تحت عنوان "لا تقاطعوا حماس.. كيف يمكن التوصل إلى اتفاق سياسي قبل الحرب القادمة" نشرت مجلة "فورين افيرز" الأمريكية تحليلا عن الأوضاع فى غزة. وقالت المجلة إن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى القتال الأخير بين إسرائيل وحماس فى21 نوفمبر الماضى، ترك العديد من القضايا الرئيسية بدون حل. وحتى إذا تمت عودة الهدوء إلى المنطقة بشكل مؤقت، فإن التاريخ يشير إلى أنه من غير المرجح أن يستمر. استئناف العنف لا مفر منه وعلى مدى العقد الماضي، لم يعنِ غياب العنف أن هناك سلاما ولكن مجرد هدوء مؤقت حتى اندلاع جولة جديدة من العنف، فبعد فترة طويلة من أي وقف لإطلاق النار، لا ينسى الإسرائيليون والفلسطينيون الظلم والقتل الذي غالبا ما يكون سببا لاشعال الحرب مرة أخرى في المقام الأول. وفي ظل غياب أي حل سياسي يعالج المظالم الأساسية لكل جانب، فإن العودة إلى العنف أمر لا مفر منه. سياسة " قص العشب" فشلت وإذا كانت إسرائيل والمجتمع الدولي يرغبان في كسر هذا النمط، فإنهما يحتاجان إلى إعادة النظر في نهجها الاستراتيجي تجاه "حماس". تاريخيا، فشلت إسرائيل في الاستفادة من ظهور تيارات مختلفة من المحاورين المحتملين داخل حماس، وفضلت بدلا من ذلك الاعتماد على وقف إطلاق النار المؤقت إلى جانب الاغتيالات خارج نطاق القضاء. وهو ما أسماه بعض المسؤولين الإسرائيليين سياسة "قص العشب"، وهى استعارة لوصف ما يعتبرونه واجبا ضروريا لتدمير البنية التحتية بشكل متقطع لحركة "حماس" في غزة، وهو الحل غير المستدام الذي يديم فقط دوامة العنف. ورأت المجلة أن مقاطعة المجتمع الدولي ل"حماس"، على أساس أنها منظمة إرهابية تسعى لتدمير إسرائيل، سياسة فاشلة، وهناك حاجة ماسة لنهج جديد. حماس لاعب اساسى واكدت المجلة أن حماس ليست منظمة مقاومة هامشية، بل هي حركة سياسية قوية تدمج نفسها في النسيج الوطني الفلسطيني. فقد تمكنت الحركة عبر شبكة الخدمات الاجتماعية للإخوان المسلمين، والتي تلبي الاحتياجات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة على مدى عقود، من الحصول على دعم العديد من الفلسطينيين، الذين يعتقدون أن الحركة تقاتل من أجل حقوقهم بالعدل ضد الاحتلال الغاشم، وكلاعب حاسم في الحركة الوطنية الفلسطينية، تقود "حماس" الشرعية محليا وبين الحلفاء الرئيسيين في الخارج، رغم محاولات الولاياتالمتحدة وأوروبا وإسرائيل، أو حتى السلطة الفلسطينية عزل الحركة. ولا يمكن لمثل هذه القوة أن يتم مواجهتها عبر التدابير العسكرية، مثل اغتيال "أحمد الجعبري" ، القائد العسكري للحركة الشهر الماضي ، أو قتل قادة الحركة الكبار كما حدث في عام 2004. وفي عام 2006، فازت حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية على أساس برنامج يسعى إلى إضفاء الشرعية على المقاومة التى تعمل اسرائيل بجد على تدميرها. ومنذ ذلك الحين، حاولت إسرائيل فعل كل شيء من الاغتيالات لاستهداف البرلمانيين المنتخبين واعتقال قادة الحركة والحصار الجماعي على سكان قطاع غزة ، ولم تنجح أيا من هذه الطرق والاساليب في القضاء على حماس ، بل أنها عززت إلتزام وتمسك حماس الأيديولوجي بالمقاومة وإثبات مزاعمها بأن العنف هو الرد المناسب لهذا الصراع. وحقيقة الأمر هي أن حماس تمثل نسبة كبيرة من الجمهور الفلسطيني، وربما أن استخدام إسرائيل للقوة العظمى يقوض البنية التحتية لحركة