أثار مقالي السابق عن قانون الإيجار القديم، حفيظة بعض القراء، وعابوا عليّ أن نسبت ما يفعله مستأجرو هذا القانون إلى (التطفيف)، وفي هذا المقال؛ أتناول الموضوع من زاوية أخرى، قد يكون فيها حلٌ للمشكلة، واعتبروه أعزائي مجرد اجتهاد.. ورد ضمن أحكام المحكمة الدستورية العليا بشأن حق الملكية الخاصة: - إن الحماية الدستورية المقررة لحق الملكية تنصرف إلى جميع السلطات التي يخولها هذا الحق لصاحبه، وطالما كان حق الملكية حقاً جامعاً مانعاً فإن لصاحبه الانتفاع بالمال المملوك واستغلاله والتصرف فيه، وليست هذه المكنات إلا للمالك ما لم يخول شخص آخر - قانوناً أو اتفاقاً - إحدى أو كل هذه السلطات. - حرية التعاقد. قاعدة أساسية يقررها الدستور. اتصالها الوثيق بحق الملكية الذي قد يكون هو أو بعض من الحقوق المنبثقة عنه محلاً للتعاقد. وواضح من سياق الحُكمين السابقَين أن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ عهد الرئيس الراحل عبد الناصر، وحتى آخر حكومات الرئيس السابق مبارك، لم تحترم حق الملكية الخاصة للمصريين، ولم تعترف بحقهم في حرية التعاقد، بإقرارها جميعا لقانون الإيجار القديم، وحق وارث المستأجر في إرث ما ليس لمورثه؛ عقد إيجار الشقة والشقة، بغض النظر عما يصيب مالكها من إحباط وإحساس بالظلم، وعما يستشري في المجتمع من عداوات بسبب القانون، أسميتها (عداوة بالقانون). وقد نجد من يقولون: إن مالك العقار قد حصل على ما أنفقه في بناء عقاره أضعافا مضاعفة منذ بنائه، ويدّعون عدم أحقيته في أكثر مما حصل عليه، مثلا.. إن كانت الشقة بنيت عام 1950، وكانت تكلفة بنائها 1000 جنيه في ذلك الوقت، وكانت القيمة الإيجارية لها 20 جنيه شهريا، فيكون ما دفعه المستأجر في السنة 240 جنيه، وفي أربع سنوات وصل ما دفعه المستأجر 1000 جنيه هي تكلفة بنائها، وما حصل عليه المالك بعد ذلك هو ربح له من تأجير شقته (استثماره).. حتى جاء عام 1961؛ أول تخفيض للإيجارات على يد الرئيس عبد الناصر، وتبعه تخفيضان آخران 65 و 68، وأصبح إيجار الوحدة السكنية رُبع ما كان عليه منذ عشر سنوات، يعني إللي كان إيجارها 20 جنيه أصبح 5 جنيه ! ورتب المجتمع المصري أوضاعه على هذا الأساس؛ ظلم بشع بَيِّن للملاك؛ الذين - على غُلبِهم - يُحيُون في أذهان الناس صور إقطاعيي ما قبل 1952، فيجب القضاء عليهم، وحرمانهم من التمتع بما يملكون، لحساب المستأجرين الذين يشكل أغلبهم طبقات الشعب العاملة الكادحة ! وكما أممت الدولة مصانع الكبار والصغار، وكما قطّعت الأرض الزراعية بالإصلاح الزراعي؛ وجب عليها تقليم أظافر ملاك العقارات (الأغنياء)، لاستكمال صورة النظام الذي يسعى إلى تذويب الفوارق بين الطبقات.. وبقي الحال على ما هو عليه، ودخلت مصر مع عهد الانفتاح عهد التمليك منتصف سبعينيات القرن الماضي، ونتيجة لتأبيد عقد الإيجار بالقانون الناصري؛ بنى كل من بنى عقاراً وباع ولم يؤجر، ولم نسمع بعد عام 1980 بأن مالك عمارة بناها ليؤجر شققها، واختفت تماما لافتة (شقة للإيجار)، وتوجه سوق العقارات نحو التمليك بكل قوته، وأبقى مبارك كما أبقى السادات الوضع كما هو، لم يقرباه لحساسية التعامل مع المستأجرين، وليذهب ملاك العقارات القديمة إلى الجحيم.. والمحاولة الجادة الوحيدة لحل هذه المشكلة كانت هي التي قام بها المهندس صلاح حسب الله – متعه الله بالصحة - حين كان وزيرا للإسكان عام 1994، ومن عجب أنه أُقصي عن الوزارة فور عرضه تعديل القانون على الرئيس، يا عم ما تفتحش علينا فتحة ! ثم جاء عام 1996 وأقر قانون الإيجار الجديد، وهو بالمناسبة نفسه الذي اقترحه حسب الله !وارتفعت القيم الإيجارية حين أصبحت في يد الملاك، لعدة أسباب: أولا: الزيادة المطردة في أسعار الأراضي. ثانيا: ارتفاع تكلفة المباني (الحديد والأسمنت والطوب والعمالة...إلخ)،إلى درجات غير معقولة. ثالثا: لتتواكب القيمة الإيجارية مع ارتفاع نسبة التضخم، وتصبح هي سعر السوق. ولأنني عرضت المشكلة؛ سأعرض حلا ربما يكون مناسبا: لنفترض مثلا أن إيجار الشقة سبعة جنيهات، والمستأجر أو ورثته يدفعون هذا المبلغ التافه منذ أربعين أو خمسين سنة، تقنن الحكومة السنوات الخمس التالية كالآتي: السنة الأولى: يدفع المستأجر عشرة أضعاف القيمة شهريا، يعني: 70 جنيه شهريا. السنة الثانية: يدفع المستأجر ضعف قيمة العام الماضي، يعني: 140 جنيه شهريا. السنة الثالثة: يدفع المستأجر ضعف قيمة العام الماضي، يعني: 280 جنيه شهريا. السنة الرابعة: يدفع المستأجر ضعف قيمة العام الماضي، يعني: 560 جنيه شهريا. السنة الخامسة: يدفع المستأجر ضعف قيمة العام الماضي، يعني: 1120 جنيه شهريا. وهنا لنا وقفة مع نقطتين هامتين: أولا: هذا التدرج في ارتفاع أسعار الإيجار القديم ،سيترافق معه عرض الشقق والمساكن المغلقة للإيجار، وهذه المساكن المغلقة قدرت بنحو خمسة ملايين شقة ! وعندما يصل إيجار الشقة القديمة إلى مثيلتها في القانون الجديد، ومع فتح الشقق المغلقة؛ ستؤدي قوى السوق إلى الانخفاض التدريجي في القيم الإيجارية، لأن المعروض كثير، والتنافس على المستأجر سيصبح سيد الموقف. ثانيا: سيُخرج الارتفاع التدريجي في القيمة الإيجارية المستأجرين من دائرة الانتهازية والتطفيف، فالإيجار الذي يدفعه الآن يستوفي به حقه مئات المرات، يسكن في شقة واسعة، مثيلتها في القانون الجديد تؤجر بألف جنيه، بينما هو لا يدفع إلا خمسة أو عشرة جنيهات. ثالثا: سيعود المجتمع – بالتدريج – متآلفا متحابّا، لا عداوة فيه بالقانون، ولا ضغائن بين مالك ومستأجر حين يحصل كلٌ منهم على حقه.. واسلمي يا مصر.