العلاقة بين المالك والمستأجر.. إشكالية اجتماعية اقتصادية قانونية قديمة متجددة.. فثمة حكايات مأساوية تشهد بالظلم وتعكس إحساساً بالمرارة. وتشي بأن تحقيق العدالة بين الطرفين تكاد تكون مستحيلة. إعادة التوازن لهذه العلاقة حلم يراود الملاك والمستأجرين. الفقراء والأغنياء. وتكريس للعدل الاجتماعي والسلم المجتمعي وتزيل شوائب الماضي التي تثير الأحقاد والضغائن بين طرفي هذه العلاقة الشائكة.. فثمة قضايا هائلة تنظرها المحاكم علي مدي ال 60 عاماً الماضية تشهد بأننا إزاء مشكلة حقيقية تستلزم حلولاً نابعة عادلة تنصف المظلوم وتنتصر لأمن المجتمع. القضية عادت إلي دائرة النقاش من جديد بفضل وزير الإسكان د. طارق وفيق الذي شكل لجنة برئاسته لدراسة تعديل قانون الإيجارات القديمة تقدم توصياتها خلال 6 أشهر.. بعد سماعها لآراء أطراف العلاقة الإيجارية وممثلي المجتمع المدني والخبراء. فهل يعيد القانون المزمع إصداره علي ضوء توصيات لجنة الإسكان التوازن المفقود لسوق العقارات. ويزيل إشكالية العقارات الخالية "خمسة ملايين و700 ألف وحدة بحسب تقرير صدر عام 2006" والأسعار الفلكية للعقارات.. ويتلافي عيوب القانون رقم 4 لسنة 96 والمعروف باسم قانون الإيجار الجديد..؟! وهل يقدر هذا القانون موقف طرفي العلاقة ويراعي المراكز القانونية لورثة المستأجر والحقوق المهدرة للملاك حتي لا يعود التوتر والاحتقان من جديد..؟! "المساء" استطلعت الآراء والتصورات في السطور التالية: الملاك تعساء ** يقول سمير فهمي - مالك إحدي العمارات القديمة بالظاهر: نشعر بمرارة الظلم حيث لا يتعدي إيجار الشقة المكونة من 3 حجرات وصالة وحمامين 3 جنيهات. وإيجار العمارة كلها 50 جنيهاً يرفض اخوتي تقاضي نصيبهم منها كورثة للعقار. وهناك مستأجرون يرفضون سداد الأجرة بانتظام شهرياً. ومنهم من يغلق شقته منذ 30 عاماً رغم مقدرته المالية وإقامته بفيلا بالتجمعش الخامس. وتساءل: أين العدالة في الإيجارات القديمة في ظل تدني قيمة الإيجار وعناد ورثة المستأجر. وبطء إجراءات التقاضي التي لا نقدر علي دفع تكلفتها..؟! ** حمدان رمضان صاحب عمارة بمنطقة باب اللوق بوسط البلد يقول: ورثت عمارة تزيد قيمتها علي خمسة ملايين جنيه وأحصل منها علي إيجار شهري 150 جنيهاً!! ولا أستطيع بيعها والتصرف فيها لأن المستأجرين يقفون لي بالمرصاد كما لا يوجد المشتري الذي يوافق علي شرائها مع تدني العائد.. وأولادي شباب لا يجدون شققاً يتزوجون فيها فمن يرفع الظلم عنا..؟! ** سامية سيد بيومي مالكة منزل بالفجالة تحكي معاناتها في تربية أولادها القصر رغم أن زوجها ترك لها ميراثاً عبارة عن منزل من أربعة طوابق يضم 12 شقة ويصل إيجار الوحدة المكونة من حجرتين وصالة ل 3 جنيهات أي أقل من ثمن كوب "آيس كريم"..!!.. ورغم تدني قيمة الإيجار فهناك من يرفضون سداده إلا بطلوع الروح!! وهناك من يغلقون الشقق لأنهم يقيمون في القاهرةالجديدة والمقطم!! تتعجب من إصرار القادرين علي الانتقام من الملاك دون نظرة عطفل للأيتام الذين يحتاجون لإيراد المنزل. ** نسمة مسعود - مدرسة - تمتلك واخوتها منزلاً قديماً بحي العمرانية بالجيزة. تطالب بتحقيق العدالة الاجتماعية بين المالك والمستأجر دون إضرار بأي من الطرفين. خاصة وأن هناك نحو 60% من المساكن القديمة معرضة للسقوط والانهيار