خرجت السياحة خاوية الوفاض من ماراثون التأسيسية، وأصيب العاملون بها بالإحباط بعد أن وضح بالفعل لا القول إنها خارج حسابات النظام الإخواني الجديد. ووقف خبراء السياحة يضربون كفاً بكف إزاء هذا الموقف السلبي من السياحة في مطبخ الدستور حتي إن سادة التأسيسية تجاهلوا أكثر من طلب لخبراء السياحة ورؤساء الغرف السياحية للانضمام إلي الجلسات التمهيدية للتأسيسية وأكدوا خلالها أهمية الالتفاف إلي صناعة السياحة التي انهارت بسبب مسلسل الأحداث الساخنة التي أعقبت الثورة. وأكد الخبراء أن هذا التجاهل يعصف بمصدر ضخم للدخل القومي يتجاوز 12 مليار دولار سنوياً، إضافة إلي أنه يهدد أرزاق أكثر من 4 ملايين شخص يعملون بالسياحة. الغريب أن التأسيسية لم تكشف صراحة عن عداء واضح للسياحة، بل علي العكس، فقد كان هناك حرص شديد عليها وإطلاق الوعود والعهود لأصحاب المشروعات السياحية ولكن سرعان ما تبخرت الوعود في الهواء، مما عرض السياحة لعملية اغتيال صامتة بدت واضحة في إلغاء حجوزات احتفالات رأس السنة لأول مرة. يتعجب الخبير السياحي أحمد الخادم - المستشار السابق لوزير السياحة - من تجاهل الدستور لقطاع السياحة التي يعمل بها أكثر من 5 ملايين مصري ويعتبره دستوراً مشيناً.. وقال: ألا يعلموا ما يدره هذا القطاع من دخل يفوق أي نشاط اقتصادي آخر سواء صناعياً أو زراعياً. ويؤكد «الخادم» أن هناك قصوراً شديداً من أعضاء التأسيسية لفهم طبيعة السياحة واعتبارها ضمن الصناعة، وهذا رد غريب من التيار الإسلامي، والأغرب من ذلك ما يردده بأن دستور «71» لم يتضمن مادة للسياحة وهذا صحيح، ولكن لأن في ذلك الوقت كان تعداد السياح لا يتعدي 150 ألف سائح في السنة، وبدأت السياحة الحقيقية تزدهر في الثمانينيات علي يد فؤاد سلطان وزير السياحة في ذلك الوقت، الذي عمل لتنمية السياحة. ويضيف «الخادم» قائلاً: الناس تنظر إلي مصر من خلال دستورها الذي يعد أبوالقوانين، فالمستثمر الذي نعمل جاهدين علي جذبه للاستثمار في مصر أول ما يسأل عنه منظومة مصر التشريعية، ولا أعلم كيف نرد عليه، هل نقول له إن دستورنا تجاهل القطاع السياحي. ويؤكد الخبير السياحي إلهامي الزيات - رئيس الاتحاد المصري للغرف السياحية - أن هناك تجاهلاً واضحاً للسياحة رغم الوعود غير الصادقة بمشاركة القطاع السياحي في اللجنة التحضيرية للدستور. ويري «الزيات» أن هذا التجاهل يؤكد عدم اهتمامهم بالسياحة وما تحققه من دخل قومي للبلاد، فالوضع مظلم أمام القطاع السياحي، خاصة أن هناك تخوفاً كبيراً من القدوم إلي مصر بسبب ما تشهده البلاد من انقسامات بين الشعب المصري وما يطالب به البعض من هدم الأهرامات. ويعبر الخبير السياحي أحمد بلبلع - رئيس لجنة السياحة بجمعية رجال الأعمال - عن حزنه الشديد لما تتعرض له السياحة من تجاهل تام من مواد الدستور.. وقال: ألا يعلم المسئولون عن الدستورية بأهمية السياحة وما تحققه للدخل القومي المصري، وما يردده نادر بكار المتحدث السابق باسم حزب النور في أحد البرامج بأن السياحة موجودة ضمن المادة الخاصة بالصناعة، فكان من الضروري أن يكون هناك توضيح أو وضع مادة خاصة بالسياحة. ويؤكد اللواء علي رضا - رئيس جمعية مستثمري البحر الأحمر - أن تجاهل السياحة في الدستور غير مبرر والحجج واهية، بأنها ضمن الصناعة، فدخل صناعات