عزيزي القارئ قد تقول لي بعد ما قرأت شكل الحلقات السابقة!. اذا كان رئيس الجمهورية الديكتاتور الذي كان يخشاه الجميع علي هذا القدر من الكراهية لك.... ويريد أن يؤذيك بأي شكل.... ويقف عقبة أمامك في كل خير في الطريق إليك... فلماذا لم يوقفك عن عملك وأنت تكتب يومياً في أكثر من جريدة وأسبوعياً في أكثر من مجلة؟!.... لماذا لم يفعل وهو الذي يستطيع ذلك بمجرد كلمة منه؟.... حصل.... حصل يا عزيزي القارئ.... ولذلك قصة غريبة أخري.... كل قصص هذا الرجل غريبة!. *** بعد محاولة اغتياله في مدينة أديس أبابا بالحبشة وتسابق الجميع في النفاق.... سواء في مظاهرات عمال المصانع الحكومية أو تجمعات موظفي الادارات المختلفة.... ناهيك عن الصحافة والاعمدة والمقالات، في هذه الاثناء لم أكتب حرفاً واحداً مهنئاً بسلامة العودة! ولا طبعاً أقف ضد التيار وأنصحه بأن يتعظ من هذا الحادث ويصلح من شأنه.... هذا مستحيل طبعاً في وسط الاجواء التي سادت في هذه الاثناء. أذكر ان صديق عمري وزميلي في الدراسة حتي التخرج وهو الكاتب الكبير ثروت أباظة حينما ذهب علي رأس أعضاء اتحاد الكتاب.... وأنا عضو فيه واعتذرت عن الذهاب، أذكر أن ثروت أباظة لم يكف عن البكاء بحرقة منذ دخل قاعة قصر القبة حتي خرج!.... في هذا الجو.... كيف أكتب أي شيء مضاد؟.... ولكن عدم الكتابة قط في الموضوع يبدو انها لفتت نظر المسئولين عن الجريدة.... لذا فوجئت بالمرحوم جلال العريان نائب مدير التحرير بالجمهورية المسئول عن المقالات والاعمدة.... فوجئت به يقول لي إن عنده تعليمات بأنه ضروري أن أكتب اليوم واليوم بالذات عن حادث أديس أبابا.... كان قد مرت عدة أيام.... ولكن (نهر النفاق كان مازال يجري)!.... أذكر انني كتبت قصة قديمة.... اذا لم تخني الذاكرة هي عن أبو الحجاج الثقفي حاكم العراق الذي كان مشهوراً بالبطش والقتل والديكتاتورية اللعينة.... فهو صاحب الخطاب الذي قال فيه.... »أري رؤوساً أينعت وحان قطافها«!. حدث أن ضاق رجال حاشية أبي الحجاج بالرجل... رغم أنهم رجاله المقربون الذين ينفذون أوامره.... لذا نصح كبيرهم أبي الحجاج بأن يقام احتفال كبير علي شاطئ لا أدري إن كان شاطئ الفرات أو شاطئ دجلة في وسط بغداد حيث يقوم أبو الحجاج بعبور النهر من الشاطئ للشاطئ سباحة.... وستقف الجماهير علي الشاطئين تصفق له.... ولا تخف هناك مركب ستكون مستعدة لاي طارئ لكي تمسك بحبل خفي لتجره باقي المشوار.... اقتنع أبو الحجاج بالفكرة.... وفي وسط النهر بدا عليه التعب.... ثم بدأ يغرق.... ثم علا صوته طالباً النجدة.... ولكن كل الناس علي الشاطئين فرحوا وانصرفوا في منتهي السعادة لغرقه.... فجأة نزل شخص ما في النهر.... وسبح وأنقذه من الغرق في آخر لحظة! وكان هذا الشخص شيخاً جليلاً!. الغريب الذي تعجب له كافة الناس ان هذا الشيخ التقي الورع هو أكبر شخص نال عقوبات واضطهادات وقطع عيش وتشريد أولاده.... فسألوه: لماذا فعلت هذا؟. فقال الشيخ الكبير: خشيت أن يموت غرقاً فيدخل الجنة.... لذا رأيت أن أنقذه ليموت علي سريره ويدخل النار جزاء ما قدمت يداه!. *** كتبت القصة في نفس اليوم الذي طلبوا مني فيه أن أكتب عن حادث أديس أبابا.... وقامت الدنيا ولم تقعد.... وأخطرني المرحوم جلال العريان بأنني ممنوع من الكتابة!.... ظللت أسبوعاً لا أكتب العمود اليومي في (الجمهورية).... وبالصدفة التقيت وجهاً بوجه مع الدكتور زكريا عزمي في نادي هليوبوليس بعد صلاة الجمعة.... سألني مندهشاً: أين أنت.... لماذا لا تكتب اذن؟. رويت الحكاية أمام الجميع من كبار أعضاء النادي الاجتماعي الارستقراطي الكبير.... وضحك الجميع.... وقال أحدهم لا أذكره الآن لزكريا عزمي: أليس شعاركم.... لا كلمة تصادر.... ولا وصاية علي جريدة أو كاتب.... ولا قلم يقصف؟! هي شعارات وبس؟. سكت الدكتور زكريا وقال بصوت خافت: سأبحث الموضوع!. بعد أيام لا أذكرها.... وجدت المرحوم جلال العريان يبحث عني في كل مكان.... لم يعثر علي إلا في الظهر في منزلي وطلب مني كلمة فوراً وبأقصي سرعة.... كلمة إيه والساعة تقترب من الرابعة والصفحة انتهت من ساعة!.... أبداً أبداً أوقفنا كل شيء الي أن تكتب أي كلام وبأي شكل وبأقصي سرعة.... لقد كدت أكتب كلمة وأضع اسمك عليها هكذا قال المرحوم جلال!.... كنت حريصاً أن أشكر الدكتور زكريا بنفسي في مكتبه بسراي عابدين.... وخلال الزيارة القصيرة لم يقل لي سبب هذا الانقلاب.... ولم أسأله.... فقد كان كلامه القليل يدل علي انه شبه محرج.... ولا يريد أن يفتح أي موضوع.... فصافحته شاكراً وانصرفت. وإلي الغد.... بإذن الله تعالي.... في آخر حلقة.