حماس، بتكلفة مروعة للمدنيين في غزة، لكنها لا يمكن أن تقوض رسالة الحركة الأساسية. والبديل الوحيد القابل للتطبيق، إذن، هو لا بد من الاعتراف بحماس كلاعب وسط جنبا إلى جنب مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل. شرعية حماس لنرى كيف يمكن أن يتم ذلك، فمن الضروري أن نفهم موقف حماس تجاه المفاوضات، فحماس هي منظمة شعبية تستمد شرعيتها مباشرة من الشعب التى تسعى لتمثيله، وبالنظر إلى أن حماس انتخبت على أساس برنامج لحماية الحق في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة وحماية المصالح الفلسطينية، فإن أي انحراف عن هذه الأهداف سيكون تشويه لسمعتها. براجماتية الحركة ونظرا لأن حماس تحولت من حركة مقاومة حادة إلى حكومة وسلطة مدنية تدير قطاع غزة، حاولت الحركة الالتفاف على القيود الأيديولوجية فى إشارة عن استعدادها لقبول حلول عملية. فعلى سبيل المثال، واصلت رفض الاعتراف صراحة بحق اسرائيل في الوجود بينما تشير الى انها ستقبل قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967. وهو ما يعنى عمليا الاعتراف بشرعية إسرائيل بحكم الأمر الواقع. وفي يناير 2007، في أعقاب فوز حماس في الانتخابات، قال "خالد مشعل" زعيم الجناح السياسى للحركة لوكالة "رويترز": "نحن في حماس مع الموقف العام الفلسطيني والعربي ونحن مع إجماع على ضرورة اقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو 1967 ، بما في ذلك القدسالشرقية، وحق العودة، وانسحاب إسرائيل إلى هذه الحدود". واضاف :" أن المشكلة ليست أن هناك كياناً يسمى اسرائيل ، والمشكلة هي أن الدولة الفلسطينية غير موجودة، هناك حقيقة أن إسرائيل موجودة على الأراضي الفلسطينية، والمشكلة هي أن الدولة الفلسطينية غير موجودة، وقلقي كفلسطيني هو تأسيس هذه الدولة، لأن العلاقات الدولية لا تستند فقط على الاعتراف بالدولة ولكن يجب ان تكون موجودة بالفعل، ونحن كحماس وكفلسطينيين لا نتحدث عن الاعتراف بإسرائيل أو القبول بها كأمر واقع، وأنا كفلسطيني اليوم اتحدث عن مطلب فلسطيني وعربي لاقامة دولة على حدود عام 1967. صحيح أنه في الواقع سيكون هناك كيان أو دولة اسمها إسرائيل على بقية الأرض الفلسطينية، هذا هو الواقع ولكن أنا لا اتعامل معها من وجهة نظر الاعتراف او الاقرار به، بل هو حقيقة كانت نتيجة لعوامل تاريخية". خطأ المجتمع الدولى ونظر البعض إلى بيان "مشعل" على أنه لا يمثل اعتراف كامل بشرعية إسرائيل التى تطالب بها اللجنة الرباعية التى تضم الولاياتالمتحدة والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا ، وكانت النتيجة رفض هذه القوى المطلق للتفاوض مع حماس أو تشجيع إسرائيل على القيام بذلك، وهو الموقف الذي ساعد على إحداث حرب أهلية بين فتح وحماس والانقسام الحالي بين غزة وفتح التى تحكم الضفة الغربية. لابد من التعاون وربما ان الاختلاف بين شروط الرباعية وموقف حماس، يكون كبيرا من حيث الفكر والدلالات، ولكن مثل هذه الفجوة لا تمنع التعاون بشأن المسائل العملية. وقادة حماس هم أول من يعترف بذلك، فقد حاول "أسامة حمدان"، ممثل حماس في بيروت، التعامل مع شروط الرباعية بعد فوز حماس ، حيث قال موضحا :"ان رفض الاعتراف باسرائيل هو مجرد مسألة مفردات لغوية. " الاعتراف باسرائيل وقالت المجلة إن رفض الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود هو موقف على