لاشك أن زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلى قطاع غزة يوم الجمعة الفائت شكلت محطة مفصلية في تطور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من ناحية وتقدما نوعياً في مستويات النضال الفلسطينية على طريق استعادة الحقوق المسلوبة. الزيارة تحمل برمزيتها الكثير من المؤشرات على الحالة المتردية التي وصلت إليها إسرائيل في الآونة الأخيرة. فقد خسرت إسرائيل معركتها التي شنتها على قطاع غزة بل تمكنت المقاومة عبر صمودها من إسقاط الكثير من جدران الحصار المضروب على القطاع. بعيد أيام قليلة على خسارتها الحرب على غزة، خسرت إسرائيل معركة ثانية لكن في المجالين الدبلوماسي والسياسي، حيث نجحت السلطة الفلسطينية في انتزاع اعتراف دولي بدولة فلسطين، وإن كانت الخطوة رمزية إلا أنها أثبتت أن السلطة قادرة على الخروج من عباءة إسرائيل وأساليبها في إضعافها التي انتهجتها منذ تأسيس السلطة إلى اليوم. يضاف لذلك الضغوطات التي تعرضت لها إسرائيل في الآونة الأخيرة من قبل دول الاتحاد الأوروبي على خلفية إعلان إسرائيل بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية على أراضي الضفة الغربية. ورغم تصريحات الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز من أن الرئيس عباس لا يزال يمثل شريكا حقيقا لإسرائيل في عملية السلام حتى بعد ذهابه إلى الأممالمتحدة بخطوة منفردة، إلا أن إسرائيل تجد نفسها يوماً بعد يوم في عزلة دولية بعد أن وقعت في العزلة الإقليمية التي تعيشها خلال السنوات الماضية، إذ انضمت تركيا إلى الجانب الفلسطيني والعربي في لعبة الصراع مع إسرائيل بعد أن كانت تركيا العلمانية أحد الدول الإقليمية الداعمة لها على حساب الحقوق العربية. إيران الثورة أيضا لم تعد حليفة لإسرائيل كما كانت زمن الشاه، ورغم مستويات الصراع العالية بين العرب وإيران إلا أن إسرائيل تبقى العدو المشترك للطرفين، وهو ما يجعل إسرائيل تشعر أنها وسط محيط معاد مكون من الدول العربية، ثم إيران وتركيا. ورغم وجود علاقات إفريقية إسرائيلية تاريخية إلا أنها أغلب العلاقات بينهما لم ترتق إلى مستوى الشراكة التي قد تعوضها عن العزلة التي يسببها لها محيطها العربي والإقليمي. عزلة جديدة لم تكن متوقعة للسياسة الإسرائيلية، وهي أن تنضم دول أوروبية، وإن كان بدرجة أقل، إلى الدول التي تمارس العزلة السياسية على إسرائيل. فالأخيرة طالما مارست بحيلها وعلاقاتها واللوبيات الداعمة لها داخل دول الاتحاد في كسب العطف الأوروبي الشعبي والرسمي في كلّ ما تقوم به. اليوم بدأت إسرائيل في خسران هذا التعاطف الأوروبي. والسبب، في تقديري، لا يعود لتطور أساليب الفلسطينيين في إظهار حقوقهم، وإنما يعود للعنجهية والصلف الإسرائيلي الذي لم يعد مقبولا حتى عند أكثر حلفائهم التاريخيين، أمثال بريطانيا وفرنسا وألمانيا. اليوم الموقف الأوروبي أكثر انزعاجا من أساليب إسرائيل في الرد على خطوة الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم يعد بمقدورها ممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية من أجل نبذ العنف وملاحقة المقاومين في الضفة الغربية وعدم التقارب مع حركة حماس لانتهاجها المقاومة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. تكتشف الدول الأوروبية اليوم أنها لا تستطيع أن تساير إسرائيل في صلفها، لأن ذلك أضعف صوت المفاوض الفلسطيني لصالح المقاوم، لاسيَّما بعد نجاح معركة صورايخ القسام التي طالت مدن تل أبيب والقدس وغيرها. تدرك دول الاتحاد الأوروبي أن الشعب الفلسطيني لم يعد مؤمنا بمشروع السلام مع إسرائيل، لأن الأخيرة لا تريد دولة فلسطينية أن تقام جنبا إلى جنب دولة إسرائيل. من هنا نستطيع أن نقرأ زيارة مشعل إلى غزة، فالدلالة السياسية لها أبعد من زيارة قيادي في حركة مقاومة أرادت أن تحتفل بذكرى انطلاقاتها من غزة، حيث نشأت وترعرعت تمددت إلى سائر الجغرافية الفلسطينية، ومن ثمّ إلى دول الشتات حيث أماكن تواجد الفلسطينيين في دول الجوار وغيرها. الرسالة المقدمة هي أن النضال الفلسطيني نجح في معركته الصاروخية مع الاحتلال، كما نجح في معركته السياسية والدبلوماسية في أروقة الأممالمتحدة، وتبقى الخطوة الأخيرة وهي إنهاء الانقسام والتوحد حول برنامج سياسي مقاوم بين حركتي فتح وحماس من أجل التفرغ لصراع طويل مع احتلال لم يقتنع يوما بالتفاوض أو التنازل عما اغتصبه من أرض سوى بقوة البندقية. نقلا عن صحيفة الشرق القطرية