وزير الصحة: هيئة الإسعاف شهدت نقلة نوعية غير مسبوقة منذ 2014    الهلال الأحمر يخلي 3 مرضى من مستشفى العودة المحاصر رغم الاحتجاز.. وإطلاق النار قرب سيارات الإسعاف    نهائي كأس ألمانيا 2025.. أرمينيا بيليفيلد يصطدم بشتوتجارت في مواجهة الحلم والتاريخ    مدير تعليم القاهرة يتابع سير امتحانات النقل بإدارة بدر    نائب رئيس الوزراء: مركز الاتصالات الجديد للإسعاف هو الأكبر في الشرق الأوسط    العُمر مجرد رقم.. آمال ابنة المنيا تحوّل القصاصيص إلى كنوز في المتحف الكبير    ممكن تترشح في أي دائرة.. وزير الشؤون النيابية يكشف تفاصيل جديدة بشأن نظام الانتخابات    مستعمرون يحرقون 40 دونمًا مزروعة بالقمح فى سبسطية قرب نابلس    رئيس وزراء أوكرانيا يدعو إلى زيادة الدعم الدولي لبلاده وتشديد العقوبات على روسيا    سيميوني: أهدرنا فرصة الفوز باللقب فى أسهل موسم    مركز الساحل والصحراء يعقد مؤتمرًا عن "الإرهاب فى غرب أفريقيا".. صور    البابا تواضروس يصلي القداس الإلهي ب كنيسة «العذراء» بأرض الجولف    هيثم فاروق: أثق في يورتشيتش وبيراميدز لن يعود للدفاع في الإياب أمام صن داونز    مغامرة كأس العالم للأندية    إصابة نجم يد الزمالك بقطع في الرباط الصليبي للركبة    تباين أداء قطاعات البورصة المصرية.. قفزات في المالية والاتصالات مقابل تراجع المقاولات والموارد الأساسية    فى حضرة قباء بالمدينة المنورة.. المصريون بين عبق التاريخ ورعاية لا تغيب "فيديو"    بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني ب8 مدارس فنية للتمريض بالإسكندرية    تأجيل محاكمة أكبر مافيا لتزوير الشهادات الجامعية    ضباط الشرطة الفرنسية يقدمون عرضًا على السجادة الحمراء ضمن ختام «كان السينمائي»    مسلم يرد من جديد على منتقديه: كفاية بقى    لقاء سويدان: الجمهور ملهوش التدخل في حياة السقا ومها الصغير    فرقة الغنايم تقدم «طواحين الهوا» على مسرح قصر الثقافة    محمد رمضان يروج ل فيلم "أسد" بصورة جديدة من الكواليس    موعد افتتاح المتحف المصري الكبير 2025.. هل يوافق إجازة رسمية؟    عضو شعبة المواد الغذائية: «كلنا واحد» تعيد التوازن للأسواق وتدعم المستهلك    رئيس الوزراء يشارك غدا بمنتدى الأعمال المصرى - الأمريكى    تأجيل محاكمة متهمي اللجان النوعية    "ملكة جمال الكون" ديو يجمع تامر حسني والشامي    ملك المونولوج.. ذكرى رحيل إسماعيل ياسين في كاريكاتير اليوم السابع    وزير البترول يتفقد المجمع الحكومي للخدمات الذكية خلال جولته بالوادى الجديد    المانجو "الأسواني" تظهر في الأسواق.. فما موعد محصول الزبدية والعويسي؟    وزير الداخلية اللبناني: الدولة لن تستكين إلا بتحرير كل جزء من أراضيها    بيرو تفتح تحقيقاً جنائياً بحق جندي إسرائيلي بعد شكوى مؤسسة هند رجب    المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تصعد سياسة التهجير والتجويع تمهيدًا لطرد جماعي للفلسطينيين    تسجل 44.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس في مصر: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد ل48 ساعة    سقوط عدد من "لصوص القاهرة" بسرقات متنوعة في قبضة الأمن | صور    النزول من الطائرة بالونش!    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء الخطة التدريبية لسقارة للعام المالي الحالي    محافظ قنا يكرم باحثة لحصولها على الدكتوراه في العلوم السياسية    سيد عطا: جاهزية جامعة حلوان الأهلية لسير الاختبارات.. صور    كونتي ضد كابيلو.. محكمة تحدد المدرب الأفضل في تاريخ الدوري الإيطالي    بمشاركة منتخب مصر.. فيفا يعلن ملاعب كأس العرب    ذا أثليتك: أموريم أبلغ جارناتشو بالبحث عن نادٍ جديد في الصيف    جرافينبيرش يتوج بجائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإنجليزي    النائب مصطفى سالمان: تعديلات قانون انتخابات الشيوخ خطوة لضمان عدالة التمثيل    رئيس الوزراء يفتتح المقر الرئيسي الجديد لهيئة الإسعاف    نائب وزير الصحة يبحث مع وفد منظمة الصحة العالمية واليونيسف تعزيز الحوكمة ووضع خارطة طريق مستقبلية    مباشر.. أسرة سلطان القراء الشيخ سيد سعيد تستعد لاستقبال جثمانه بالدقهلية    جامعة كفر الشيخ تسابق الزمن لإنهاء استكمال المنظومة الطبية والارتقاء بالمستشفيات الجديدة    براتب 20 ألف جنيه.. تعرف على فرص عمل للشباب في الأردن    رئيس جامعة الأزهر: القرآن الكريم مجالًا رحبًا للباحثين في التفسير    خلي بالك.. رادارات السرعة تلتقط 26 ألف مخالفة في يوم واحد    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    حكم طلاق الحائض عند المأذون؟.. أمين الفتوى يُجيب    الداخلية تضبط المسئول عن شركة لإلحاق العمالة بالخارج لقيامه بالنصب    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 24-5-2025 في محافظة قنا    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موضوع خطبة الجمعة المقبلة حول غزوة بدر دروس وعبرٌ