نتيجة انعدام الصيانة والترميم. ** يري محمود رجب - مالك عقار بامبابة - أن قانون الإيجارات ظالم يحابي الساكن وأولاده علي حساب المالك. ويقول إن لديه تاجر أحذية يستأجر منذ عام 1957 محلاً في منزل ورثه عن والده بإيجار 30 جنيهاً شهرياً يدفعها علي عدة أشهر ثم أغلقه لأنه يمتلك معارض أخري لبيع الأحذية في عدة مناطق وعندما عرض عليه ترك هذا المحل رفض طالباً شراء المنزل.. وتساءل رجب: هل هناك ذل وإهانة للملاك أكثر من هذا..؟! ** حسن عبدالحميد - مدرس - يحكي تجربته والمعاناة والخصومة التي كانت بينه وبين مالك العقار الذي يستأجر إحدي شققه لأن عقد الإيجار امتد إليه بعد وفاة والده ولأنه تزوج بهذه الشقة حيث رفض المالك تغيير عقد الإيجار باسمه وقام برفع دعوي لطرده وقدم أوراقاً مزورة لاسترداد الشقة.. وبعد سنوات طويلة تم الصلح بينهما ووافق علي تغيير العقد مقابل زيادة الإيجار من 5 جنيها إلي 150 جنيهاً.. وقد رحب بذلك لأنه أضمن وأوفر من البحث عن شقة بإيجار جديد يفوق قدرته المالية. بالإضافة لعدم الاستقرار والتعرض للطرد من الشقة بعد انتهاء مدة العقد. ** يقول محمد السيد صقر - موظف بالمعاش: أقيم وزوجتي في شقة إيجار بعد وفاة والدي وكانت لجنة تحديد الإيجارات قد قدرت لها إيجاراً بقيمة 5 جنيهات.. ولا أستطيع بمعاشي الضئيل تحمل أي أعباء.. لذلك فلابد من منع توريث عقد الإيجار لأكثر من جيل وفرض عقوبات علي إغلاق الشقق وحجزها بدون أي استفادة وعودتها للمالك.. وأيضاً زيادة الإيجار بنسب ضئيلة تدريجياً حتي لا نظلم المستأجرين البسطاء. تطالب إيمان مصطفي - مهندسة - بالعدالة عند التفكير في زيادة القيمة الإيجارية حتي لا يستوي من قام بتأجير شقة ب 5 جنيهات في الستينيات مع من استأجر شقة ب 50 جنيهاً حددتها لجنة الإيجارات. ظاهرة التمليك تتساءل آمال سيد محمد: لماذا ينظرون دائماً للمستأجرين علي أنهم يظلمون الملاك؟!! فالعدالة مطلوبة في كل شيء بداية من زيادة دخل العمال والموظفين قبل اتهامهم بالافتراء علي الملاك ووصولاً لسن قوانين إيجار تنظر بعين الرحمة للفقراء من المستأجرين والملاك علي السواء. يرحب محسن محمود - فني صيانة أجهزة - بأي زيادة تدريجية في إيجار المحلات القديمة أو الشقق السكنية لعودة الاستقرار الاجتماعي للأسر التي تعرضت للتشرد بسبب قانون الإيجار الجديد الذي تسبب في زيادة العنوسة لدي الشباب والبنات.. وكذلك زيادة حالات الطلاق نتيجة تحديد مدة الإيجار وارتفاع قيمته وعدم الاستقرار.. لكن الحل الجذري لن يكون إلا بقيام الدولة بتوفير المساكن بإيجار مناسب والحد من ظاهرة التمليك حيث وصلت الأسعار لأرقام خيالية!! ** شيماء إبراهيم - ربة بيت - لا تعترف بوقوع ظلم علي ملاك العمارات القديمة وتقول إن زوجها دفع "خلواً" مقداره 20 ألف جنيه منذ 10 سنوات مقابل تأجير شقة يقيمون فيها بعد وفاة مستأجرها وكان الايجار 5 جنيهات قام برفعه ل 85 جنيهاً.. وبالتالي فإن الملاك يستفيدون من أملاكهم منذ سنوات عديدة حيث كان ثمن متر الأرض يتراوح بين 5 و10 جنيهات كما كانوا يحصلون علي أسعار مواد البناء مدعمة في فترة السبعينيات والثمانينيات وترحب بأي قانون فيه مساواة في الحقوق للمالك والمستأجر. المرحلة حساسة يقول المستشار مصطفي الكومي رئيس محكمة جنايات القاهرة: إن نجاح الثورة المصرية