عقار محرم بك ليس الأخير وسكان 2400 عقار بالإسكندرية ينتظرون المصير نفسه مئات الضحايا يسقطون تحت الأنقاض.. والتشرد ينتظر الناجين «فساد المحليات والإيجار القديم واتحاد الشاغلين ونقص الوحدات البديلة» أبرز المشكلات المستشار بهاء أبوشقة: غياب دور المحليات ومجالس المدن أسباب الكارثة انهيارات متكررة.. حادث وراء الآخر.. ورائحة الموت تفوح من كل مكان، والفاعل «إهمال».. فحادثة انهيار 4 طوابق فى «عقار محرم بك»، بشارع الفردوس التابع لحى وسط الإسكندرية، مؤخراً، أسفرت عن مصرع 8 أشخاص، تنضم إلى مسلسل كوارث الانهيارات المستمرة للعقارات، التى لا يكاد يمر أسبوع حتى تنزف دماء جديدة تحت أنقاضها، وتُزهق بسببها أرواح بريئة بخلاف المصابين، كل ذلك بسبب غياب الرقابة وانعدام المتابعة من الأحياء والمحليات، وغياب وسائل الأمان والصيانة فمع هطول الأمطار، تزداد حوادث انهيارات العقارات المتصدعة الصادر بشأنها قرارات إزالة لم ينفذ، وتتجدد مخاوف قاطنى العقارات، بعدما أصبحوا تحت رحمة الأمطار، لينتهى بها الحال إلى السقوط فوق رؤوس قاطنيها. فلم يكن حادث انهيار عقار الإسكندرية الأخير، صدفة، بل سبقته كوارث أخرى لم يتحرك لها أحد، أشهرها كارثة «عقار كرموز» المكون من 3 طوابق، الذى انهار بشكل جزئى وراح ضحيته شاب وأصيب 4 آخرون، فى 20 نوفمبر الماضى، وأيضاً واقعة سقوط 3 طوابق ب«عقار الجمرك»، والذى أسفر عن وفاة 4 أشخاص وإصابة اثنين آخرين. وهذا هو حال عدد ليس بقليل من المبانى فى الأحياء القديمة بمختلف المحافظات، وخاصة محافظة الإسكندرية، نظراً لقدم تاريخ إنشائها.. فكل يوم يفقد العشرات أرواحهم تحت أنقاض عقارات قديمة صادر بشأنها قرار إزالة لم ينفذ، ويأتى فى مقدمتها حى غرب وحى الجمرك وحى وسط. ويكفى أن نذكر أن محافظ الإسكندرية اللواء محمد الشريف، صرح بأن عقار محرم بك قديم، وأنه تم بناؤه عام 1941، أى يتعدى عمره ال75 عاماً، وأنه صادر له 3 قرارات ترميم بداية من عام 2000، والكارثة الأكبر هى وجود 2400 عقار آيل للسقوط، معظمها مأهول بالسكان فى نطاق أحياء المحافظة، وتهدد أرواح قاطنيها والمارة بالخطر. تواصلت «الوفد» مع مسئول بوزارة التنمية المحلية، وبسؤاله عن الأسباب والمعوقات التى تقف حائلاً أمام تنفيذ قرارات الإزالة للمبانى القديمة، باعتبار أن المجالس المحلية هى الجهة المنوطة بتنفيذ قرارات الإزالة، أكد أن عملية المتابعة والتنفيذ جارية، وهذا المسح الذى يجرى لا يهدف فقط إلى حصر المبانى الآيلة للسقوط فى مختلف المحافظات، بل العمل على الحد من خطورتها سواء بالإزالة أو بالتعديل، نظراً لما تشكله من خطورة بالغة على ساكنيها ومرتاديها، مشيرا إلى أن هناك تعاوناً وردوداً إيجابية من قبل بعض الأجهزة والمحافظين فى هذا الشأن، وأوضح أن الوزارة أوصت بالتنبيه على مقاولى الهدم والأحياء والإدارات الهندسية بضرورة اتخاذ كافة الاحتياطات والإجراءات اللازمة حيال هذه المشكلة، ثم يأتى دور وزارة الإسكان فى توفير مساكن بديلة لسكان العقارات الآيلة للسقوط. فى شهر أغسطس 2020، أقر البرلمان قانون البناء الموحد الجديد، المقدم من الحكومة، حيث تمت الموافقة على 17 مادة معدلة، ورغم تجريم الإهمال من مسئولى