ما بين مندهشٍ ومنكرٍ ، وغير مبالٍ ، أو ربما يدعي اللامبالاة، استقبل الشارع الثقافي المصري خبر فوز الشاعرة الأمريكية لويز جليك بجائزة نوبل للآداب. وقد يعزى رد الفعل هذا لمخالفة النتيجة جُل التوقعات والتمنيات التي حملتها الأذهان والقلوب، فهناك من توقع فوز الفرنسية ماريز كوندي أو الروسية ليودميلا أوليتسكايا والكندية مارجريت أتوود أو الياباني هاروكي موراكامي، بل إن هناك نقادا استطلعت وكالة فرانس برس آراءهم رجحوا فوز الأمريكية الكاريبية جامايكا كينكيد أو الكيني وا ثوينغو أو الشاعرة الكندية آن كارسن أو المجري بيتر ناداس أو الفرنسي ميشال هوليبيك. إلا أن أحدا على الإطلاق لم يجل بخاطره أن تكون الفائزة لويز جليك، تلك الشاعرة التي إن كان شِعرها يستحق إلا أنها لم تحظ بشهرة وانتشار عالمي يجعلها ملء السمع والبصر كنظرائها المرشحين. ولكن فيمَ العجب وقد صارت المؤسسة السويدية منذ سنوات محطًّا للانتقادات والشكوك، فمنذ عام 2017 وحتى الآن؛ وقد تعاقبت الفضائح عليها، حيث بدأت بتأجيل الجائزة لأول مرة في تاريخها منذ 70 عاما، والإعلان عن جائزتين لعامي 2018 و2019 معًا في أعقاب الفضيحة الجنسية التي كان بطلها المصور الفوتوغرافي ،جان كلود أرنو، عضو الأكاديمية، انتهاءً باختيار الكاتب النمساوي، بيتر هاندكه، المعروف بتأييده لمذابح البوسنة والهرسك للفوز بالجائزة العام الماضي. كل ذلك يجعلنا نتساءل ؛ هل الجائزة حقا مسيسة أم أن هناك معايير للاختيار لا تعلمها سوى اللجنة ؟ ولأن الأمر جد محيّر ؛ فقد آثرنا التوجه لأهل الذكر؛ روائيين ومترجمين ونقاد؛ علّنا نجد لحيرتنا ميناء، ولتساؤلاتنا ملجأً. بداية يرى المترجم والكاتب نصر عبدالرحمن، أن فوز لويس جلوك مفاجأة أخرى من مفاجآت لجنة نوبل للأدب على مدى السنوات الماضية. مبررا ذلك بقوله: بالنسبة لأغلب الأدباء والمترجمين في مصر، ظهرت جلوك من المجهول. ربما صادف أحدهم أعمالها باللغة الانجليزية صدفة، لكنها ليست معروفة عالميا بالقدر الكافي. ويضيف " نصر": بعد نظرة سريعة على بعض قصائدها، يمكنني القول إنها شاعرة جيدة، تكتب بلغة إنجليزية مباشرة وبسيطة، وتتخذ الريف مسرحاً لدراما نصوصها الشعرية، كما تتمحور أفكارها حول العزلة والصمت، وللصمت مغزى كبير في أشعارها، وكذلك تستحضر فكرة هشاشة الجسد البشري وضعفه في مواجهة الحياة، وضعف الإنسان أمام الموت. وربما يرجع أحد أسباب شهرتها إلى طبيعتها الشخصية التي تعزف عن الشهرة وتتجنب المشاركة في الفعاليات الأدبية. يبدو هذا من عدد من المقابلات الصحفية التي أجرتها. ويعطينا هذا مؤشرا على أنها تكتب ذاتها بصدق في القصائد. ولكن، حتى إذا اعترفنا بقوة تجربتها، يبدو واضحاً أن جلوك لا تمتلك مشروعا إبداعيا واضح الملامح، ومؤثرا في الواقع. وهذا ما يثير دهشتي لفوزها بأهم جائزة أدبية في العالم. لقد اعتدنا منذ نشأة نوبل أنها تحتفي بالمشروعات الأدبية الكبيرة، وتكرم المبدعين الذين أسهموا بقوة في إثراء التجربة الإنسانية، والعمل على