سعر الذهب في مصر اليوم 5 ديسمبر 2025    نجل البرغوثي: والدي تعرض لكسور وإصابة بالغة بالأذن في السجن الإسرائيلي    بيان ناري من الداخلية في غزة بشأن مقتل أبو الشباب    رئيس مصلحة الجمارك: نتطلع إلى نقلة نوعية في كفاءة وسرعة التخليص الجمركي للشحنات الجوية    النني: أغلقنا صفحة الكويت ونستعد بقوة لمواجهة الإمارات    أجيال مختلفة في رحاب متحف نجيب محفوظ ضمن مبادرة فرحانين بالمتحف الكبير    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    رويترز: بشار الأسد تقبل العيش في المنفى.. والعائلة تنشئ جيشا من العلويين    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    الزمالك يترقب قرار اتحاد الكرة بشأن قضية زيزو.. واللاعب يجهز للتصعيد    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    حالة الطقس.. تغيرات مفاجئة فى درجات الحرارة وانخفاض يصل 4 درجات    تموين المنوفية تضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة وتحرر 231 محضرًا خلال يومين    الداخلية تشارك المواطنين الاحتفال باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة| فيديو    السقا ولقاء الخميسى وعمرو مصطفى والشرنوبى يحضرون مسرحية أم كلثوم    ميادة الحناوي ترد على استخدام AI لتحسين صوتها: مش محتاجة    رمضان 2026| جهاد حسام الدين تنضم لمسلسل عمرو سعد "عباس الريس"    الصحة: فحص 7 ملايين طالب بمبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر البريد المصري    سام ألاردايس: انتقاد كاراجر ل صلاح «مثير للشفقة»    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    لجنة المسئولية الطبية وسلامة المريض تعقد ثاني اجتماعاتها وتتخذ عدة قرارات    اتهامات جديدة لوالد المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    لاعب الإمارات: مصر تنتج لاعبين وأساطير على مستوى عال وهذا ليس غريبا    الصين وفرنسا تؤكدان على «حل الدولتين» وتدينان الانتهاكات في فلسطين    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدى لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    كأس العرب - وسام أبو علي يكشف حقيقة مشاركته مع فلسطين في البطولة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    مصر ترحب باتفاقات السلام والازدهار بين الكونغو الديمقراطية ورواندا الموقعة في واشنطن    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    إعلام إسرائيلي: انتحار ضابط في لواء جفعاتي بسبب مشكلات نفسية    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موضوع خطبة الجمعة المقبلة حول غزوة بدر دروس وعبرٌ
نشر في الوفد يوم 28 - 04 - 2021

نحن نعيش في هذه الأيام المباركة ذكرى عزيزة علينا ألا وهي ذكرى غزوة بدر الكبرى ؛ والتي كانت في السابع عشر من رمضان من العام الثاني للهجرة ؛ وبهذه المناسبة ؛ نقف مع الدروس المستفادة من غزوة بدر الكبرى لنطبقها على أرض الواقع ؛ وهناك دروسٍ وعبر من هذه الغزوة
بهذا بدأالدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب حديثه قائلا:
فمبدأ الشورى في الإسلام مبدأٌ أصيلٌ ؛ وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يطبقه في كثير من الغزوات والأمور التي تخص الدولة والمجتمع ؛ ومن بين هذه الغزوات ؛ غزوة بدر الكبرى؛ فقد استشارهم – صلى الله عليه وسلم - للخروج ؛ " فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ . ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ؛ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى: " اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا إنّا هَهُنَا قَاعِدُونَ " وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ؛ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاس وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارَ ..فقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك ، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقّ ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودَنَا وَمَوَاثِيقَنَا ، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا ، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ . لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ . ثُمّ قَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا ، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ " . ( سيرة ابن هشام ) .
كما طبق – صلى الله عليه وسلم – مبدأ الشورى في نهاية المعركة في شأن أسرى بدر ؛ فأشار أبوبكر رضي الله عنه بأخذ الفداء ؛ وأشار عمر رضي الله عنه بضرب أعناقهم؛ ونزل القرآن موافقًا لرأي الفاروق عمر .
