كانت ليلة سوداء.. لم تكن هناك نجوم في السماء.. وفي الغابة كانت البومة جالسة بين فروع شجرة كبيرة.. وفي هدوء وصمت تسلل فأر صغير إلي المكان. لكن الفأر فوجئ بالبومة تصيح في مكانها بصوت مخيف: ها.. مين هناك! كاد الفأر يصاب بالشلل من الخوف. وعادت البومة تصرخ: امشي من هنا.. أحسن لك! أسرع الفأر بالهرب ناجياً بحياته.. وما أن عاد حتي أسرع يخبر مخلوقات الغابة، بما حدث له، ويؤكد أن البومة هي أحكم وأعقل الحيوانات كلها في الغابة. سألته الحيوانات: اشمعني؟ رد الفأر: هذه البومة تستطيع أن تري في الظلام.. ولابد إن فيها شيء لله! لم يصدق العصفور رواية الفأر، وأراد أن يتأكد بنفسه، فذهب إلي البومة فوق الشجرة. كم مخلباً أرفعة؟ قالت البومة: اثنان. أسرع العصفور عائداً بانبهار إلي بقية سكان الغابة، وأخذ يؤكد لهم أن البومة بالفعل أحكم وأعقل وأعظم الحيوانات، لأنها تستطيع أن تري في الظلام، ولابد إن فيها شيء لله! ولكن الثعلب المكار سأل في خبث: وهل تستطيع البومة أن تري في ضوء النهار أيضاً؟.. سخرت حيوانات الغابة من سؤال الثعلب الغبي.. وبعثوا رسولاً إلي البومة وطلبوا منها أن تكون زعيمة الغابة! وافقت البومة علي الفور، وطارت إلي بقية حيوانات الغابة، كان الوقت ظهراً والشمس تسطع بقوة، وهبطت البومة بهدوء وسط الحيوانات، وأخذت تنظر بعينيها الكبيرتين إلي الحيوانات، وأحاطها كل ذلك بجو من الأهمية الكبيرة والهيبة. انبهرت كل الحيوانات بالبومة. وصاحت دجاجة: والله.. فيها شيء لله! وهكذا تحولت كل حيوانات الغابة وطيورها إلي قطيع يسير خلف البومة أينما سارت، وعندما كانت البومة تصطدم بالأشياء في النهار، كانت الحيوانات هي الأخري تصدم بالإيثار ولا تنزعج من ذلك. وذات يوم شب حريق في أطراف الغابة.. وفوجئ الجميع بالصقر يأتي من هناك في ذعر. وأخذ الصقر يقول للحيوانات: حريقة.. حريقة.. اهربوا بجلدكم وحياتكم.. النار قادمة بسرعة وسوف تأكل الغابة وتحرق كل شيء. وطلبت الحيوانات المذعورة من البومة زعيمة الغابة أن تتأكد من حكاية النار القادمة، حلقت البومة عدة دورات في السماء، ورغم أن ألسنة النيران كانت واضحة في الأفق، لكن البومة لم تر شيئاً، لأن الوقت كان نهاراً، وعادت البومة إلي بقية الحيوانات لتطمئنها وتطلب منها ألا تخاف ولا تغادر المكان. لكن النار وصلت أسرع من التوقع، وكان الحريق الهائل يلتهم الأخضر واليابس. وظلت الدجاجة وهي تحتضر في الحريق تقول: والله.. فيها شيء لله! مين هي البومة؟ ومين هو الفأر؟ ومين العصفور؟ ومين الدجاجة؟ ومين هو الثعلب؟ ومين الصقر؟ وهل تلك الغابة.. كان اسمها زمان.. مصر؟!