يملأ المصريون الميادين بمختلف المحافظات.. خرج المصريون هناك حول قصر الاتحادية وفي ميدان التحرير، رأيت الأسر المصرية بكامل عددها، رأيت الرجال والسيدات، رأيت ورود مصر وزهور الوطن متفتحة يقظة، رأيت المرأة المصرية تملأ الشوارع وهي مبتسمة واثقة مصرة علي الانتصار للحرية في مقابل الاستبداد، علي الإنسانية والحياة في مقابل الإرهاب والقتل، رأيت شباب مصر يفيض حماساً ونضالاً ودءباً من أجل الدفاع عن قيم الإنسان في الحياة والتقدم والتسامح، تلك هي مصر التي نعرفها، تلك هي مصر 25 يناير وتباشيرها، مصر الثائرة المتحضرة الحية بقيمها وقيمتها، لا تلك القيم البائسة التي تنقلها لنا تظاهرات الكراهية والحرب، ونفي الآخر، ولا تلك السلوكيات العدمية التي رأيناها علي أيدي ميليشيات الإخوان من اعتداء وسفك لدماء المصريين وتعذيب وتصليب لمواطنيهم علي أسوار قصر الرئاسة، قيم الهمجية والبربرية والتسلط وحصار وهدم مؤسسات الدولة، قيم الفاشية المتاجرة بالدين، الساعية لانتزاع الروح من جسد الوطن! يخوض الشعب المصري معركته لأجل الحرية الآن، يخوض ثورته الثانية بعد أن تم تبديد وسرقة ثورته الأولي علي يد تحالف الإخوان والعسكري الذي سلب ما عززته واكتسبته ثورة 25 يناير جزءاً.. جزءاً.. من تقديم الانتخابات علي وضع الدستور، إلي انتهاك قيمة الحرية واغتيال محددات ومعايير الديمقراطية علي يد الأموال المبعثرة في توزيع الزيوت والسكر وشراء إرادة الفقر والجهل في غياب الرقابة الجادة علي أسقف الإنفاق المالي واختفاء المحاسبة علي «من أين لك هذا» لجماعات التكفير والعنف الديني والسياسي والمتغيبة عمداً عن المراقبة المالية، وصولاً لانفراد تيار الدين السياسي بالجمعية التأسيسية وإصدار دستور يعيد تأبيد سلطة الرئيس، دستور تصاغ ملامحه علي مقاس الفصيل المنفرد بوضعه ويجد هذا مباركة وتمهيداً من رئيس الدولة، فاستصدر ما أسماه إعلاناً دستورياً يعيد صناعة الفرعون ويطيح بمؤسسات القضاء ويباغت شعبه بمعاونة تلك الجمعية التأسيسية بتمرير ذلك الدستور الأعرج بليل ليفرضه علي مصر. وهكذا ببساطة يدفع رئيس الجمهورية شعبه لحرب واقتتال أهلي انتصاراً لفصيله وتنظيمه السياسي، وبالطبع سارعت جماعة الرئيس لمباركته فخرجت لتستعيد أدواراً ماضية في إرهاب وقتل الآخر، المتظاهرين والمعتصمين الآمنين، لتلقن الشعب المصري كله درساً في التزام الأدب العام وأن يلزم الشعب منازله وإلا فنحن له قادمون، فهذا هو لسان حال من أقدموا علي سفك دماء المصريين وتعليق المعارضين علي أسوار القصر وتعذيبهم وتقديم من شاءوا للشرطة علي اعتبارهم متهمين وتقديمهم للنيابة العامة، في واقعة نازية إجرامية بامتياز، النيابة العامة أفرجت عن كل المتهمين الذين تحدث الرئيس لشعبه عنهم فنسب لهم، كل ما هو غير حقيقي عن جرائم دأب هو والتيار المنتمي إليه علي ترديدها عن وجود مؤامرات وأموال مدفوعة للانقلاب علي الشرعية. يقول رئيس الجمهورية: «أوجه حديثي إلي من عارضني بشرف ومن جاء يدافع عن الشرعية ويبذل في ذلك ثمناً غالياً».. بالطبع كل من استشهدوا في يوم الأربعاء الأسود مصريون، ولكن الرئيس دائماً كعادته لا يعبر إلا عن فصيله وعشيرته فمن دفع الثمن الغالي هو من دافع عنه، أما هؤلاء الشهداء الذين أريقت دماؤهم ولم يكونوا من المؤيدين لسيادته فهو لا يذكرهم ويتجاهلهم كما يتجاهل دائماً حقيقة وظيفته أنه رئيس لكل المصريين وواجبه المحافظة علي وحدة وسلامة الوطن وشعبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ورحم الله كل شهداء الوطن. أسكر الاحتشاد المنقول بالحافلات عموم التيار الديني السياسي واعتبروا أنفسهم قد ملكوا الشارع، وتصايحوا عن الملايين هنا وهناك في استخفاف فاضح بعقول الشعب المصري، يتحدثون عن الملايين المحتشدة في الجامعة ولا ندري من أين أتت هذه الأرقام، والمساحة المحتلة بين تمثال نهضة مصر والجامعة لا تزيد علي ثلث مساحة ميدان التحرير، ألا يعلمون أن الحافلة الكبيرة تنقل 48 شخصاً وأن نقل مليون فرد فحسب يحتاج إلي أكثر من 50 ألف حافلة وهذا الرقم من الأتوبيسات غير متوافر في مصر كلها. خرجت مصر كلها بالملايين، خرجت مصر الشعب الحقيقي، كل فرد خرج بنفسه وانتقل بنفسه وسدد مصاريفه بنفسه، لا أموال مبعثرة ولا تمويل غير معلوم ولا وجبة إضافية، خرج المصريون العاديون غاضبون واثقون من قضيتهم، خرجوا مصرين أن ينالوا حريتهم في إسقاط كافة معاني الإرهاب والاغتصاب، الإرهاب الديني والمتاجرة بالشعارات الدينية، اغتصاب الوطن كذباً وزوراً، خرجوا في مواجهة من يريدون أن يلاحقوهم في أحلامهم ويفرضوا ظلامهم ورؤاهم العقيمة علي خريطة الوطن، خرج المصريون بسماحتهم وإرادتهم وعينهم علي وطنهم وطن واحد للجميع، خرج المصريون وقلبهم علي بلادهم ممن يريدون أن يغتالوا قيمته وقامته والمعاني التي أعطاها للعالمين، وطن الحضارة والإنسانية، مصر المرأة والرجل، مصر التعايش السلمي، مصر المسلم والقبطي، مصر الواحدة سوف تنتصر علي فاشيتكم وديكتاتوريتكم وطغيانكم، مصر المستقبل الثورة سوف تنتصر.