مصر من التصدير لا يساوي دخل السياحة التي تولد العملة الصعبة وقاطرة التنمية.. مصر تستوعب أكثر من ذلك ومن الممكن أن تتضاعف الإيرادات، فلدينا استثمارات كبيرة تحت الإنشاء وتوقفت لعدم وضوح الرؤية، وأصبحت المشروعات كالأطلال.. وأقول للمسئولين عن الدستور: عودوا إلي رشدكم وانظروا للسياحة نظرة موضوعية لصالح الاقتصاد القومي، فالسياحة الترفيهية تمثل 85٪ من السياحة الوافدة إلي مصر التي تتمتع بطقس وجو معتدل وشواطئ مثل البحر الأحمر لا مثيل لها في العالم وبإمكاننا مضاعفة ال 12 مليون سائح إلي 24 مليون سائح، ومضاعفة 12 مليار دولار إلي الضعف، فإذا كانوا في غني عن ذلك نبحث عن بلاد أخري ترحب بنا. ويقول الخبير السياحي عادل عبدالرازق، عضو الاتحاد المصري للغرف السياحية: تجاهل الدستور أهمية السياحة لعدم معرفتهم بأهميتها في النقد الأجنبي والعمالة، فهم ليس لديهم رؤية للعالم الخارجي مثل: أمريكا وفرنسا وإيطاليا وإنجلترا الذين يعتبرون السياحة رقم واحد في الصناعة.. والرئيس الأمريكي «أوباما» عندما قام برحلة مع عائلته إلي «ديزني لاند» أول شيء سأل عنه السياحة، فقالوا له إننا أول دولة تحقق إيرادات 103 مليارات دولار سنوياً، ومن ناحية أعداد السياح ترتيبنا رقم اثنين بعد فرنسا، فما كان منه إلا أن طالب بعقد اجتماع سريع لبحث كيفية الوصول إلي رقم واحد في الأعداد مثل فرنسا. والسؤال: كيف تتقدم السياحة في مصر؟.. ومازال النظام يقع تحت تأثير من لا يفهمون السياحة ويسعوا لإلغاء السياحة الشاطئية والأثرية وسياحة الأصنام، كما يقولون، ويفكرون في سياحة أخري كالتعليمية والصحية، كيف؟!.. والتعليم في مصر فاشل، والصحة كذلك، فالمرضي يموتون في المستشفيات رغم كفاءة الأطباء المصريين الذين لا يمتلكون الأدوات والمعدات. ويؤكد «عبدالرازق» أنه في حالة استمرار الوضع بهذا الشكل والتجاهل المتعمد عليه العوض وسنشيع جنازة السياحة في مارس المقبل. ويري الدكتور عادل راضي - الرئيس السابق لهيئة التنمية السياحية - أن هناك عدم فهم لأهمية السياحة ومازالوا يعتبرونها نواحي ترفيهية و«فرفشة» ولا يعلمون ما تدره من دخل لمصر، وأنها من أهم ركائز الاقتصاد المصري وأعتقد أنهم سيراجعون أنفسهم ولكن هذا يتطلب وقتاً طويلاً. واتهم الخبير السياحي اللواء محمد رضا - عضو غرفة الشركات والغرف السياحية - بعدم ممارستهم الضغوط علي التأسيسية مثل باقي القطاعات، مؤكداً أن تجاهل السياحة غير مقبول مما يؤكد أن السياحة لم تكن في اهتمامهم. ويري الخبير السياحي عاطف عبداللطيف - عضو غرفة الشركات - أنه لا يعقل أن يصدر دستور بدون قطاع السياحة ولا إشارة لأهمية هذا القطاع الذي يعمل به ما يقرب من 20 مليون عامل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فلا يعقل تجاهل هذا القطاع الذي يعتبر قاطرة التنمية وصناعة الأمل.. ما حدث خطأ كبير وأطالبهم بإعادة النظر لأن التجاهل مؤشر خطير لقوانين مفيدة للسياحة، فمن الضروري توضيح الرؤية. ويري الخبير السياحي شريف سعيد - عضو غرفة الشركات السياحية - أن الإسلاميين بطبيعتهم منغلقون وليس لديهم ترحيب بالانفتاح، وهم غير مرحبين بالسياحة، والتجاهل معناه أن هناك اتجاهاً لإلغاء أنشطة سياحية، خاصة السياحة الشاطئية والثقافية، خاصة بعد أن طالبوا بهدم الأهرامات والآثار.