يبدو أن الرواية ستعود الى مكانتها كمصدر أساسى للأفلام، وها هو فيلم جديد يحتفى به، مُقتبس عن الرواية الأكثر مبيعاً The Woman in the Window، من تأليف أ. جيه فين، من المعروف أن الفيلم بدأ التفكير فى انتاجه بمجرد ظهور الرواية، ولكنه واجه العديد من الصعوبات، وتم تأجيله فى النهاية بسبب جائحة Covid-19. حتى أنتجته Netflix، ليشارك فيه مجموعة كبيرة من النجوم إيمى آدمز وجوليان مور، وجارى اولدمان، وجينيفر جيسون لى ومن إخراج جو رايت، صاحب التجارب العدة المأخوذة من روايات مثل Pride and Prejudice (كبرياء وتحمل)، Atonement (تكفير) لإيان ماك إيوان.، وآنا كارنينا لتولستوى، ومشاركة الممثل والكاتب المسرحى تريسى ليتس، الحائز على جائزة تونى وجائزة بوليتسر للدراما. الفكرة الرئيسية للفيلم متأثرة بالفيلم الكلاسيكى الذى أخرجه ألفريد هيتشكوك، النافذة الخلفية، وكان له تأثير واضح فى عدة مشاهد، والنافذة الخلفية (Rear Window) هو فيلم أنتج عام 1954، من إخراج ألفريد هتشكوك، الذى ترشح لجائزة أفضل مخرج فى مهرجان الأوسكار، الفيلم مقتبس عن قصة قصيرة لكورنيل وولريش بعنوان (It Had to Be Murder)، بطولة جيمس ستيوارت, جريس كيلي، ثيلما ريتر. وتدور قصة الفيلم عن مصور (يؤدى دوره الممثل جيمس ستيوارت) لديه كسر فى ساقه، يمضى يومه فى المنزل يشاهد جيرانه من خلال النوافذ، وفى يوم وبينما هو يراقب يظن أنه رأى جريمة قتل، وصديقته ليسا كارول (جريس كيلي) تساعده بالتحقيق. وفى الحقيقة لقد قدم المخرج فيلماً مثيراً تتلاشى فيه المسافات بين الحقيقة الذاتية والموضوعية، والحقيقة والأكاذيب التى نقولها لأنفسنا، وكيف نخلق منها واقعنا الخاص. ومن المعروف أن مؤلف رواية دان مالورى «The Woman in the Window» نشرها تحت اسم مستعار A. J. Finn، جامعاً بين جريمة قتل، ومختلة عقلياً. الأحداث تتناول قصة امرأة تدعى آنا فوكس، عالمة النفس المنعزلة عن العالم المحيط بها، والمصابة برهاب الخلاء وتعيش فى مدينة نيويورك. بدأت صحتها العقلية فى التدهور بعد أن ابتعدت عن زوجها وابنتها. تمضى الوقت من خلال مشاهدة الأفلام، ومراقبة جيرانها، وشرب الكثير من النبيذ، تشاهد آنا فوكس عائلة تتحرك فى المنزل المجاور. إيثان، الطفل الوحيد للأسرة الذى يشعر بالحزن والوحدة، يبلغ من العمر حوالى خمسة عشر عامًا، يزور آنا. تشعر بالشفقة عندما يصفعه الأب المسيطر والعنيف، وتستمر الأحداث إلى أن تشاهد جريمة وحشية فى المنزل الكائن أمام بيتها، هنا تبدأ تصاعد الأحداث والسؤال المصيرى: هل رأت حقاً امرأة تُقتَل؟، أم أن كل هذا مجرد تخيلات فى رأسها؟ بالطبع حبكة الفيلم مليئة بالغموض، رغم أن الفكرة معروفة مسبقا، والقارئ للرواية سيجد أن أسلوب سرد «المرأة فى النافذة» جاء بضمير المتكلم، ليترك مساحة أكبر لشرح تعقيدات الحبكة. وفى الفيلم، بنى البناء الدرامى من خلال المحادثة الهاتفية مع دكتور (أنتونى ماكي) أو جلسات العلاج النفسى، وبدأ سرد التفاصيل لما حدث ممزوجًا بالهلوسة، ورغم ان هذا قد يجعل متابعة التفاصيل الدقيقة للحبكة أمرًا صعبًا بعض الشيء، لكن اللغز الرئيسى يسير فى مساره