المصرف المتحد يحقق 1.5 مليار جنيه صافي ربح بالنصف الأول من 2025    لافروف ووزير الخارجية المجر يبحثان الوضع في أوكرانيا على هامش قمة ألاسكا    تحركات فلسطينية مكثفة بالأمم المتحدة لدعم حل الدولتين قبل الجمعية العامة في سبتمبر المقبل    محافظ أسيوط يتابع الحالة الصحية لمصابي حادث انقلاب أتوبيس على الطريق الصحراوي الغربي ويوجه بتقديم الرعاية والدعم اللازمين    بالصور .. عطية يتابع غرفة عمليات الثانوية العامة الدور الثاني    صحفي فلسطيني: أم أنس الشريف تمر بحالة صحية عصيبة منذ استشهاد ابنها    وزارة الصحة تقدم 30 مليون خدمة طبية بالنصف الأول من 2025    «الرعاية الصحية» تطلق مبادرة لاستقطاب الخبرات الطبية المصرية العالمية    تحرك شاحنات القافلة السادسة عشرة من المساعدات من مصر إلى غزة    فحوصات طبية ل فيريرا بعد تعرضه لوعكة صحية مفاجئة عقب مباراة المقاولون    "لا يصلح".. نجم الأهلي السابق يكشف خطأ الزمالك في استخدام ناصر ماهر    قمة إنجليزية.. مواعيد مباريات اليوم الأحد    الأحد 17 أغسطس 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    وزيرة التنمية المحلية: إزالة 4623 مخالفة بناء فى عدد من المحافظات    تحويلات مرورية بشارع 26 يوليو بالجيزة بسبب أعمال المونوريل    الفرح تحول إلى مأتم.. مصرع 4 شباب وإصابة 5 آخرين في زفة عروس بالأقصر    ضبط 113.2 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    "الجونة السينمائي" ينعى مدير التصوير تيمور تيمور    بزيادة 14 ألف طن.. قنا تعلن انتهاء موسم توريد القمح    يسري جبر: الثبات في طريق الله يكون بالحب والمواظبة والاستعانة بالله    موعد آخر فرصة لتقليل الاغتراب والتحويلات بتنسيق المرحلتين الأولى والثانية    ننشر التسعيرة الحقيقية ل الفراخ البيضاء اليوم.. احذر التلاعب    5 حالات اختناق إثر 3 حرائق في القاهرة والجيزة    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    شرطة الاحتلال: إغلاق 4 طرق رئيسية بسبب إضراب واسع في إسرائيل    فتنة إسرائيلية    جمعية الكاريكاتير تُكرّم الفنان سامى أمين    "بشكركم إنكم كنتم سبب في النجاح".. حمزة نمرة يوجه رسالة لجمهوره    صناديق «الشيوخ» تعيد ترتيب الكراسى    الأردن يدين تجميد إسرائيل حسابات بطريركية الروم الأرثوذكس في القدس    إصلاح الإعلام    البوصلة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    "يغنيان".. 5 صور لإمام عاشور ومروان عطية في السيارة    قوات الاحتلال تُضرم النار في منزل غربي جنين    مصرع شخصين وإصابة 30 آخرين فى انقلاب أتوبيس نقل على الطريق الصحراوى بأسيوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف 2025 بحسب أجندة رئاسة الجمهورية    عيار 21 الآن.. أسعار الذهب اليوم في مصر الأحد 17 أغسطس 2025 بعد خسارة 1.7% عالميًا    مشيرة إسماعيل تكشف كواليس تعاونها مع عادل إمام: «فنان ملتزم جدًا في عمله»    للتخلص من الملوثات التي لا تستطيع رؤيتها.. استشاري يوضح الطريق الصحيحة لتنظيف الأطعمة    وكيل صحة سوهاج يصرف مكافأة تميز لطبيب وممرضة بوحدة طب الأسرة بروافع القصير    رويترز: المقترح الروسي يمنع أوكرانيا من الانضمام للناتو ويشترط اعتراف أمريكا بالسيادة على القرم    تدق ناقوس الخطر، دراسة تكشف تأثير تناول الباراسيتامول أثناء الحمل على الخلايا العصبية للأطفال    8 ورش فنية في مهرجان القاهرة التجريبي بينها فعاليات بالمحافظات    «مش عايز حب جمهور الزمالك».. تعليق مثير من مدرب الأهلي السابق بشأن سب الجماهير ل زيزو    مواقيت الصلاة في محافظة أسوان اليوم الأحد 17 أغسطس 2025    رئيس جامعة المنيا يبحث التعاون الأكاديمي مع المستشار الثقافي لسفارة البحرين    الداخلية تكشف حقيقة مشاجرة أمام قرية سياحية بمطروح    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع تعادل الزمالك والمقاولون العرب؟ (كوميك)    المصرية للاتصالات تنجح في إنزال الكابل البحري "كورال بريدج" بطابا لأول مرة لربط مصر والأردن.. صور    تعليق مثير فليك بعد فوز برشلونة على مايوركا    وزيرا خارجية روسيا وتركيا يبحثان هاتفيا نتائج القمة الروسية الأمريكية في ألاسكا    «أوحش من كدا إيه؟».. خالد الغندور يعلق على أداء الزمالك أمام المقاولون    «زي النهارده».. وفاة البابا كيرلس الخامس 17 أغسطس 1927    "عربي مكسر".. بودكاست على تليفزيون اليوم السابع مع باسم فؤاد.. فيديو    يسري جبر يوضح ضوابط أكل الصيد في ضوء حديث النبي صلى الله عليه وسلم    عاوزه ألبس الحجاب ولكني مترددة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل يجوز إخراج الزكاة في بناء المساجد؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسلم بين الإيجابية والسلبية
نشر في الشعب يوم 09 - 11 - 2011

الإيجابية والسلبية كلمتان شاع استعمالهما في الفترة الأخيرة استعمالاً كثيراً على كافة المستويات فما معناهما ؟
الإيجابية حالةٌ في النفس تجعل صاحبها مهمومًا بأمر ما، ويرى أنه مسئول عنه تجاه الآخرين، ولا يألو جهدًا في العمل له والسعي من أجله.
