ي فرسخ يكثر بين دعاة التسوية العرب الداعون إلى عودة الصهاينة ذوي الأصول العربية، ومؤخراً انضم إلى الجوقة د . عصام العريان، عضو قيادة الإخوان المسلمين، بدعوته اليهود للعودة إلى “وطنهم” مصر وتعويضهم، بزعم طردهم من مصر. مدللاً بذلك على مدى استعداد الإخوان للتنازل عن الثوابت القومية والإسلامية في الصراع العربي - الصهيوني لقاء توليهم السلطة في أنظمة وظيفية تابعة للإدارة الأمريكية . وهناك من يدّعون أنه كان على الشعوب العربية عدم التفريط بيهودها، وألا تسمح بهجرتهم . والقول في الحالين دليل جهل مريع بتاريخ الصراع وتجاهل لواقع الصهاينة ذوي الأصول العربية، ما يستدعي وقفة تذكير بما يلي : 1- ليس في التاريخ العربي موقف معاد لليهود لكونهم يهوداً، لانعدام المشاعر العنصرية في الثقافة العربية . ولقد تميز الوطن العربي، وكذلك الحكم العربي في الأندلس، بانفتاج غير محدود على اليهود واعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من النسيج المجتمعي، إذ وجدوا خلافاً للتعامل الأوروبي معهم حيث عانوا اضطهاداً عنصرياً دينياً ومدنياً بما عرف ب”معاداة السامية” . 2 - منذ بداية الهجرة الصهيونية إلى فلسطين أواخر القرن التاسع عشر، ميز الفكر والعمل القومي العربي بين اليهود كمواطنين لهم كامل حقوقهم الدينية والمدنية في الوطن العربي، وبين الصهاينة كغزاة عنصريين معادين للعرب مسلمين ومسيحيين، وكأداة للقوى الاستعمارية في تعطيل وحدة الوطن العربي، القاعدة المادية لتجاوز شعوبه تخلفها الموروث والتقدم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً . 3- في 11/3/1948 اعتمدت القيادة الصهيونية، بزعامة بن غوريون، البدء بتنفيذ سياسة “التطهير العرقي” لإفراغ ما تحتله من المدن والقرى الفلسطينية من مواطنيها العرب . ومنذ مجزرة دير ياسين في 9/4/،1948 توالى اقتراف المجازر وعمليات الاغتصاب التي وثقها المؤرخون “الإسرائيليون” الجدد . وبرغم إشاعة أخبار تلك الجرائم لإرهاب العرب، لم يرد في الرواية “الإسرائيلية” الرسمية لحرب 1948 - 1949 أي ذكر لاقتراف جريمة “التطهير العرقي” ضد اليهود في أي قطر عربي . كما لم تعرف مصر، ولا أي قطر عربي آخر، موقفاً رسمياً داعياً إلى طرد المواطنين اليهود، ما يدحض زعم د . العريان بأن اليهود طردوا من مصر . 4- احتلت الهجرة والاستيطان المقام الأول في الفكر والعمل الصهيوني، باعتبارهما الأساس الاستراتيجي للاستعمار الاستيطاني في الأرض العربية . وما بين 1948 - 1952 كانت اليمن والعراق وأقطار المغرب العربي مصدراً أساسياً للهجرة . وقد مارست المؤسسات “الإسرائيلية” والمنظمات الصهيونية شتى صنوف الترغيب والترهيب على يهود تلك الأقطار لاقتلاعهم من أرض آبائهم وأجدادهم . فضلاً عن الضغط على الحكومات العربية لتسهيل هجرة يهودها . والمثال الأبرز حكومة العراق التي اضطرت إلى إصدار قانون بإسقاط الجنسية عن اليهود الراغبين بالهجرة والذين غادروا العراق بصورة غير مشروعة . 5- فضلاً عن الدعاية التي روجها مندوبو مؤسسة الهجرة “الإسرائيلية” لحث اليهود على الهجرة، لجأوا إلى تخويفهم بأنهم لن يستطيعوا الخروج فيما بعد، وأن جهاز الترحيل والعون الذي أقامته الحركة الصهيونية يعمل في خدمتهم لفترة محدودة فقط، وأنهم بعد ذلك سيتركون وشأنهم . فضلاً عن القيام بأعمال إرهابية، كما جرى في بغداد، لإثارة العداء الشعبي ضد اليهود لحملهم على الهجرة . 