تعودت منذ نعومة أظافرى أن أجلس وسط عائلتى لنستمع إلى الست أم كلثوم الخميس الأول من كل شهر أيام الزمن الجميل زمن الحب والمبادئ والأدب. باقى الخمسان تجتمع الأسرة أيضا لكى تتسامر وتستمع إلى عبدالوهاب والأطرش وليلى مراد وإلى كل ما يطرب الأذن ويخاطب الوجدان. كنا نستمتع بكل شيء سمر الكلمات وحرية وأدب الحوار وجزالة الشعر وجمال اللحن وحلاوة الصوت، وكان الحوار دائما عن الوفد وزعامة النحاس وجمال مصر وخضرتها ونيلها النظيف وآثارها المبهرة وطيبة شعبها وأصالة وعراقة تاريخها وكفاحها على مر السنين. تدهورت الأحوال بعد انقلاب 1952 حيث استولى العسكر على الحكم وتحولت الدولة المدنية إلى الدكتاتورية العسكرية التى استمرت ستين عاما انحدر فيها كل شىء بداية من الأخلاق وضياع الأرض الزراعية ووصل الانفلات والفساد إلى قمته. ولكن هنا يجب أن نؤكد أن العهود العسكرية الثلاثة كانت حريصة على قمع وكتم أنفاس التيارات الدينية بكل فصائلها ووضعوهم في السجون وشردوهم خارج مصر وهذه كانت الحسنة الوحيدة التى تغفر لهم بعض سلبياتهم وذلك لتأكدهم من خيانتهم للوطن وتطرفهم وإساءتهم للإسلام والمسلمين الحقيقيين. وكانت ثورة 25 يناير، ثورة شباب مصر الشرفاء المثقفين حيث قهروا الفساد وأسقطوا النظام القمعى وكان لهم ما أرادوا بعد أن مكثنا فى الميدان 18 يوما تحت وطأة المطر وزمهرير البرد. استلم العسكر مصر وكأنه قدر المصريين وضاعت الثورة وضاع الثوار وكانت المؤامرة منذ اليوم الأول بأن سلموا مصر إلى الإخوان فاقدى الأهلية وحاملى لواء السطو والسيطرة والسمع والطاعة والميليشيات وممارسات بعيدة كل البعد عن الإسلام. استولى الإخوان على السلطة ولطالما نادينا أن يكون الدستور أولا ولكنها كانت المؤامرة وخربت مصر مرة أخرى بعد أن تمكن الإخوان من كرسى الرئاسة. شبع بعد جوع وحرمان منذ عام 1928، استعراض للقوى وتصدر للمشهد بالكذب والخداع فهم قتلة الأبرياء ومروجو التطرف الذى أساء للإسلام أمام العالم كله. وبدأت خيوط المؤامرة بأخونة مصر والسيطرة على مفاصل الوطن بلجنة تأسيسية للدستور غير أمينة على مصر ويسيطر عليها فصيل الإسلام السياسى لوضع دستور يخدم مصالحهم وتحول مصر إلى دولة دينية متعصبة تهدر فيها الحرية وكرامة المواطن. وكانت ليلة الغضب بعد أن أصدر مرسى إعلانا دستوريا مفضوحا ومشوها رفضته كل القوى السياسية والشعبية بشدة وكان الاعتصام فى الميدان وتحولت كل محافظات مصر إلى ميادين للحرية والمطالبة بسقوط حكم المرشد. تحدى مرسى مشاعر المصريين وهانت عليه دماؤهم وصمم على عدم التراجع وخرجت المسيرات وتطايرت شعارات الرفض والغضب وانتفض الشعب مرة أخرى وستكون بإذن الثورة الثانية التى ستنزع الإخوان عن الوطن وتعيدهم إلى السجون والشتات. ذهبت ليلة الخميس إلى الميدان لأكون بين رجال الوفد المعتصمين وكانت ليلة باردة السقيع فيها يملأ المكان ولكنا كنا صامدين. تذكرت خميس أم كلثوم وخميس العائلة وحكايات الحب والكفاح وضحكات أمى التى كانت ترفرف بالحب والحنان حولنا وتذكرت صمت أبى وشروده فى صوت أم كلثوم وتحسرت على مصر وما يحدث لشعب مصر وترحمت على الزمن الجميل. وكانت جمعة الإصرار حيث امتلأ الميدان وجاءه الإصرار من كل فج عميق حتى ضاق بهم الميدان وصيحات الاستنكار والرفض لقرارات مرسى والمدمرة للحرية والديمقراطية واستقلالية القضاء وكانت وقفة قوية هزت أرجاء الميدان. وكان ذهول الجميع بعد أن سمعوا خطابه الركيك الذى لا يعبر عن شىء إلا مخاطبة الإخوة أقرانه ولم يفهم منه شيء سوى أيها الأحباب رجال عشيرتى. واكتظت شوارع الجيزة وجامعة القاهرة بصيحات وسيارات الأقاليم التى جاءت محملة بالبسطاء والأميين بعد أن اشترتهم ميليشيات الإخوان بالمال والزيت والسكر وكيس اللحمة. كانوا يسيرون فى جماعات مهلهلة الهندام تتخبط فى كل اتجاه مثل العميان، فعلا هم عميان العقل والقلب والنظر تدفعهم الحاجة إلى قبول أى شىء من أجل أى شيء ولا هم فاهمين حاجة لا دستور ولا دياولوا.. أهو أكل عيش والسلام. كان هذا سبت العميان فعلوه رداً على مليونية خميس الإصرار. كيف يتظاهر مؤيدو قرارات مرسي؟! غريبة الذى يتظاهر هو المعارض فقط أما المؤيد فعليه أن يصمت لأنه مؤيد وموافق على قرار مندوب الإخوان فى قصر الرئاسة المسمى الدكتور مرسى. عزيزى القارئ منذ فترة طويلة وأنا زهقان وقرفان وحزين على حال مصر إننى أخشى على المصريين من الفتنة والحرب الأهلية التى بدأت بشائرها بعد أن انقسم الشعب المصرى إلى نصفين ما بين معارض ومؤيد وهذه كارثة يا مرسى وأى قطرة دم ستنزف هى مسئوليتك أنت وحدك أمام ضميرك وأمام التاريخ.. التاريخ لن يرحمك يا مرسى. حسبى الله ونعم الوكيل، فنحن المسلمين الحقيقيين المؤمنين بالشريعة ونقول الصدق ونحافظ على الهدوء ولا نتبع أسلوب اللوع والخداع نؤمن فعلاً بالشريعة ولكن نرفض الاستبداد. لن نترككم لكى تحطموا مصر وتخربوها لقد عرفنا طريق الحرية ولن نتنازل عن إقصائكم وعودتكم إلى السجون والشتات حتى لو استشهد نصف الشعب المصرى. ونصيحة لك يا مرسى إن لم تتراجع يجب عليك أن تنتحر كما فعل هتلر بعد أن دمر ألمانيا بديكتاتوريته وحبه للسلطة والسيطرة والاستبداد، فالشعوب لا تحكم إلا بالعدل والقانون والحب والحرية والديمقراطية. أيها الشعب الطيب الساكن، الصامت، الجائع، المريض، العاطل: إن الحقوق لا توهب ولا تمنح من الأعداء ولكنها تأتى بالتضحيات ودماء الشهداء. المنسق العام لحزب الوفد