نشر في الوفد يوم 28 - 04 - 2021

نحن نعيش في هذه الأيام المباركة ذكرى عزيزة علينا ألا وهي ذكرى غزوة بدر الكبرى ؛ والتي كانت في السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة ؛ وبهذه المناسبة ؛ نقف مع الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى لنطبقها على أرض الواقع ؛ وهناك دروسٍ وعبر من هذه الغزوة
بهذا بدأالدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه قائلا:
فمبدأ الشورى في الإسلام مبدأٌ أصيلٌ ؛ وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يطبقه في كثير من الغزوات والأمور التي تخص الدولة والمجتمع ؛ ومن بين هذه الغزوات ؛ غزوة بدر الكبرى؛ فقد استشارهم – صلى الله عليه وسلم - للخروج ؛ " فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ . ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ؛ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: " اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ " وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ؛ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ ..فقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك ، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا ، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا ، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ . لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ . ثُمّ قَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا ، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ " . ( سيرة ابن هشام ) .
كما طبق – صلى الله عليه وسلم – مبدأ الشورى في نهاية المعركة في شأن أسرى بدر ؛ فأشار أبوبكر رضي الله عنه بأخذ الفداء ؛ وأشار عمر رضي الله عنه بضرب أعناقهم؛ ونزل القرآن موافقًا لرأي الفاروق عمر .
ولقد مدح الله المؤمنين بتطبيق مبدأ الشورى فقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } (الشورى: 38) . كما أمر نبيه – صلى الله عليه وسلم – بذلك فقال: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } (آل عمران: 159) يقول الإمام ابن كثير:" كان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حَدَث، تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم كما شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير ... وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى عليه ذلك السَعْدَان: سعدُ بن معاذ وسعدُ بن عُبَادة، فترك ذلك. وشاورهم يومَ الحُدَيبية في أن يميل على ذَرَاري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجيء لقتال أحد، وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال." أ.ه
عباد الله: لا شك أن الشورى التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم عليها بقوله وفعله، يتحقق من ورائها أهداف عظيمة، فهي تعمل على نشر الألفة بين أفراد المجتمع، وهي وسيلة للكشف عن أصحاب الرأي السديد، ومَنْ بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الصعبة الطارئة، مما
يفتح الباب للاستفادة من كل العناصر المتميزة في المجتمع، وحينما تكون الشورى أمرًا إلهيًا وسلوكًا نبويًّا، فإن المجتمع الذي يتمسك بها، سيحوز الأمن والأمان والتوفيق والنجاح ؛ وكما قيل: ما خاب من استخار، و لا ندم من استشار .
وأضاف الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب:
لقد حثنا الشارع الحكيم على مبدأ الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى؛ وقد طبقه – صلى الله عليه وسلم في جميع حياته العملية ؛ فعندما تحرك إلى موقع ماء بدر، نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر ، وهنا قام الْحُبَاب بْنَ الْمُنْذِرِ وأشار على النبي بموقع آخر أفضل من هذا الموقع قائًلا: يَا رَسُولَ اللّهِ ! أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: " بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ" .. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [ أي ندفن ] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ..فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – مشجعًا – :" لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ". (سيرة ابن هشام).
ويعتبر الإبداع والابتكار ميزة رائدة تمتاز بها العسكرية الإسلامية في المعارك. ومن أشهر الخطط العسكرية المُبدعة في التاريخ العسكري للمسلمين خُطّة سلمان الفارسي في غزوة الأحزاب ( الخندق ) ؛ وذلك بحفر الخندق حول المدينة وهذا ابتكار جديد لم تعرف به العرب قبل !
وفي حادث الهجرة وضع النبي – صلى الله عليه وسلم – خطة محكمة ؛ أدت إلى إتمام الهجرة بنجاح.
إن الله قادرٌ على حمل نبيه في غمامة أو سحابة أو يسخر له الريح – كما سخرها لسيدنا سليمان – فتحمله في طرفة عين من مكة إلى المدينة، ولكن الله يريد أن يعطينا درسًا لا ننساه وهو التخطيط والأخذ بالأسباب.