6- صحيح أن عملية تمصير ممتلكات الأجانب في مصر عقب العدوان الثلاثي سنة 1956 طالت عدداً من كبار الأثرياء اليهود، إلا أنهم حصلوا، كغيرهم من المستثمرين الأجانب، على تعويضات مرضية . وكان طبيعياً أن تغادر أغلبيتهم الساحقة مصر بعد ما لم يعد متاحاً لهم نزح ثروة شعب مصر بالسهولة التي كانت من قبل، وذلك ما جهله د . العريان في حديثه عن تعويض اليهود عن خسائرهم بسبب الهجرة . 7- لا شك في أن بين “الإسرائيليين” ذوي الأصول العربية من لايزالون يتكلمون العربية، ويحنون إلى أيام العز الماضية، ويطربون لأغاني أسمهان وعبدالوهاب وليلى مراد وغيرهم من المطربين العرب . ولكن ليس بينهم من لايزال يحمل شعوراً بالولاء للبلد العربي الذي نشأ فيه . ذلك أنهم أخضعوا لتثقيف عنصري صهيوني معادٍ للعروبة والإسلام . فضلاً عن أنهم متفردون عن بقية الصهاينة بانقطاع صلتهم التاريخية بالوطن الذي اقتلعوا منه، بل وتحولت علاقتهم به إلى عداء تاريخي لا يقل غلواً عن غلاة ذوي الأصول الأوروبية في ممارساتهم تجاه عرب الأرض المحتلة . وفي مشاركتهم بكل حروب “إسرائيل” برهان على أنهم لم يعودوا يشعرون بأن مصر أو العراق أو المغرب وطنهم كما ادعى د . العريان . 8- ليس بين هذه الفئة من الصهاينة من يحمل أي جنسية عربية، وهم بالتالي مختلفون كيفياً في علاقتهم ب”إسرائيل” عن بقية الصهاينة بكونهم لا يستطيعون العودة إلى البلدان العربية التي هجروها إلا إذا نبذوا الفكر الصهيوني وتخلوا عن جنسية “إسرائيل” . وذلك ما لا يضطر إليه ذوو الأصول الأوروبية والأمريكية والروسية وسواهم، وبالتالي ف”الإسرائيلي” عربي الأصل هو الأشد ارتباطاً بالكيان الصهيوني بحكم ظروفه . 9- وعليه ف”الإسرائيلي” عربي الأصل بالنسبة إلى “إسرائيل” والحركة الصهيونية، مادة بشرية لا يمكن التفريط بها . ولقد عودنا صناع القرار الصهيوني التعاطي مع التنازلات الرسمية العربية، بمثل تعاطيهم التاريخي مع القرارات الدولية، إذ يأخذون منها ما يرونه يعزز احتلالهم للأرض العربية، ويسكتون عما يرتبه عليهم من التزامات . وفي حكم المؤكد أن دعوة د . العريان إلى عودة اليهود إلى “وطنهم” مصر، لن تلقى أي قبول “إسرائيلي” أو أمريكي، مقابل تمسكهم بمطالبته بما أسماه التعويض عليهم عن الخسائر التي تسببت بها هجرتهم من مصر . 10 - الذي جهله، القيادي الإخواني المسؤول، أن “إسرائيل” ادعت منذ سنوات، أن اليهود الذين هجروا الوطن العربي متساوون في الحقوق مع اللاجئين العرب الذين اقترفت بحقهم “إسرائيل” جريمة “التطهير العرقي” واخضعوا للتسفير القسري “الترانسفير” . وأن حقوق هؤلاء المشروعة في القانون الدولي مقابلة للحقوق المدعى بها لذلك القطاع من الصهاينة . ولقد تزامن تصريح د . العريان المثير للاستنكار مع توصية الخارجية “الإسرائيلية” للدبلوماسيين الصهاينة بإثارة ما ادعته “تعويضات المهاجرين اليهود من البلاد العربية” . فهل يدرك قادة الإخوان المسلمين أين صب تصريح د . العريان، أو أن كل شيء عندهم يهون ما دام يضمن لهم الرضا الصهيوني والقبول الأمريكي، ويعزز مكانتهم في الدور الذي ورثوه عن مبارك والسادات من قبله؟ نقلا عن صحيفة الخليج