ولقد مدح الله المؤمنين بتطبيق مبدأ الشورى فقال تعالى: { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } (الشورى: 38) . كما أمر نبيه – صلى الله عليه وسلم – بذلك فقال: { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } (آل عمران: 159) يقول الإمام ابن كثير:" كان صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حَدَث، تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم كما شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير ... وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى عليه ذلك السَعْدَان: سعدُ بن معاذ وسعدُ بن عُبَادة، فترك ذلك. وشاورهم يومَ الحُدَيبية في أن يميل على ذَرَاري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نجيء لقتال أحد، وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال." أ.ه
عباد الله: لا شك أن الشورى التي حثنا النبي صلى الله عليه وسلم عليها بقوله وفعله، يتحقق من ورائها أهداف عظيمة، فهي تعمل على نشر الألفة بين أفراد المجتمع، وهي وسيلة للكشف عن أصحاب الرأي السديد، ومَنْ بإمكانهم وضع خطط يؤخذ بها في المواقف الصعبة الطارئة، مما
يفتح الباب للاستفادة من كل العناصر المتميزة في المجتمع، وحينما تكون الشورى أمرًا إلهيًا وسلوكًا نبويًّا، فإن المجتمع الذي يتمسك بها، سيحوز الأمن والأمان والتوفيق والنجاح ؛ وكما قيل: ما خاب من استخار، و لا ندم من استشار .
وأضاف الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب:
لقد حثنا الشارع الحكيم على مبدأ الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى؛ وقد طبقه – صلى الله عليه وسلم في جميع حياته العملية ؛ فعندما تحرك إلى موقع ماء بدر، نزل بالجيش عند أدنى بئر من آبار بدر ، وهنا قام الْحُبَاب بْنَ الْمُنْذِرِ وأشار على النبي بموقع آخر أفضل من هذا الموقع قائًلا: يَا رَسُولَ اللّهِ ! أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ، أَمَنْزِلاً أَنْزَلَكَهُ اللّهُ، لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ ولا نَتَأَخّرَ عَنْهُ، أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ قَالَ: " بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ" .. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ، فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُغَوّرَ [ أي ندفن ] مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ، ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً، ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ، فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ..فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – مشجعًا – :" لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ". (سيرة ابن هشام).
ويعتبر الإبداع والابتكار ميزة رائدة تمتاز بها العسكرية الإسلامية في المعارك. ومن أشهر الخطط العسكرية المُبدعة في التاريخ العسكري للمسلمين خُطّة سلمان الفارسي في غزوة الأحزاب ( الخندق ) ؛ وذلك بحفر الخندق حول المدينة وهذا ابتكار جديد لم تعرف به العرب قبل !
وفي حادث الهجرة وضع النبي – صلى الله عليه وسلم – خطة محكمة ؛ أدت إلى إتمام الهجرة بنجاح.
إن الله قادرٌ على حمل نبيه في غمامة أو سحابة أو يسخر له الريح – كما سخرها لسيدنا سليمان – فتحمله في طرفة عين من مكة إلى المدينة، ولكن الله يريد أن يعطينا درسًا لا ننساه وهو التخطيط والأخذ بالأسباب.
فينبغي على كل مسلم في حياته العملية أن يأخذ بجميع الأسباب الموصلة إلى غايته وهدفه مع التوكل على الله تعالى؛ وهذا ما غرسه النبي في نفس الصحابي الذي أطلق الناقة متوكلا على الله؛ فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:" اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ" (الترمذي وحسنه).
وذكر الدكتور ابراهيم البيومى امام وخطيب مسجد السيدة زينب ان الروج المعنوية مبدأ أصيل في الإسلام ؛ ولنا الأسوة الحسنة في نبينا – صلّى الله عليه وسلم – فقد حرص في قيادته لجنده أن يرفع الروح المعنوية لديهم وبقاءها كذلك، وفي جميع غزواته يبعث فيهم الأمل والتفاؤل والغد المشرق؛ ففي غزوة بدر يبعث فيهم روح النصر والأمل بقوله: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ» . وقوله: " سيروا وأبشروا ، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين ؛ والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم؛ ثم قال: هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله – ووضع يده بالأرض – وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله. قال عمر: فوالذي بعثه بالحق ما أخطأوا الحدود التي
حدها رسول الله صلى الله عليه وسلم." ( سبل الهدى والرشاد).