فينبغي على كل مسلم في حياته العملية أن يأخذ بجميع الأسباب الموصلة إلى غايته وهدفه مع التوكل على الله تعالى؛ وهذا ما غرسه النبي في نفس الصحابي الذي أطلق الناقة متوكلا على الله؛ فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:" اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ" (الترمذي وحسنه).
وذكر الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب ان الروج المعنوية مبدأ أصيل في الإسلام ؛ ولنا الأسوة الحسنة في نبينا – صلّى الله عليه وسلم – فقد حرص في قيادته لجنده أن يرفع الروح المعنوية لديهم وبقاءها كذلك، وفي جميع غزواته يبعث فيهم الأمل والتفاؤل والغد المشرق؛ ففي غزوة بدر يبعث فيهم روح النصر والأمل بقوله: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ» . وقوله: " سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ؛ والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم؛ ثم قال: هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله – ووضع يده بالأرض – وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله. قال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطأوا الحدود التي
حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم." ( سبل الهدى والرشاد).
وفي غزوة الأحزاب اشتدت صخرة في حفر الخندق لم يستطع الصحابة حفرها ؛ فيأتي – صلى الله عليه وسلم – يضربها ثلاث ضربات بمعوله؛ ويخبر – متفائلًا – بفتح أعظم البلاد ؛ ( فتحت فارس ) ( فتحت الروم ) وقد تم ذلك فعلًا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم .
كما حرص النبي صلّى الله عليه وسلم كذلك على إخفاء بعض الأمور والأخبار التي تضعف الروح المعنوية، ففي أحد (3 ه) أمر عليّا أن يستطلع سير قريش وأن يخفي ذلك ؛ وفي الخندق (5 ه) بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نقض بني قريظة للعهد فبعث نفرًا من المسلمين ليتبينوا الأمر وقال لهم: «انطلقوا فإن كان ما قيل حقًّا فألحنوا لي لحنًا أعرفه» «سيرة ابن هشام» . وكذلك حرص على عدم نشر الشائعات بين المسلمين، يتضح هذا من قوله تعالى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }[النساء: 83] . وكانت «الخدعة» إحدى وسائل النبي صلّى الله عليه وسلم في حربه مع أعدائه فقال: « الْحَرْبُ خَدْعَةٌ » «متفق عليه» .
ففى المجال العسكري تلعب الروح المعنوية دورًا بارزًا في صَقْل شخصية المُحارب؛ إذ الروح المعنوية المرتفعة تُمثّل مصدرًا من مصادر التفوق العسكري، والصمود أمام المشاقّ التي تلاقى المجاهد في ساحة الوغى.
إن الروح المعنوية بالإضافة للتسليح والتدريب الجيد أهم عناصر النصر، وأوائل القادة العسكريين مثل فريدريك الكبير وجد أن الهزيمة تحدث للجنود من مشاعر الإحباط وضعف المعنويات أكثر من أن تأتي من الخسائر المادية، ولنابليون مقولة شهيرة قال فيها: " إن الروح المعنوية تتفوق على القوة الجسدية بثلاثة أضعاف"، وكان نابليون يكافئ جيوشه لرفع روحهم المعنوية بالجوائز والأوسمة أو الترقيات.
ولا يفوتنى في هذا المقام أن أذكر نفسي أولًا قبلكم بفضل العشر الأواخر من رمضان؛ فللعشر الأواخر من رمضان فضلٌ عظيمٌ عند الله تعالى؛ وقد ذكرها الله في قوله:{وَالْفَجْرِ؛ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: 1 ؛ 2)؛ وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها العشر الأواخر من رمضان؛ لذلك كان يجتهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالطاعة والعبادة والقيام؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ؛ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ؛ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ"(متفق عليه). قال الإمام ابن حجر:" أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعا لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته، وهو نحو قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور." (فتح الباري).
وشد المئزر كناية عن بلوغ الغاية في اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر؛ يقال: شددت لهذا الأمر مئزري؛ أي: تشمرت له وتفرغت؛ وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات.
وعَن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِا"( مسلم) يقول الإمام النووي:" يستحب أن يزاد من الطاعات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليه بالعبادات ."
كما كان من هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر ؛ أنه يتحرى ليلة القدر، وقال في ذلك: " مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ."(البخاري)؛ فيا سعادة من نال بركتها وحظي بخيرها، ويستحب الإكثار من الدعاء فيها، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ: " قُولِى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى".(الترمذي وابن ماجة ).
وقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسلفنا الصالح - رضي الله عنهم أجمعين- يشمرون عن سواعدهم عند دخول العشر الأواخر من الشهر الفضيل ؛ فقد سارت قوافل الصالحين المقربين على طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- تقف عند العشر وقفة جد وصرامة تمتص من رحيقها وتنهل من معينها، وترتوي من فيض عطاءاتها، وتعمل فيها ما لا تعمل في غيرها. قال أبو عثمان النهدي: «كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من محرم، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان». ومن شدة تعظيمهم لهذه الأيام كانوا يتطيبون لها ويتزينون، قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وكان النخعي يغتسل كل ليلة! وهكذا كان يفعل سلفكم الصالح في هذه العشر؛ فماذا أنتم فاعلون؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.