طيب.. وليه لأ؟ ما دامت الدولة سوف تسترد الأموال المنهوبة والمهربة.. وما دام الشعب سوف يستعيد الحقوق الضائعة لدي رموز النظام السابق؟ وما دامت المصالحة ستعود بالمليارات التي تحتاجها البلد للخروج من الأزمة الاقتصادية التي تمسك بخناقها؟ وماذا نستفيد من بقائهم في طرة أو غيرها؟ طيب وليه لأ؟ فهناك سوابق في العالم وحدث ذلك في جنوب افريقيا بعد الاستقلال واتفق نيلسون مانديلا علي التصالح بين السود والبيض مقابل استعادة الحقوق واشتراك الأغلبية في الحكم وطي صفحة الماضي.. ونفس الشيء يمكن ان يحدث في مصر بعد الثورة ويكون التصالح مقابل ما تم نهبه وتهريبه للخارج بدلا من ضياع المليارات والاستيلاء عليها في البنوك الأوروبية والامريكية بحجج واهية تصل إلي حد النصب والتحايل. المهم ان تعيد الدولة الأموال المنهوبة بالتصالح مع الذين قاموا بتهريبها في السنوات السابقة، وكما ينتج من الاتصالات مع الدول الأجنبية - مثل سويسرا - فإن هناك صعوبات قضائية في استردادها وقد تطول المطالبات إلي سنوات حتي تصدر احكام قضائية مصرية باتة وبعدها يمكن النظر في الأمر.. ولذا فإن مبادرة استعادة الأموال المنهوبة سوف تصب في مصلحة مصر أولا وأخيرا ونظرا للظروف المالية الصعبة التي تمر بها البلاد - كما أكد الدكتور ممتاز السعيد وزير المالية الذي يفكر من منظور وطني - وفي ضوء تقلص الاحتياطي النقدي من 63 مليار دولار إلي 61 مليار دولار بما يعني سحب 02 مليار دولار في عام واحد بعد 52 يناير 1102 وكذا ارتفاع عجز الموازنة.. وإذن ما المانع من وضع آلية لاسترداد جانب من الأموال المنهوبة والمهربة للخروج من عنق الزجاجة مقابل التصالح مع رجال أعمال ومسئولين سابقين - الذين يبدون استعدادا لذلك- واتفق مع الدكتور السعيد وهو علي حق عندما طرح: إنني أري كوزير للمالية أنه من المصلحة البدء في التفاوض ما دام القانون ليس ضد التصالح في قضايا الفساد المالي فقط..! ولو أنه لم يتقدم حتي الآن الاعداد الكافية منهم للبت في التفاوض.. ومع ملاحظة ان الأموال المقرر استردادها سوف تضاف إلي الإحتياطي النقدي الذي استنزف منه قرابة عشرين مليار دولار، وأيضا إلي خزانة الدولة وسوف يتم التصالح من خلال وزارة العدل واللجان المختصة بها! وكان الأستاذ بهاء الدين أبوشقة المحامي ونائب رئيس حزب الوفد هو أول من طرح مبادرة التصالح مقابل رد الأموال المنهوبة، وحسب رأيه الذي قال لي: إننا لن نحصل علي شيء من الخارج إذا استمرت الأوضاع بهذا الشكل فإن الفلسفة العقابية قد تغيرت وأصبح هناك فكر جديد وظهرت المواءمة العقابية والتوسع في الصلح الجنائي وذلك في المادة 81 من قانون الاجراءات الجنائية التي تتيح التصالح في جرائم التبديد وخيانة الأمانة وحتي بعد صدور الحكم فالتصالح يوقف التنفيذ، وهو ما حدث في جرائم الاموال العامة وقضية نواب القروض وفي التصالح بين رجال الأعمال المتعثرين والبنوك، وكذا بين الممولين والضرائب! وفي رأي ابوشقة أننا في حاجة إلي موارد مالية بالمليارات في الظروف الصعبة الراهنة، والوضع الصحيح بالنسبة للجرائم المالية البحتة مثل الاختلاس واستغلال النفوذ والإضرار العمدي بالمال العام والتربح، أن يتم إضافة فقرة في قانون العقوبات إلي المادة 81 مكرر للنص علي أن هذه الجرائم تنقضي الدعوي العمومية لها في حالة التصالح والسداد، كذلك بالنسبة لقضايا الكسب غير المشروع في النص الخاص بالعقوبات تضاف فقرة مماثلة تتضمن أنه في حالة السداد يوقف التنفيذ حتي يؤخذ حق الدولة..! وقد أثار بهاء الدين أبوشقة في حديثه: أن بعض القضايا تضم مستثمرين أجانب مع المستثمرين المصريين، وبعضها تحولت إلي قضايا تحكيم ويرجح فيها القضاء بأحكام مالية كبيرة - وأنه ضد أحمد عز وحسين سالم وغيرهم من رموز الفساد - ولكن في الجرائم المالية البحتة من الأجدي التصالح ولا علاقة لذلك بالجرائم الجنائية الأخري بشكل عام! هناك الذين يرفضون هذه المبادرة وتنازل رموز من النظام السابق عن جانب من ممتلكاتهم واموالهم مقابل التصالح مع الدولة، وبينما يؤيد آخرون مبادرة وزير المالية للتصالح مقابل إعادة الأموال المنهوبة والمهربة إلي الخارج، والتي من غير المضمون الحصول عليها في ظل العراقيل من الدولة الأوروبية.. وحتي الآن لم يتوفر حصر دقيق وكامل للأموال المهربة ولا يعرفها بالتحديد إلا أصحابها من نزلاء طرة وبينما يقدرها البعض بحوالي 522 مليار دولار! وقد اسفرت جهود اللجنة القضائية الخاصة باسترداد الأموال عن نتائج ايجابية في بريطانيا ومنها تجميد أموال 91 مسئولا مصريا منهم الرئيس السابق مبارك وزوجته ونجلاه وأحمد عز وزوجاته الثلاث وأحمد المغربي وزوجته ورشيد محمد رشيد وزهير جرانة وزوجته وشقيقه وآخرون، ولكن كل ما اعلنت بريطانيا عن تجميده من أموال يبلغ 04 مليون جنيه استرليني فقط، وحدث نفس الأمر في سويسرا حيث تم تجميد 014 ملايين فرنك يوم تنحي مبارك. انني اتساءل لماذا نلجأ إلي الإقتراض من صندوق النقد الدولي - 3.2 مليار دولار - ونضطر إلي تحمل أعباء الدين الخارجي وفوائد القروض، طالما أنه توجد وسيلة لاسترداد الأموال المنهوبة والتي تبلغ اضعاف أضعاف القروض؟ ولماذا نمد أيدينا إلي دول الخليج والنفط ونطلب المساعدات والمنح وبينما هم يديرون ظهورهم لنا ومتراجعون عن وعودهم بمساعدة مصر بعد الثورة في تجاوز أزمتها الاقتصادية؟ ولماذا لا نستفيد من مبادرة التصالح مقابل استرداد الأموال المنهوبة والمهربة من جانب رموز النظام السابق المتهمين في القضايا المالية؟ ولماذا لا نفكر بطريقة عقلانية وبعيداً عن المزايدات العنترية؟!