نطاق واسع بين العرب والفلسطينيين، سواء علنا أم سرا. وبعض الفصائل الفلسطينية ويمكن القادة ان تعلن للمجتمع الدولي انها ليس لديها مانع من الاعتراف بشرعية إسرائيل، ولكن ذلك سيعرضهم للغضب والسخط الجماهيرى. وبالنسبة لمعظم الفلسطينيين، فإن إنشاء إسرائيل يمثل لحظة الحرمان لهم من النكبة فى عام 1948 حتى اليوم، وهم يعتبرون اسرائيل مجرد نموذج من الظلم التاريخي، وليس دولة شرعية، وحماس تفهم هذا تماما، ولو كانت قبلت بالشروط المطلوبة من قبل اللجنة الرباعية وإسرائيل، لعرضت دعمها الشعبى للخطر. وبالنظر إلى أن حماس قد أبدت استعدادها لتبني حلول عملية ، فعلى القوى الإقليمية والدولية أن تركز على التوصل إلى اتفاقات عملية بدلا من محاولة سد الثغرات الإيديولوجية ، وذلك من خلال الانخراط مع حماس بدلا من مقاطعتها ، ويمكن للمجتمع الدولي اختبار حدود المنظمة على عدد من القضايا الجوهرية التي يجب أن تحدد معالم أي اتفاق نهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بما في ذلك الحدود المستقبلية للدولة الفلسطينية. فحماس هي حركة المقاومة الفلسطينية، وذلك سوف تسعى دائما لدفع الفلسطينيين في تقرير المصير وإنهاء الاحتلال، ولا يقتصر هذا الصراع على السيطرة على حدود غزة وإنما إلى مسار القومية الفلسطينية على نطاق أوسع ، والمشاركة مع حماس لا يمكن أن تنجح إلا ضمن إطار أوسع يسعى إلى إنهاء الصراع بطريقة عادلة. المصالحة والحل العملى ولإيجاد حل سياسي عملى مع حماس، على إسرائيل والمجتمع الدولي ان يعملان على تشجيع المصالحة بين حماس وفتح، لأنه بدون حكومة فلسطينية تضم كل الفصائل لا يمكن لإسرائيل أن تضمن دوام أي اتفاق تتوصل اليه مع الفلسطينيين. ولتحقيق هذا النجاح، على إسرائيل والرباعية ضرورة رفع تهديدهم بمقاطعة أي حكومة فلسطينية تضم حماس. وفي الماضي، أظهرت حماس مرونة كبيرة بشأن مسألة دورها داخل حكومة فلسطينية موحدة، وفي عام 2007، اكد مجلسها التشريعي المنتخب أنه مستعد للتنازل عن منصب رئاسة الوزراء إذا رفعت اللجنة الرباعية مقاطعتها للحركة وتعمل مع حكومة الوحدة. ومنذ ذلك الحين، فشلت عدة جولات من جهود المصالحة، ولكن على نطاق أوسع، أحيت التغيرات في العالم العربي احتمال تحقيق المصالحة. مفاوضات بناء الثقة ورغم صعوبة بدء مفاوضات سلام بمناقشة القضايا الجوهرية والمظالم التاريخية لكلا الطرفين، الا انه من الممكن أن تبدأ حماس والسلطة الفلسطينية واسرائيل بمفاوصات، يمكن أن تركز على معالجة القضايا الجوهرية للخلاف غير الأيديولوجية في الصراع لبناء الثقة، مثل وضع المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، ووجود المستوطنين اليهود في الضفة الغربية، وحدود غزة. ومثل هذه المفاوضات تكون بمثابة تدابير لبناء الثقة وتعزيز نوعية حياة الفلسطينيين، والتنمية الاقتصادية، والأمن على المدى الطويل. مع مرور الوقت، فإن هذه التحسينات تقوض مبرر حماس للمقاومة العنيفة. وبعدها يمكن الحديث عن حق العودة وحدود الدول الفلسطينية ووضع القدس. وختمت المجلة بأن حماس هى طرف رئيسى فى الصراع ولا يمكن أن يكون هناك حل على المدى الطويل دون مشاركتها، وإذا كانت إسرائيل والمجتمع الدولي يصران على رفض إشراك حماس فى اى مفاوضات للسلام ، فأن هدنة وقف إطلاق النار التى تم التوصل إليها الشهر الماضى لن تدوم، مما يمهد الطريق للجولة المقبلة من العنف.