وفي غزوة الأحزاب اشتدت صخرة في حفر الخندق لم يستطع الصحابة حفرها ؛ فيأتي – صلى الله عليه وسلم – يضربها ثلاث ضربات بمعوله؛ ويخبر – متفائلًا – بفتح أعظم البلاد ؛ ( فتحت فارس ) ( فتحت الروم ) وقد تم ذلك فعلًا ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم .
كما حرص النبي صلّى الله عليه وسلم كذلك على إخفاء بعض الأمور والأخبار التي تضعف الروح المعنوية، ففي أحد (3 ه) أمر عليّا أن يستطلع سير قريش وأن يخفي ذلك ؛ وفي الخندق (5 ه) بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نقض بني قريظة للعهد فبعث نفرًا من المسلمين ليتبينوا الأمر وقال لهم: «انطلقوا فإن كان ما قيل حقًّا فألحنوا لي لحنًا أعرفه» «سيرة ابن هشام» . وكذلك حرص على عدم نشر الشائعات بين المسلمين، يتضح هذا من قوله تعالى: {وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }[النساء: 83] . وكانت «الخدعة» إحدى وسائل النبي صلّى الله عليه وسلم في حربه مع أعدائه فقال: « الْحَرْبُ خَدْعَةٌ » «متفق عليه» .
ففى المجال العسكري تلعب الروح المعنوية دورًا بارزًا في صَقْل شخصية المُحارب؛ إذ الروح المعنوية المرتفعة تُمثّل مصدرًا من مصادر التفوق العسكري، والصمود أمام المشاقّ التي تلاقى المجاهد في ساحة الوغى.
إن الروح المعنوية بالإضافة للتسليح والتدريب الجيد أهم عناصر النصر، وأوائل القادة العسكريين مثل فريدريك الكبير وجد أن الهزيمة تحدث للجنود من مشاعر الإحباط وضعف المعنويات أكثر من أن تأتي من الخسائر المادية، ولنابليون مقولة شهيرة قال فيها: " إن الروح المعنوية تتفوق على القوة الجسدية بثلاثة أضعاف"، وكان نابليون يكافئ جيوشه لرفع روحهم المعنوية بالجوائز والأوسمة أو الترقيات.
ولا يفوتنى في هذا المقام أن أذكر نفسي أولًا قبلكم بفضل العشر الأواخر من رمضان؛ فللعشر الأواخر من رمضان فضلٌ عظيمٌ عند الله تعالى؛ وقد ذكرها الله في قوله:{وَالْفَجْرِ؛ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: 1 ؛ 2)؛ وقد ذهب بعض المفسرين إلى أنها العشر الأواخر من رمضان؛ لذلك كان يجتهد فيها النبي صلى الله عليه وسلم بالطاعة والعبادة والقيام؛ فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ؛ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ؛ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ"(متفق عليه). قال الإمام ابن حجر:" أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعا لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته، وهو نحو قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور." (فتح الباري).
وشد المئزر كناية عن بلوغ الغاية في اجتهاده صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر؛ يقال: شددت لهذا الأمر مئزري؛ أي: تشمرت له وتفرغت؛ وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات.
وعَن عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِا"( مسلم) يقول الإمام النووي:" يستحب أن يزاد من الطاعات في العشر الأواخر من رمضان، واستحباب إحياء لياليه بالعبادات ."
كما كان من هديه صلى الله عليه وسلم في هذه العشر ؛ أنه يتحرى ليلة القدر، وقال في ذلك: " مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ."(البخاري)؛ فيا سعادة من نال بركتها وحظي بخيرها، ويستحب الإكثار من الدعاء فيها، فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ: " قُولِى اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى".(الترمذي وابن ماجة ).
وقد كان الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسلفنا الصالح - رضي الله عنهم أجمعين- يشمرون عن سواعدهم عند دخول العشر الأواخر من الشهر الفضيل ؛ فقد سارت قوافل الصالحين المقربين على طريق النبي -صلى الله عليه وسلم- تقف عند العشر وقفة جد وصرامة تمتص من رحيقها وتنهل من معينها، وترتوي من فيض عطاءاتها، وتعمل فيها ما لا تعمل في غيرها. قال أبو عثمان النهدي: «كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من محرم، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان». ومن شدة تعظيمهم لهذه الأيام كانوا يتطيبون لها ويتزينون، قال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، وكان النخعي يغتسل كل ليلة! وهكذا كان يفعل سلفكم الصالح في هذه العشر؛ فماذا أنتم فاعلون؟!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.