سقطت هيبة الدولة سقوطا مروعا.. وكانت بداية السقوط علي يد مؤسسة الرئاسة، التي لم تحترم سلطة القانون التي أقسمت علي احترامها، فأصدرت من الإعلانات الدستورية ما شاءت، لتخالف القانون والدستور، وتعتدي علي القضاء والمحكمة الدستورية العليا، وتحصن قراراتها ضد القضاء.. وتعزل النائب العام ثم تعود لتسحب المؤسسة الرئاسية قراراتها مرة واثنتين وثلاث وكل تلك القرارات في الأصل موجهة ضد قضاء مصر المستقل، فالإخوان يدركون أن قضاء مصر العادل هو عدوهم الأول الذي يتصدي لأية مخالفة قانونية وها هو الدستور الجديد، دستور منتصف الليل يعاقب المحكمة الدستورية ويعبث بها حتي لا تكون قيدا عليهم فيما هو قادم. وسقطت هيبة الدولة ثانية عند أعتاب مبني المحكمة الدستورية العليا باحتلالها من الإخوان ومنع قضاتها من دخول المحكمة وممارسة عملهم وهو ما يشكل جريمة - لم يتصد لها أحد - لا الدولة ولا مؤسساتها للقبض علي المعتصمين هناك.. وكأن الدولة تبارك وتؤيد ما يحدث من اعتداء علي أكبر مؤسسة قضائية في البلاد. وسقطت هيبة الدولة مرة أخري عندما ذهب أنصار حازم أبوإسماعيل الي مدينة الإنتاج الإعلامي لمنع الإعلاميين من دخولها وفرض الإرهاب والتخويف عليهم لدرجة أنهم يهددون باقتحام مدينة الإعلام والقبض علي قائمة المطلوبين من الإعلاميين الذين أهدروا دماءهم.. وتفتيش كل من مدينة الإعلام ولو كانوا من رجال الشرطة.. والتهديد بالاقتحام ينتظر إشارة من حازم أبوإسماعيل لتأديب الإعلاميين وربما وضعهم في شيكارة هم أيضا، بعد تلقي الإشارة! فالإعلام هو عدو الإخوان والسلفيين بعد القانون فإذا كان القانون هو الكاشف للحقوق فالإعلام هو الكاشف للحقيقة وتبصير الجماهير بكل ما يحدث حولهم، وهو بذلك يمثل خطرا داهما علي فصائل الإسلاميين التي لا تريد من الإعلام سوي أن ينقل وجهة نظرهم هم ولا مانع لو تطلب الأمر إغلاق قنوات أو قتل إعلاميين في الاتحادية فهذا هو الخير الذي حمله الإخوان لمصر.. وهذا هو مشروع النهضة الذي طالما بشرونا به. وسقطت هيبة الدولة مرة أخري في قصر الاتحادية عندما اقتحمت ميليشيات الإخوان جموع المعتصمين فمزقوا خيامهم وأوسعوهم ضربا وقاموا بالقبض عليهم وتعذيبهم بل واستجوابهم ليحلوا محل أمن الدولة السابق، ويقف رجال الشرطة يشاهدون ما يحدث دون تدخل منهم، في الوقت الذي كان تحمل فيه ميليشيات الإخوان الشوم والأسلحة البيضاء والأسلحة النارية.. والكاميرات تصور كل ذلك دون أن يصدر أي قرار اتهام ضدهم، رغم الأدلة والصور والفيديوهات، ويأتي رئيس الجمهورية ليتهم المعتصمين الأبرياء بتلقي التمويل والعمالة.. في حين تفرج عنهم النيابة دون اتهام! وسقطت هيبة الدولة مرة أخري عندما قام بعض المنتسبين للثوار في التحرير بإغلاق مداخل مجمع التحرير بالأسلاك الشائكة ومنع دخول الموظفين إليها - دون أن تتدخل الدولة في منع ذلك خشية أن تتهم الدولة بمحاباة من يحاصرون المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي. وهكذا يبدو أن الدولة لا تدخر جهدا في المساهمة بسقوط هيبتها فهي راضية بذلك قانعة، مادام ذلك الأمر يحقق أهدافها ومادامت الأوامر لم تصدر بعد من مكتب المرشد العام ومؤسسة الرئاسة فلم يعد لهما من اهتمام سوي الاستفتاء القادم لتمرير دستور منتصف الليل ليصبح واقعا.. حتي لو كان فيه انقسام البلاد والعباد.. وحتي لو جاء بالخراب لمصر.. وأعادها للوراء مئات السنين فكل هذا لا يهم أمام ترسيخ حكم الإخوان وتفصيل الدستور علي رغبتهم وأهوائهم.. من كبت للحريات واعتداء علي القانون وتمزيق الأمة، وما يبدو من تراجع السيد الرئيس عن إعلانه الدستوري الأخير ليحل محله إعلان دستوري آخر لا يفرق كثيرا كل ذلك من أجل امتصاص الغضب الشعبي واللعب بالذقون.. واستمرار الدعوة للاستفتاء بحجة أن السيد الرئيس لا يستطيع أن يخالف إعلانا دستوريا سابقا بطرح الاستفتاء خلال خمسة عشر يوما من انتهاء اللجنة التأسيسة من إعداده.. فالقانون الذي وطأته الأقدام ألف مرة من قبل، هم لا يدعون مخالفته هذه المرة لغرض في نفس يعقوب. لكل ذلك سأقول «لا» للدستور في الاستفتاء القادم!!