تغيير الواقع أو على الأقل تناوله بطريقة جديدة. يجب أن نتذكر نجيب محفوظ وماركيز وغيرهما كنماذج على أصحاب المشروعات الأدبية الكبيرة والذين نالوا شهرة عالمية حتى قبل فوزهم بنوبل. ويختتم " نصر" : في النهاية، أعتقد أن خيارات لجنة نوبل للأدب مخيبة للآمال في السنوات القليلة الماضية، وأنها تجاهلت أسماء كبيرة مثل البريطانية هيلاري مانتل والكيني نيغوجي واثينيجو، وغيرهما. أتمنى أن تتحول بوصلة اللجنة للاتجاه الصحيح مستقبلا. * فيما يقول الروائي والقاص والشاعر محمد عبدالمنعم زهران : في الحقيقة كنت أتوقع مثل الكثيرين- وككل عام- أن ينال الجائزة كاتب قرأت له وأحببته، كميلان كونديرا أو موراكامي، لأن منجزهما الكبير والمُلهِم وانتشارهما الواسع كان لابد أن يؤدي منطقيًا إلى أحقيتهما منذ سنوات كثيرة مضت وليس هذا العام فقط، ولكن يبدو أن هناك أشياء أخرى حاكمة لا أود الخوض فيها. كل ما يمكن قوله إن لجنة اختيار جائزة نوبل للآداب تدهشنا في أغلب السنوات بكاتب أو شاعر لم نكن نسمع عنه ولم نقرأ له شيئًا، إلا أن هذا لا يمنعني من تقرير حقيقة أنهم يستحقون فعلاً، لا أود التقليل من حجم استحقاق لويز جليك، لأنني وفور إعلان النتيجة قرأت لها بضع قصائد مترجمة، ربما لا يكفي هذا لإصدار حكمي الذي يخصني، لكن الحقيقة أن ما قرأته لها جميل ومختلف. ويضيف " زهران" : أفهم تماماً وأثق في أن هناك الكثير يستحقون، بغض النظر عن معرفتنا بهم وبكتاباتهم؛ لأنه وفي الواقع لن يكون بإمكاننا أن نحيط بكل ما يُكتب في العالم، فرغم حركة الترجمة النشطة إلى حد ما، إلا أنها تظل قاصرة، ومقتصرة فقط على ترجمة الأسماء التي تحقق مبيعات لافتة أو الحائزة على جوائز مهمة. فقد غاب عنا المترجم الذي يكتشف كاتبًا أو شاعرًا ويقدمه لقراء العربية ويدفعنا إلى متابعته والقراءة له. ويختتم الروائي والقاص والشاعر محمد عبدالمنعم زهران حديثه قائلا: أيا ما كان الأمر، أعتقد أن جليك تستحق نوبل، كما يستحقها كتاب آخرين، وتظل المفاضلة أمرًا يخص لجنة الاختيار وحدها، وللجميع أن يؤول الأمر كما يشاء. الشيء الذي أجده جميلاً في كل الأحوال، أن الجائزة تلفت انتباهنا إلى كتابات تستحق، تستحق فعلاً، وتدفعنا لمتابعتها، كما ستدفع المترجمين والمطابع إلى العمل. * أما الناقد والشاعر والمترجم أسامة جاد، فيعبر عن توقعاته قبل الإعلان عن اسم الفائزة قائلا : كنت أتمنى أن يفوز نغوغي واثيونغو بالجائزة التي ترشح لها أكثر من مرة، وخصوصا أنني أعمل على أول ترجمة لروايته "ساحر الغراب" إلى العربية. كان الأمر سيعد انتصارا لأفريقيا من جديد. ويضيف " جاد": أدونيس أيضا على قائمة الترشيحات منذ أكثر من عقدين. المدهش أن لويز غليك فازت بالبوليتزر الأمريكية، واختيرت كشاعر أمريكا بعد بيلي كولينز، وهي نفس الجائزة التي نالها والت ويتمان من قبل، غير أن معظم ترشيحات الجائزة لم تشر إليها كثيرا. وعن رأيه في شعرها يقول " أسامة": قرأت مجموعتها المترجمة الوحيدة لسامر أبو هواش "عجلة