مازالت جدلية التصالح مع رجال الأعمال، واتخاذ إجراءات قانونية لتوفيق أوضاع نجمت عن ممارسات فاسدة في النظام السابق، محل جدل وخلاف، لكن في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، وعجز الحكومة عن حل أي مشكلة اقتصادية، وتردي الأوضاع المعيشية للمواطن المصري، بدأ الحديث عن هذا التصالح يعود مرة أخرى، مدعوما بترحيب من النظام الحاكم من خلال المبادرة التي أطلقها القيادي الاخواني المهندس حسن مالك رئيس لجنة تواصل بين مؤسسة الرئاسة ورجال الأعمال للتصالح مع رجال الأعمال المتواجدين بالخارج، من أجل عودتهم لاستئناف أنشطتهم الاستثمارية بمصر. وكان المستشار عبد المجيد محمود النائب العام السابق قد صرح سابقاً بأن إجمالي الأموال المفترض استردادها من بعض رجال الأعمال في عهد النظام السابق طبقاً للقضايا المرفوعة، وباتت محل نزاع قضائي تصل الى 25 مليار جنيه و5 مليارات دولار، ومن أشهر هذه القضايا رخص الحديد التي حصل عليها أحمد عز، وأرض مدينتي، وكانت أحدث عمليات التصالح التي حدثت ما تم مع وزير التجارة السابق الذي عرض دفع 12 مليون جنيه للتصالح والعودة لمصر، ورجلي الأعمال ياسين منصور بعد استجابة عدد للعودة وحامد الشيتي الذي أعلن المهندس حسن مالك عن حدوث نجاح ملموس لمبادرة المصالحة معهم مضيفاً أن عملية المصالح تشمل كل رجال الاعمال الذين لم لتسوية أوضاعهم المالية مع اجهزة الدولة واستئناف نشاطهم، تصدر ضدهم احكام أو لم يتم توجيه تهم لهم في قضايا جنائية، وهو ما أكده محمد جودة المتحدث باسم اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة قائلا: إنه لا مانع من التصالح مع أي رجل أعمال لم تتلوث يده بدماء المصريين ولا توجد عليه قضايا جنائية، حيث يمكن التفاوض معه حول بعض الخلافات المالية مع الدولة،ورد ما أخذوه بغير حق للخزانة العامة للدولة، من خلال لأننا نحتاج في هذا الوقت لمصالحة وتوافق وطني عام لتحقيق مصلحة البلد، التصالح مع الدولة بعيداً عن المحاكم. ورغم القبول المبدئي لهذه المبادرة من بعض منظمات الاعمال كاتحاد الصناعات، فإن القوى الثورية وبعض المنظمات الحقوقية رفضت هذه المبادرة وتمثل ذلك في التحذير الذي أطلقه حمدي الفخراني من قيام ثورة ثانية اذا ما أقدمت الحكومة على تفعيل القانون رقم 4 لسنة 2012 الذي يتيح للحكومة حقا للتصالح مع المستثمرين غير الجادين مقابل السداد او التنازل عن ممتلكاتهم التي حصلوا عليها بطريق التحايل ضد الدولة. وشدد «الفخراني» على أن القانون الذي مرر في غيبة مجلس الشعب قانون فاسد، ويدعو للفساد لأنه يتيح للمستثمر الفاسد التصالح في أي وقت، وسداد الثمن، وهو ما سيؤدي الى اهدار 800 مليار جنيه مصري حصيلة المخالفات التي تم حصرها من بيع أصول الدولة في الشركات والأراضي بأسعار زهيدة للمستثمرين الفاسدين على حد قوله. وما بين الرفض والقبول يظل السؤال: هل يمكن استرداد ما تم أخذه دون وجه حق مقابل عفو عام، طالما لا يوجد جرم جنائي، وطالما ان قيمة الأموال التي يمكن استرجاعها من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي المتردي الحالي؟ الدكتور حازم الببلاوي وزير المالية السابق يرى أن الحديث عن المصالحة واسترجاع المليارات هو حديث السحرة الذي لا يصدق كلامهم الا في النادر، قائلا: لا يجب أن يكون هذا التصالح صك الغفران للمستقبل، فمن يرتكب جرما في حق المجتمع يعلم أنه سوف يدفع الدية ويتصالح، ويضيف: أن الأمر غامض والأمور غير واضحة فاذا كان الأمر جاداً وقائماً على أسس لابد من شفافية تتيح لنا معرفة المتصالح وجرمه وقيمة ما سيدفعه، وموقفه القانوني فإذا كنا في دولة قانون، يجب أن يحترم هذا القانون، حتى لا نخلق دولة تبيع القانون بالفلوس. ويشير «الببلاوي» الى أن الكلام عن التصالح والمليارات العائدة منه بات كالدخان الذي يتطاير سريعاً، وهو أسهل شىء أمام المسئولين الآن، فلا رقم حقيقي، ولا وقائع محددة، فإذا كانوا جادين، عليهم أن يقدموا قانوناً للتصالح تتم مناقشته بما يعود بالنفع على البلد ودون السماح بهروب من ارتكب جرم، فالكلام الحالي والمبادرات المطروحة، لا تزيد على كونها عملية تخدير وتسويف للواقع. لم يختلف كلام أحمد جابر نائب رئيس غرفة الطباعة عن حديث «الببلاوي» مضيفاً أن كل هذا الكلام جزء من اتفاق كبير لعودة كل الاخطاء السابقة، متسائلا لو أن فريقاً آخر غير الحرية والعدالة كانت طرحت هذه المبادرة ماذا سيكون عليه الموقف جينها، قائلا إن أموال رجال الاعمال المتهمين في الخارج وعودتها مستحيل دون اتفاق معلن يضمن لأصحابها النجاة والاستمرار في انشطتهم. محمد جنيدي نقيب الصناعيين يؤكد أن المصالحة لن تأتي بما يتخيله البعض، قائلا إنها ليست مفتاح الجنة لحل مشاكلنا الاقتصادية، مطالباً بشطب الماضي بكل ما فيه، وترك الأمر للقضاء، وأضاف: إننا نحتاج حالياً للنظر الى مشاكل الاستثمار وقانون الضرائب، والتأمينات والطاقة، كاشفاً عن وجود ما يقرب من 30 مليار دولار مجمدة في مصانع مغلقة تحتاج لدعم بسيط لتعود للانتاج، وتشغيل الطاقات العاطلة، مضيفاً أن عودة الأموال قد تقلل العجز في الموازنة، لكنها لن تحل المشاكل الاقتصادية ولن تشغل الشباب، مؤكداً أن زوال الاحتقان السياسي لن يكون الا بخلق فرص عمل جديد.