حب الوطن غريزة فطرية في الإنسان، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه ومدرج خطاه ومرتع طفولته ، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده ". لذلك كان من حق الوطن علينا أن نحبه؛ وهذا ما أعلنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يترك مكة تركًا مؤقتًا؛ فعن عبد الله بن عدي أنه سمع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو واقف على راحلته بالحَزْوَرَة مِنْ مَكَّةَ يَقُول: "وَالله إِنَّك لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلًى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ" ؛ هذه الكلمات قالها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يودِّع وطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميق، وانتماءٍ صادقٍ؛ وتعلُّق كبير بالوطن، بمكةالمكرمة. بهذا بدأ الدكتور محمدفكيه امام وخطيب مسجد السيدة زينب وأضاف قائلا:ولتعلق النبي – صلى الله عليه وسلم – بوطنه الذي نشأ وترعرع فيه ووفائه له وانتمائه إليه؛ دعا ربه لما وصل المدينة أن يغرس فيه حبها فقال: " اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ". وقد استجاب الله دعاءه، فكان يحبُّ المدينة حبًّا عظيمًا، وكان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها التي تدلُّ على قرب وصوله إليها؛ فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: "كان رسول الله إذا قدم من سفرٍ، فأبصر درجات المدينة، أوضع ناقتَه - أي: أسرع بها - وإن كانت دابة حرَّكَها"، قال أبو عبدالله: زاد الحارث بن عمير عن حميد: "حركها من حبِّها". ومع كل هذا الحب للمدينة لم يستطع أن ينسى حب مكة لحظة واحدة؛ لأن نفسه وعقله وخاطره في شغل دائم وتفكير مستمر في حبها؛ إن تراب الوطن الذي نعيش عليه له الفضل علينا في جميع مجالات حياتنا الاقتصادية والصناعية والزراعية والتجارية؛ بل إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يستخدم تراب وطنه في الرقية والعلاج؛ فعن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية: " باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا". وهكذا يظهر لنا بجلاء فضيلة وأهمية حب الوطن والانتماء والحنين إليه في الإسلام.فاذاكان الإنسان يتأثّر بالبيئة والوطن الذي ولد فيه، ونشأ على ترابه، وعاش من خيراته، فإن لحب الوطن والانتماء إليه متطلبات كثيرة تتمثل فيما يلي:- - تربية الأبناء على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه - بعد فضل الله سبحانه وتعالى - منذ نعومة أظفاره ، ومن ثم تربيته على رد الجميل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان؛ لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما في قوله تعالى : { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ }. ،الحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه؛ لإيجاد جوٍ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسداً واحداً مُتماسكاً في مواجهة الظروف المختلفة . وأوضح الدكتور محمدفكيه امام وخطيب مسجد السيدة زينب :أنه يجب العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن ، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام ؛ فالحب الصادق للأوطان واجبات ومسؤوليات يجب علينا أن نترجمها على أرض الواقع؛ فالمسلم الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّا أشد ما يكون الحب له، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيله بنفسه ونفيسه، ورخيصه وغاليه، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة، وتجمع عليه خيار الأمة؛ فيا له من حب! إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، فيجب على كل مسلم أن يحب وطنه، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه؛ فحب الوطن والدفاع عنه لا يحتاج لمساومة؛ ولا يحتاج لمزايدة؛ ولا يحتاج لشعارات رنانة؛ ولا يحتاج لآلاف الكلمات؛ أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه؛ حروفنا وكلماتنا تنساب إليه، أصواتنا تنطق به؛ آمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به، لأجل أرض وأوطان راقت الدماء؛ لأجل أرض وأوطان تشردت أمم، لأجل أرض وأوطان تحملت الشعوب ألواناً من العذاب؛ لأجل أن نكون منها وبها ولها؛ وإليها مطالبون أينما كنا أن نحافظ عليها !!