارة أخري للخلاف حول ثمن المشروبات التي ارتفعت أسعارها مؤخرا تنفيذا لقرار «مرسي»! في تلك اللحظة وقعت عين العجوز علي الناصية المقابلة للمقهي وقد احتلت جدارها عبارة «يسقط حكم العسكر» و«الإخوان فلول» وابتسم في سخرية ومرارة متذكرا أيام حكومة الوفد قبل اندلاع انقلاب يوليو 1952 الذي تحول بفعل فاعل الي ثورة ما أشبه الليلة بالبارحة.. هكذا حدث العجوز نفسه رابطا أحداث 26 يناير 1952 التي عرفت بحريق القاهرة بأحداث الذكري الثانية لثورة يناير. لم يفق العجوز من حديث الذكريات والشيشة إلا الجلوس فورا بعد أن طلب كوبا من الشاي الساخن، وقال موجها حديثه لصديقه العجوز. هل يعجبك كلام هشام قنديل عن الرضاعة وضرورة تنظيف الصدر حتي تصبح الرضاعة طبيعية؟ هل هذا وقته؟ رد العجوز بسخرية العارف ببواطن الأمور الذي خبر حكومات ورؤساء وثورات: نعم.. هذا الحدث وقته تماما ولا أجد مجالا لغضبك. تساءل الشاب حانقا: كيف؟ قال العجوز بعد أن نفث دخان شيشته وهو يسرح ببصره نحو المجهول. حديث هشام قنديل عن الرضاعة مقصود وليس عفويا أبدا.. إنت تتصور أنه سيتحدث عن الصدامات بين المتظاهرين والأمن؟ أو عن جبهة الإنقاذ وشروطها للحوار مع الرئاسة؟ إنت واهم تماما، حديث قنديل مقصود به تفريغ الأحداث من مضمونها. تماما كما يذهب مالك المنزل لتحصيل الإيجار من مستأجر لا يدفع الإيجار بانتظام، وعندما يطالبه بالإيجار، يقول له: هل سمعت عن جريمة القتل التي وقعت في المنزل المجاور أمس؟ هنا ينتبه صاحب المنزل الي الجريمة وينسي الايجار، والنتيجة هي كسب المستأجر مزيدا من الوقت وهو ما يفعله هشام قنديل الآن، إنه يريد إلهاء الثوار والمعارضة بأحاديث جانبية حتي ينسوا مطالبهم في الذكري الثانية للثورة ويحين موعد الانتخابات البرلمانية ويفوز الإخوان. انفعل الشاب بعد أن احتسي رشفة من الشاي الساخن وقال: لقد تندر الكثيرون علي حديث قنديل علي مواقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» وقال أحدهم إنه رضع من ماء المخلل وهو طفل صغير؟ لا يهم.. لأن قنديل مطلوب منه تمرير الانتخابات البرلمانية القادمة بعد فوز الإخوان، لأن وضع الجماعة خطر جدا حاليا بعد حل البرلمان السابق وتزايد الاحتجاجات علي الرئيس الإخواني المنتخب «مرسي» ولو سقط مرسي تحت أي ضغوط مثل إجراء انتخابات رئاسية جديدة فلن يبقي في يد الإخوان أي شيء بعد وصولهم الي الحكم فعلا وهو حلمهم التاريخي الذي سعوا اليه منذ أكثر من 80 عاما. ولكن قنديل ليس إخوانيا.. انه محسوب عليهم؟ هذا هو المطلوب، أن يمرر شخص غير إخواني الانتخابات البرلمانية القادمة ولكن لابد أن يكون متعاطفا مع الإخوان وهو ما يتوافر في قنديل بالضبط. لماذا لا يوافق الإخوان علي إقالة حكومة قنديل وتشكيل حكومة إنقاذ وطني؟ هذا هو حكم الإعدام علي الإخوان لأنهم سوف يخسرون الرئاسة والانتخابات القادمة ومعني ذلك عودتهم الي السجون. لكن البديل أسوأ بحور من الدماء وعودة العسكر الي الحكم؟ أي بديل آخر خلاف الحكم لا يهم الإخوان وسلم لي علي الرضاعة في عهد حكومة قنديل!!