المحليات وغياب الرقابة على العقارات الآيلة للسقوط، فإنها ستظل جريمة بلا عقاب، بسبب هزلية العقوبات، التى تصل إلى الحبس 5 أعوام وغرامة تبدأ من 10 آلاف حتى مائتى ألف جنيه، أو بإحداهما، بعد أن كان غياب العقوبات فى القوانين القديمة هو السبب فى تزايد حوادث انهيار العقارات وزيادة العشوائيات والبناء المخالف. وتتضمن التعديلات أن يكون منح تراخيص البناء فى يد مكاتب استشارية هندسية خاصة، لا علاقة للأحياء بها، ويقتصر دور المحليات والأحياء على مراجعة خطوط التنظيم، وقيود الارتفاع، لكن السلامة الإنشائية لن تكون مسئولية الحى، كما تشمل التعديلات تفعيل دور اتحاد الشاغلين، وهذا يعنى إجراء الصيانة للعقارات بشكل مستمر ودورى، وأيضاً منع تغيير نشاط الوحدة السكنية وتغليظ العقوبات فى حال مخالفة ذلك، إلى جانب زيادة مدة صلاحية الترخيص واستخراجها من خلال مهندس او مكتب هندسى، وفقاً للمواد رقم 39 الفقرة الأولى، 17، 18، 29 فقرة ج، 32، 36، 37، 39، 40، 44، 62 فقرة ثالثة، 96، 99، 113 الفقرتين الثالثة والرابعة ) من هذا القانون. وأوضح المستشار بهاء أبوشقة، رئيس حزب الوفد ووكيل مجلس الشيوخ أن مشكلة انهيار العقارات أصبحت خطيرة، وأسبابها ترجع إلى غياب دور المحليات فى المراقبة على إنشاء العقارات، أو معاينة المنازل القديمة للتأكد من سلامتها الإنشائية، وتراخى دور المحافظين، وتقاعس الأحياء عن تنفيذ القرارات الصادر بالإزالة، ولو أن هناك منظومة متكاملة فى هذا الشأن ما وجدنا أبداً هذه الكوارث، رغم حرص رئيس الدولة بنفسه على شن حملات موسعة للقضاء على عشوائيات البناء وبشكل مكثف، وبناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية التى انتقل إليها المواطنين وتطوير المناطق العشوائية، وبالتالى لابد من التحرك سريعاً لحصر العقارات والمساكن التى تشكل خطورة على ساكنيها فى مختلف المحافظات والبدأ فى إزالة الصادر بشأنها قرارات إزالة. وأضاف رئيس حزب الوفد: لا بد أن نكون أمام نصوص عقابية بقانون البناء الموحد الجديد تتحقق معها فلسفة العقوبة من الزجر والردع، وذلك لا يأتى فى فلسفة العقاب إلا إذا كانت العقوبة تتناسب مع درجة الجرم، وأن يكون هناك تجانس بين العقوبات وبين باقى مواد القانون. وشدد رئيس حزب الوفد على كافة المسئولين بالجهات المعنية ممثلة فى وزارتى الإسكان والتنمية المحلية والمحافظين، بالإسراع فى تشكيل اللجان الفنية المختصة، لمراجعة كل هذه العقارات الآيلة للسقوط فى القاهرة الكبرى والإسكندرية وعواصم المحافظات، واتخاذ ما يلزم من قرارات وإجراءات حاسمة وعاجلة بشأنها، وأيضاً على رؤساء مجالس إدارات اتحادات الشاغلين أن يتوجهوا فوراً إلى الأحياء التابعة لأماكن إقامتهم والإبلاغ عن منازلهم القديمة الآيلة للسقوط، ولا يشترط أن يكون المبلغ هو صاحب العقار، بل من حق أى ساكن أن يبلغ لمنع الكوارث، وبناء على بلاغهم يتم تشكيل لجنة مختصة فى شأن المبانى والمنشآت الآيلة للسقوط المكونة من اثنين من أساتذة كلية الهندسة ومهندس من الحى التابع للمنطقة السكنية، للتوجه إلى المكان ومعاينته، وللمواطن أن يتظلم من قرار اللجنة خلال مدة معينة من صدور قرارها، ويتم تشكيل لجنة أخرى. وأوضح رئيس الوفد