سورة طه من السور الطوال في القرآن الكريم التي تحدثت عن أصول الدين الإسلامي وعن البعث والنشور، كما تحدثت في عدد كبير من آياتها عن قصة نبي الله موسى -عليه السلام-، وكثرت في آياتها لمسات البيان العربي، ولكثرتها وغزارتها في السورة الكريمة سيتم ذكر بعض من تأملات في سورة طه، كالذي جاء في قوله تعالى: {إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ}. فقد جاء القرآن الكريم بلفظ "أكاد أخفيها" والمُراد ظهورها، والإخفاء هنا ليس للساعة وليس ليوم القيامة فهو سيقع لا محالة، وإنما الإخفاء لموعدها أو وقتها، وما ذُكرَ من علامات الساعة وما سيأتي من العلامات في المستقبل التي تدل على قيام الساعة، فلو أنَّ المُراد إخفاؤها لما أخبر عن علاماتها، إذًا المراد من قوله تعالى هو ظهور الساعة ولكن إخفاء وقتها، كما أنَّ الفعل خفي يأتي بمعنى الظهور. ومن تأملات في سورة طه التي تبين مدى سعة اللغة العربية، لغة البيان والبديع، ما جاء في قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَىٰ}. فالمعنى الظاهري في ترتيب الآية أنَّ الإيمان والعمل الصالح هم قبل هداية الإنسان فالحرف "ثم" يفيد في معناه المشهور الترتيب والتراخي، والحقيقة أنَّ الهداية هي قبل العمل الصالح، والعمل هو نتيجة للهداية، وذلك هو المُراد من الآية فقد جاء الحرف "ثم" هنا بمعنى ترتيب الإخبار، فيكون ما جاء بعدها أهم في السياق مما قبلها، وهذا أحد معانيها التي وردت في أكثر من مثال في آيات الذكر الحكيم، كما جاء في سورة البلد، في قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ* فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ* يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ* أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ* ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}. فإنَّ فعل الإيمان الذي جاء بعد "ثم" هو الفعل الأعلى قيمةً من إطعام المساكين أو إعتاق الرقاب، فلو لم يؤمن الإنسان لما قُبلت أيٌّ من أعماله الصالحة، إذًا فهنا أيضًا جاء "ثم" لترتيب الإخبار وليس للترتيب والتراخي في الزمن.