مشتعلة تمر"، غير أنها كانت اختيارات لمجموعات شعرية قديمة آخرها في 1995. وقرأت مقالات تخص رؤيتها للفن والشعر الحياة، واندهشت للغاية تجاه تصوراتها للعة والايقاع. ويقدم لنا " أسامة جاد " ترجمة لإحدى قصائدها بعنوان "خاتمة": أقرأ ما كتبت منذ لحظة، وأعتقد الآن أنني توقفت فجأة، حتى أن قصتي يبدو أنها مشوهة بعض الشيء، وهي هكذا، ليس بشكل مفاجئ لكن بنوع من الضباب المصطنع من ذلك النوع الذي ينتشر على خشبات المسرح لكي يسمح بتغيير المشاهد الصعبة. ويختتم الشاعر والناقد والمترجم أسامة جاد قائلا : ربما تدور أحاديث عن كونها يهودية، وتسييس الجائزة نوعا ما، لكنها حققت إنجازات شعرية حقيقية تستحق التقدير فعلا، ولا أظن الجائزة بعد فضيحة سابقة سوف تسمح لنفسها بالوقوع في بؤرة التحيز لشيء آخر سوى الفن، والفن وحده. * أما الناقد والباحث وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية معتز محسن، فيعزي الأمر لأسباب سياسية واضحة، فيقول : بعد إعلان الأكاديمية السويدية فوز الشاعرة الأمريكية بجائزة نوبل للآداب لويز جليك لصوتياتها الشعرية الرصينة، بناء على تبرير الأكاديمية، إلا أننا قد نستلهم منها جذورها الصهيونية الخفية التي تقرض الشعر من أجل تبرير ما آلت إليه الأمور في فلسطين كما حدث في الماضي ومنحوها عام 1966 بالمناصفة بين الشاعر و الروائي شموئيل يوسف أجانون الإسرائيلي مع الشاعرة الألمانية السويدية اليهودية نيللي زاكس لصوتياتهم الشعرية و الروائية للتعبير عن مآسي من عانوا من الخروج الكبير لأكثر من ألفي عام. نفس الشيء حدث لاسحق باشيفس سنجر الروائي اليهودي البولندي الأمريكي الفائز بها سنة 1978 لتعبيره عن العادات والتقاليد اليهودية البولندية في مجمل أعماله. ويضيف "محسن": الجائزة أصابها العنصرية و التسييس بتخطيها قامات أكثر رفعة و تميزا، وهو تكرار لما حدث مع تولستوي و زولا و توماس هاردي و مكسيم جوركي الذين لم تشرف بهم نوبل. فالجائزة تعاني من التسييس و التمييز العنصري و هذا ما طرحه العقاد في كتابه شاعر أندلسي وجائزة عالمية وقت فوز الشاعر الإسباني خوان رامون خمينيز بالجائزة سنة 1956 وحدث وقتها نفس اللغط حول الشاعر كما يحدث الآن مع بطلة نوبل هذا العام. ويؤكد معتز محسن أن هناك قامات عظيمة لم تشرف بهم نوبل حتى الآن كالكندية المرشحة بقوة مارجريت إتوود، الروائية العالمية و الكاتبة الشيلية إيزابيلا الليندي المرشحة لها لأكثر من ثلاثين عاما، ومن الغريب عدم طرح اسم الكاتب البرازيلي العملاق باولو كويلهو الذي أرى تكرار تجاهله كما حدث لتولستوي. ونهاية يقول الناقد والباحث معتز محسن في شرح أسباب أخرى للفوز : لويز جليك فائزة اليوم أرى أنها فازت بها لسعي الأكاديمية بنصرة قصيدة النثر مع حنين اللجنة لإحياء الروح العاطفية و الأسطورة الموجودة بشعرها إلى جانب ذلك فوزها بجائزة الكتاب الوطنية بأمريكا و جائزة بوليتزر مع حصدها للقب شاعرة أمريكا في 2004 كلها تعانق العالمية المؤهلة للجائزة الكبرى.