بسلاسة. ومن خلال عدسة الكاميرا الخاصة بها، تتابع ما يحدث فى البيوت التى تقع امام منزلها، ومنها نعرف شخصيات الفيلم، جين راسل، والابن إيثان، وأليستير راسل، والمستأجر ديفيد. هؤلاء يشكلون عناصر الحبكة الدرامية، ومعهم نعيش سلسلة الانهيارات العاطفية، وخاصة فى ظل تصعيد رهاب الأماكن لدى آنا للفيلم، بحيث ظهر واضحا فى المرة الأولى التى تفتح فيها الباب، حيث تصاب بنوبة هلع وتنهار. يحتوى الكتاب سردا أكثر شمولية لخوف آنا من الأماكن المكشوفة، والذى نعرف بعد ذلك أنه بسبب حادث سيارة الذى تسببت فيه، وكانت مع زوجها (أنتونى ماكي) وابنتها الصغيرة ولم ينج زوجها ولا ابنتها. الطريف أن فى كل من الرواية والفيلم، تتلقى آنا رسالة بريد إلكترونى به صورة لنفسها وهى نائمة. فى الرواية يكون المرسل معروفا باسم جين راسل، ولكن فى الفيلم، عنوان البريد الإلكترونى غامض ولا يعرفه أحد. المفاجأة أن القاتل كان إيثان الشاب الحساس جدا الذى حاولت مساعدته، فى الرواية نعرف منه أن جين التى التقت بها هى فى الواقع والدته البيولوجية، كاثرين، وأما أليستار وجين راسل هما والداه بالتبني. ونعلم أن كاتى كانت مدمنة للمخدرات عندما كان طفلاً ولكنه يريد الآن إعادة الاتصال به. يكشف أيضًا أنه منجذب إلى النساء الأكبر سنًا، والسبب فى اضطرار عائلته إلى الانتقال الى هذا المكان هو أنه تم القبض عليه وهو يشاهد إحدى زميلات والده فى العمل أثناء نومها فى الليل، لذلك تم اقتحام المنزل لمشاهدة آنا تنام أيضًا. أما فى الفيلم، فنعرف ذلك من ديفيد المستأجر عند آنا (وايت راسل)، الذى قضى ليلة واحدة مع كاتى والدة إيثان، لكن أليستار هو والده، ونعلم أنها هربت عندما كانت حاملاً فى شهرها الثامن. وتتسارع وتيرة الأحداث عندما يخرج إيثان بسكين ملطخ بالدماء، ليشرح أن كلاً من كاتى وآنا كانتا «لديهما وظيفة واحدة يجب القيام بها هى العناية بأسرتهما»، ولأن معاناة إيثان كانت بسبب كاتى، ولأن آنا كانت تقود السيارة وتسببت فى الحادثة، وكانت على علاقة بشخص آخر، لذلك اختارهما إيثان كفريسة تستحق العقاب، لنكتشف أنه مختل عقليًا يحب مشاهدة النساء تموت، لذلك دفع زميلة والده فى العمل من مبنى مكون من ستة طوابق قبل ذلك. الفيلم لم يجعل ديفيد يمارس الجنس مع آنا، كما تفعل الشخصية فى الرواية. بل أن ديفيد ينجو فى الرواية من الطعن من قبل إيثان، لإحباط هجوم إيثان على آنا وطعن آنا، ولكن فى الفيلم يموت وتقاوم آنا بمقاومة إيثان، وفى الرواية أيضاً يكشف إيثان عن نواياه فى قتل آنا وجعلها تبدو وكأنها انتحار. وفى الفيلم، تخطط آنا للموت منتحرة، ويخبرها إيثان أنه يريد فقط مشاهدتها وهى تموت، وقبل أن يتمكن إيثان من قتلها، تكذب عليه لأنها تعرف هوية والده البيولوجى، وتشتت انتباهه بالمعلومات الخاطئة، فتحطم رأسه بزجاجة نبيذ وتهرب، ويطاردها وينتهى بهما المطاف على السطح تحت المطر. وتحتضنه - ثم تدفعه إلى المنور، حيث يكسر الزجاج، مما يؤدى إلى سقوطه ووفاته. تنتقل بنا الأحداث بعد تسعة أشهر، حيث تتحرك آنا خارج منزلها المعروض للبيع، تركب سيارة أجرة لتغادر المدينة ونافذتها خلفها.