أنه لا أحد ينكر أن فى مختلف المحافظات عقارات مهددة بالسقوط، والتى ضربها الصرف الصحى أو خطوط المياه بشكل بشع، ويمر عليها المسئولون ويرون التجاوزات بأعينهم ولا يتخدون قرارات حاسمة تجاه هذه المشكلة الخطيرة التى تهدد حياة مئات الأسر إما بالموت أو التشرد، فمع إنهيار العقار على رؤوس سكانه وقتها تصبح كارثة كبرى تضاف إلى ما سبق، ويبدأ المسئولون فى الأحياء أو المدن أو المحافظون بتعليق الأسباب على شماعات يخترعونها، مضيفاً أنه من المفترض أن يكون رؤساء الأحياء أو المدن على قدر كبير من المسئولية، ولا يجوز بأى حال من الأحوال أن نجد مثل هذه المخالفات التى تعرقل تأسيس الدولة الحديثة وتحقيق النهضة العمرانية الكبرى. 3 أسباب ويقول الدكتور محمد سامح كمال الدين، أستاذ العمارة بهندسة القاهرة ووكيل لجنة الإسكان بمجلس الشورى سابقاً: إن هناك 3 أسباب تؤدى إلى انهيار العقارات وتتضمن: قصور الأجهزة الرقابية عن تفعيل قرارات الإزالة الفورية للعقارات الآيلة للسقوط وخاصة شديدة الخطورة، فضلًا عن إهمال صيانة شبكات البنية التحية وانتهاء العمر الافتراضى لها، ناهيك عن أن معظم المرافق لا تتحمل الكثافة الزائدة على القدرة الاستيعابية للمبنى. وطالب أستاذ العمارة بإعادة النظر بشكل شامل فى منظومة مؤسسات الدولة، خاصة قطاع الإسكان والإدارات المحلية والتشريعات المنظمة للبناء والبنية التحتية للمناطق السكنية، وبناء عليه يعاد تشكيل هذه القطاعات، ويتم اختيار الشخص الأكفأ صاحب الخبرة والتعليم والتميز فى مجال عمله الهندسى، مع ضرورة إنشاء نظام إدارى متكامل لصيانة جميع العقارات السليمة بمختلف الأحياء لحماية الثروة العقارية، وتفعيل دور اتحاد الشاغلين للحفاظ على العقارات وسلامتها، كما يمكن دمج مجموعة من اتحادات العقارات من شارع أو منطقة بأكملها لتكوين اتحاد عام، على أن تعين الجهة الإدارية للحى أو مالكى العقار رئيساً للاتحاد، إلى جانب زيادة دوريات المتابعة والتفتيش للتأكد من تطبيق اشتراطات البناء المحددة، وإزالة العقارات غير الخاضعة للمواصفات القياسية، وتغليظ العقوبات على المخالفين. وأضاف أن تعديلات البناء الموحد الجديد جاءت فى التوقيت المناسب، ولكنها تحتاج إلى ضوابط وإجراءات محددة، لمعالجة القصور الموجود فى القانون الحالى ومنع تغيير نشاط الوحدات السكنية أو التجاوزات. ويقترح أستاذ العمارة بهندسة القاهرة تشكيل هيئة مختصة فى صيانة وترميم المبانى القديمة، تبدأ بالمعاينات الدورية لكل أجزاء العقار، وفقا لبرنامج علمى هندسى، ووضع نقاط معينة لتقويم المبنى السكن القديم من النواحى المعمارية والتاريخية والإجتماعية، وتصنيفها على ثلاث فئات من حيث خطورتها ( أ، ب، ج) وكل فئة لها إجراءات محددة للتعامل مع المبنى الذى يستدعى مثل هذه الأعمال. قانون غير متجانس الدكتورة منار حسنى عبدالصبور، نائب رئيس قسم الهندسة المدنية بمعهد الجزيرة العالى للهندسة والتكنولوجيا، وصفت القانون المقدم من الحكومة بشأن تنظيم عملية البناء وهدم العقارات بأنه «مهلهل وغير متجانس». وتضيف نائب رئيس قسم الهندسة المدنية: وجود ترسانة من قوانين البناء والتشييد، لدرجة تصل إلى وجود تداخل وغموض وتضارب وتعارض فيما