قال الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، إن الإيجابية تعني الإسهام والمشاركة البناءة من الفرد في الشأن العام والخاص، كإسهامه في شئون أسرته وعمله ومجتمعه ووطنه. وأضاف الجندي، خلال فعاليات اليوم الأول من معسكر الأئمة المتميزين بشرم الشيخ، أن هناك مقولات قديمة موروثة تدعو إلى السلبية وعدم الإيجابية، كقول القائل عند رؤية التقصير الذي يستدعي المشاركة الإيجابية (وأنا مالي) و(ربنا عاوز كده) وغيرهما مما يحبط العزائم ويدعو إلى الانزواء وعدم المشاركة في هموم المجتمع والوطن. وأشار إلى أن الإيجابية مؤصلة في القرآن والسنة، ففي القرآن يقول تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (76النحل)، وهذا مثل ضربه الله تعالى لنفسه والآلهة التي تُعبد من دونه، هل يستوي هذا الأبكم الكلّ على مولاه الذي لا يأت بخير حيث توجه ومن هو ناطق متكلم يأمر بالحقّ ويدعو إليه وهو الله الواحد القهار. وتابع: وفي السنة النبوية في مثلين واضحين، الأول: عند إعادة بنيان الكعبة لما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين قبائل قريش ، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر إلى موضعه، فاقترح أحدهم أن يحكّموا أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام ، فإذا هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما إن رأوه حتى هتفوا : هذا الأمين ، رضينا : فقال: ( هلمّ إليَّ ثوبا )، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال : (لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ) ففعلوا ، فلما بلغوا به موضعه ، أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه ، في إيجابية ومشاركة منه (صلى الله عليه وسلم). واستطرد: وواقعة أخرى أشار إليها رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حين قال : ( لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الإِسْلامِ لأَجَبْتُ ) ، وَكَانَ سَبَبُ الْحِلْفِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَظلم بِالْحَرَمِ ، فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ ، وَالزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَدَعَواهُمْ إِلَى التَّحَالُفِ عَلَى التَّنَاصُرِ ، وَالأَخْذِ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ . وهذه إيجابية بناءة . وفي كلمته لفت الدكتور ماهر جبر مدير عام مكتبة المخطوطات بوزارة الأوقاف، إلى أن الإيجابية الوطنية هي تفاعل بين الإنسان ووطنه الذي يعيش فيه، ويترتب على هذا التفاعل جملة من الحقوق والواجبات من المواطن لوطنه والتي منها الولاء والانتماء إليه، فقد زكى الله تعالى القتال من أجل إعلاء كلمة الله ورد العدوان وحماية الأوطان، وجعل الموت فداءً لها هو موت في سبيل الله؛ لذلك قال الله تعالى: "وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ" (البقرة 246). وألمح إلى أن الله (عز وجل) جعل قتل النفس معادلًا للإخراج من الديار، قال تعالى:{وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66النساء)}، مما يؤكد أن الانتماء للأوطان والدفاع عنها واجب ديني ووطن. وأضاف أن السنة النبوية قد أصلت للإيجابية التي ظهرت في فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) مذ أول يوم وصل فيه للمدينة المنورة وذلك بإبرامه وثيقة المدينة بين اليهود والمسلمين ، والتي كانت ترسيخًا للمبادئ الإنسانية التي تحترم حقوق الإنسان على اختلاف أعراقهم ومعتقداتهم ، في حالة موادعة تقوم على الحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع جميعًا والدفاع عن الوطن وترابه ، مما يؤكد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إيجابيًّا في أبهى صورها. وفي كلمته أكد الشيخ ماجد راضي فرج مدير إدارة شرم الشيخ أن الإسلام حث على الوطن، وأن الشخص الذي لا يحب وطنه لا يستحق العيش على ترابه، مشيرًا أن قدوتنا في ذلك هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حبه لوطنه لما خرج من مكة مهاجرا إلى المدينة ، وقف على الْحَزْوَرَةِ فقال: ( وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلا أَنِّي أخرجت مِنْك مَا خرجت ). وأكمل: ولما دخل المدينة دعا الله (عز وجل) أن يحببها إليه وإلى أصحابه، منوهًا بأن الإيجابية من صور حب الوطن فهي تعني المسئولية والإنتاج والمشاركة البناءة ، والإمام والداعية يقصدهم الناس من كل حدب وصوب يستفتونه ويتعلمون منه ، فعليه أن تتمثل الإيجابية في سلوكه وفتاويه وأفعاله ، وأن يقدم الحلول لما يعترضهم من مشكلات . من جانبه أوضح الشيخ محمد رجب عبد الدايم إمام وخطيب مسجد الصحابة بشرم الشيخ على أن الإيجابية من صفات الأنبياء، ولنا في سيدنا يوسف (عليه السلام) مثالًا واضحًا عندما وضع الخطة الاقتصادية لما رأى أزمة وفاقة تطل برأسها على المجتمع بأثره على الرغم من سجنه ظلمًا قبل ذلك ، ففرق بين الأمور الشخصية والمصلحة العامة ، فكان ضربًا من الإيجابية التي حققت الأمان لوطنه والسلام لمجتمعه.