في القضاء علي التوريث في حكم مصر يوفر فرصة للقضاء علي التوريث في عقود الإيجار.. لكني أعترض علي قرار وزير الإسكان والمجتمعات العمرانية بتشكيل لجنة برئاسته لدراسة تعديل قانون الإيجارات القديمة لأن التوقيت غير مناسب في ظل التوترات والعلاقات غير المنضبطة بين المواطنين في هذه المرحلة الحساسة. يوضح أن الأصل في العلاقة بين المالك والمستأجر مدنية تخضع لأحكام القانون المدني وقواعده ولكن تفاقم وتوتر العلاقة بين الطرفين جعلت المسئولين يفكرون في إصرار قوانين استثنائية مؤقتة لحل مشكلة الإسكان ثم صدر قانون الإيجار القديم رقم 49 لسنة 1977 وأصبح هناك مراكز قانونية مكتسبة لأولاد أحفاد المستأجر الأصلي فامتدت العلاقة الإيجارية لهم.. ثم صدر بعد ذلك حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة 29 من هذا القانون بشأن امتداد العلاقة الإيجارية وحددتها بمدة واحدة لأقارب الدرجة الأولي وهم "الزوجة - الزوج - الأبناء".. وهو الحكم الذي أنهي مشكلة في الإيجار القديم.. وعندما أراد المشرع الرجوع للقانون المدني أصدر القانون رقم 4 لسنة 1996 المعروف بقانون الإيجارات الجديد وهو محاولة العودة لقواعد الإيجار الموجودة في القانون المدني.. حيث تحكم العلاقة بين المالك والمستأجر تحديد المدة والقيمة الإيجارية والإلتزامات المفروضة علي كل منهما والذي أدي أيضاً إلي سوء العلاقة بين الطرفين وكثرة الشكاوي والقضايا بالمحاكم وتفاقم أزمة المساكن وارتفاع قيمة الإيجارات. يطالب بالتفكير في بدائل حقيقية لحل هذه المشاكل المزمنة ليس بنصوص قانونية مع الزيادة السكانية الرهيبة.. وأن تكون هناك فترة انتقالية وقواعد تطبق تدريجياً في ظل وجود حقوق مكتسبة قانوناً لأقارب المستأجر في المساكن المؤجرة.. ومنها مثلاً أن تعود الشقة للمالك بعد امتداد العقد لمرة واحدة من المستأجر الأصلي لابنه.. أما المساكن الجديدة فتطبق عليها القواعد الجديدة. يري المستشار أيمن محمد عبدالحكم بمحكمة جنايات شبرا الخيمة أن العلاقة بين المالك والمستأجر في توتر مستمر بسبب القوانين الاستثنائية التي كانت تقرها الدولة منذ قيام ثورة يوليو 1952 ومع قلة عدد سكان مصر كانت العلاقة هادئة بسبب وفرة المساكن ولكثرة المعروض من الشقق.. ومع الوقت وغياب القوانين وزيادة السكان تفاقمت الأزمة بسبب توريث شقة المستأجر لأولاده مع ثبات القيمة الإيجارية واختفاء دور لجنة تحديد القيمة الإيجارية بالتدريج.. حتي صدر القانون رقم 4 لسنة 1996 والذي قام بأعمال أحكام القانون المدني علي عقود الإيجار التي تحرر بعد تاريخ صدوره. يؤكد أن هذا القانون حقق مصلحة المالك وحرر مدة الإيجار وقيمته وفقاً للعرض والطلب والقيمة السوقية باتفاق المؤجر والمستأجر وبزيادة نسبة 10% سنوياً.. ورغم ذلك استمرت الخلافات بين الطرفين. يري أن الحل يكمن في إيجاد صيغة متوازنة لإعادة وتقدير القيمة السوقية للعقارات في شتي المناطق الشعبية والراقية مع الأخذ في الاعتبار تاريخ بناء العقار.. بحيث تنقص الأجرة بقدم البناء وتزيد بالعكس لتحقيق مصلحة الطرفين.. وبذلك يمكن أن يكون فيه تعويض للمستأجر وللمالك أيضاً. يري د. سعيد عبدالمنعم أستاذ الضرائب وكيل كلية التجار جامعة عين شمس زيادة قيمة إيجار الوحدات تدريجياً بنسبة 10% أو 20% لإعادة التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر.. وأن يمنع التوريث نهائياً ويكون في حالة واحدة فقط وهي "للزوج - الزوجة - الأولاد القصر فقط".. وعدا ذلك يتم إخلاء الشقة فوراً وتسليمها للمالك. يضيف أن تحقيق ذلك يتطلب قيام الحكومة بإقامة وحدات إيجارية للشباب بأسعار زهيدة.. وأن تترك حرية التمليك لمن يقدر عليها وأن تكون الوحدات الجديدة للاتفاق بين المالك والمستأجر دون أي تدخل ووفقاً للعرض والطلب.. كذلك لابد من تفعيل قانون اتحاد الشاغلين رقم 119 لسنة 2009 وإلزام شاغل الوحدة السكنية بعمل الصيانة اللازمة لها للحفاظ علي الثروة العقارية.. وكل ذلك يدخل في مسئولية وزارة الإسكان لإعداد مشاريع قوانين الإيجارات للمباني القديمة ترضي الملاك والمستأجرين لحين عرضها علي مجلس الشعب الجديد لإقرارها وتحسين العلاقة بين الطرفين وعودة الحق لكل مظلوم منهم. زيادة تدريجية يؤيده في الرأي د. هشام الحموي أستاذ الضرائب بجامعة القاهرة ويطالب بضرورة سن قوانين جديدة تقضي علي ثغرات القانون القديم رقم 49 لسنة 1977 خاصة فيما يتعلق بامتداد عقد الإيجار للأبناء والأحفاد.. وأن يتم رفع القيمة الإيجارية لهذه المساكن فهناك إيجارات محددة منذ الأربعينيات والخمسينيات علي أساس القيمة السوقية في هذا الوقت ولابد من استخدام معيار قياسي لمضاعفة هذه الإيجارات بما يرضي المالك ولا يضر بالمستأجر كما حدث في تحريك إيجار الوحدات المستخدمة لغير السكن. يؤكد د. سامي السيد أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة أن الحل السليم لمشكلة الإيجار القديم في رفع القيمة الإيجارية علي أن تكون الزيادة تدريجية ومحددة وذلك لإعادة هيكلة وتقييم الإيجارات القديمة.. وأن يتم تقنين أسلوب "الخلو" قانونياً ويكون من حق المالك بعد زيادة القيمة الإيجارية للعقارات القديمة أن يسدد للمستأجر جزءاً من القيمة كالربع أو الثلث للشقة مقابل إخلائها. تحرير العلاقة يري محمد زارع عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان أن عقود الإيجار القديمة بدأت تتحرر من الأبدية بعد صدور القوانين التي منعت التوريث وجعلت عقد الإيجار يمتد من المستأجر لابنه مرة واحدة وبموته تنتهي العلاقة الإيجارية وتعود الشقة للمالك.. وكذلك هناك زيادة وإن كانت بسيطة في القيمة الإيجارية.. وبمرور الوقت سوف تتحرر هذه العقود وتصبح علاقة حرة بين المالك والمستأجر وحسب إيجار المثل أو سعر السوق. بالإضافة إلي قوانين الإيجار الجديدة التي جعلت العقد شريعة المتعاقدين. يؤكد أن التفكير في تعديل قانون الإيجارات القديمة يحدث في عهد كل الحكومات ثم يغلق لأن هذه العلاقة الشائكة وكل من طرفي المشكلة لديه أسبابه بأنه الضحية.. ولذلك لابد أن تترك هذه العقود للزمن لأنها ستحرر نفسها بمرور الوقت تدريجياً.. وأن جلسات الاستماع التي تنوي وزارة الإسكان عقدها عن طريق لجنة منها لمعرفة آراء طرفي العلاقة بالإيجارية وخبراء وأعضاء جمعيات ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.. يجب أن تؤجل في الوقت الحالي خاصة مع عدم استقرار الأوضاع في البلد منذ قيام الثورة.. وهناك الاضطرابات في كل مكان وقلة دخل المواطن وهو الذي يشغل معظم هذه المباني القديمة مما قد يؤثر سلباً ويؤدي إلي زيادة الاحتقان بين ملاك ومستأجري هذه المباني.