بينها، بدءاً من العمل بأحكام مصلحة التنظيم الصادرة عام 1889، والتى تم تطبيقها على عدة مدن فقط، مروراً بعدة قوانين وحتى الوصول إلى قانونى البناء الموحد الجديد والتصالح فى مخالفات البناء. وأوضحت نائب رئيس قسم الهندسة المدنية أنه لا محل للاجتهاد عند صراحة نص قانون البناء الموحد الجديد مع ضرورة تحديد الاختصاصات والمسئوليات بين وزارات الإسكان والتنمية المحلية والزراعة، على أن تكون لكل وزارة اختصاصها وصلاحياتها لا يجب أن يتم التعدى عليها أو تداخل بين الوزارات، وأيضاً إلغاء الاستثناءات الواردة فى قانون البناء الموحد الجديد. وأشارت إلى أهمية القانون الذى من المنتظر أن ينظم عملية هدم المبانى، خاصة مع تزايد حوادث إنهيار العقارات الآيلة للسقوط، وبالتالى كان يجب مراجعة بنود القانون، حتى لا تظهر أى ثغرات عند صدوره أو تطبيقه، ومن ثم يتم إصدار قانون متكامل يستطيع التعامل مع قرارات تنفيذ أعمال الهدم للعقارات الآيلة للسقوط. وأكدت نائب رئيس قسم الهندسة المدنية أن عدد من مواد القانون غير واضحة منها عقوبة الحبس والغرامة من 10 آلاف جنيه حتى 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا كان الإخلال ناشئاً عن الإهمال أو الرعونة أو عدم الاحتراز.. فهذه المادة غير مفهومة وتدخل مطبق للقانون فى إشكالية فى فهم النص وبعيدة عن الأهداف المرجوة. وطالبت بضرورة تشكيل لجنة عليا تضم أساتذة من جامعات وكليات ومعاهد الهندسة، وعدد من مسئولى وزارات الداخلية والتنمية المحلية والإسكان والزراعة والبيئة والآثار والصناعة والتجارة والمحافظين على مستوى الجمهورية، وكذلك الحاصلين على الدكتوراه أو الماجستير فى مجال التشريعات الهندسية، ونقابة المهندسين، ولا يدخل هذه اللجنة إلا الكفاءات ومن يتميزون بنظافة اليد، لمراجعة قوانين البناء وملحقاتها، وتكون نصوص مواده غير قابلة للتعديل لمدة خمس سنوات على الأقل، بالإضافة إلى إزالة أى تضارب أو تناقض فى بنوده، وكذلك وضع ضوابط صارمة للقضاء على المخالفات، بحيث لا يسمح بحدوث أى تلاعب على القانون أو تفضيل دفع التعويض للإبقاء على البناء غير الآمن، وأن تتضمن العقوبات إجراءات بشأن مصادرة المبنى المخالف بشكل فورى وعاجل لحساب صندوق تحيا مصر، وتطبيق الأوامر العسكرية على من يخالف وليس التصالح معهم، بما يواكب العصر والمدى البعيد دون ثغرات أو تعديلات أو تبديل أو استثناءات ويتم عرضه على الجهات التنفيذية قبل صدوره أو تطبيقه، ويضمن ترسيخ دولة القانون وتغليب المصلحة الوطنية فوق كل المصالح والاعتبارات الأخرى. وأضافت: إن الصيانة هى العنصر المحافظ على المبنى السكنى من الزمن والضامن لبقائه سليماً متماسكاً طوال فترة عمره الإفتراضى، وبالتالى يجب البدء فى صيانة المبانى - وفقاً لبرنامج علمى هندسى - يبدأ بالمعاينات الدورية لكل عناصر المبنى أو المنشأة، والتى يجب أن تتم بواسطة خبراء متخصصين فى هذا المجال. وناشدت نائب رئيس قسم الهندسة المدنية الدولة أهمية مراجعة الجوانب التشريعية والإدارية والإجتماعية والتمويلية حماية للأرواح وحفاظاً على الثروة العقارية، وإنشاء صندوق للإقراض فى أغراض الترميم والصيانة، إلى جانب إنشاء جهاز قومى لصيانة الصرف الصحى.