والإيجابية تحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء، والشخص الإيجابي: هو الفرد، الحي، المتحرك، المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه، والسلبية: تحمل معاني التقوقع، والانزواء، والبلادة، والانغلاق، والكسل.
والشخص السلبي: هو الفرد البليد، الذي يدور حول نفسه، لا تتجاوز اهتماماته أرنبة أنفه، ولا يمد يده إلى الآخرين، ولا يخطو إلى الأمام .
والمجتمع السلبي الذي يعيش فيه كل فرد لنفسه على حساب الآخرين مجتمع زائل لا محالة، كما أن المجتمع الإيجابي مجتمع راقٍ عالٍ لا شك.
الفرق بين السلبي والإيجابي
إنه الفرق بين الليل والنهار.. الجماد والكائن الحي.. الفرق بين الوجود والعدم. والدليل على هذا قوله تعالى "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" (النحل:76) لقد سمى الله السلبي في هذه الآية " كّلاً" والإيجابي ب " يأمر بالعدل".. "كلّ" أصعب من سلبي.. لأن سلبي معناها غير فعال أما كلّ فمعناها الثقيل الكسول وقبل هذا فهو "أبكم" لا يتكلم ولا يرتفع له صوت .
وهذا عبء على المجتمع؛ لأن النظرة التشاؤمية هي الغالبة عليها في كافة تصرفاته، وهذه الشخصية ضعيفة الفاعلية في كافة مجالات الحياة، ولا يرى للنجاح معنى، ولا يؤمن بمسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة، بل ليس عنده همة الخطوة الأولى، ولهذا لا يتقدم ولا يحرك ساكناَ وإن فعل في مرة يتوقف مئات المرات.
وهذه الشخصية مطعمة بالحجج الواهية والأعذار الخادعة بشكل مقصود، وهو دائم الشكوى والاعتراض والعتاب والنقد الهدام. وأما الآخر فإنه " يأمر بالعدل" فهو هنا الشخصية المنتجة في كافة مجالات الحياة حسب القدرة والإمكانية، المنفتحة على الحياة ومع الناس حسب نوع العلاقة، ويمتلك النظرة الثاقبة.. ويتحرك ببصيرة "بالعدل" فهو يوازن بين الحقوق والواجبات (أي ما له وما عليه) مع الهمة العالية والتحرك الذاتي، والتفكير دائما لتطوير الإيجابيات وإزالة السلبيات.
هل من المعقول أن يتساوى هذا وذاك؟ لا يستوون .
أهمية الإيجابية
إن السلبية هي أخطر آفة يصاب بها فرد أو مجتمع، بينما الإيجابية هي أهم وسيلة لنهضة أي أمة؛ فمن الحقائق المسلِّم بها أن نهضة الأمم تقوم على أفراد إيجابيين مميزين بالأفكار الطموحة والإرادة الكبيرة، كما أنها نجاة من هلاك الأمم والشعوب قال تعالى " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ" (هود:117) ولم يقل صالحون إنما قال مصلحون، وهناك فارق بين صالح ومصلح فالصالح صلاحه بينه وبين ربه، أما المصلح فإنه يقوم بإصلاح نفسه ودعوة غيره .
فالمسلم الإيجابي عندما تعرض له مشكلة يفكر في الحل فهو يرى أن كل مشكلة لها حل والسلبي يفكر في أن المشكلة لا حل لها، بل يرى مشكلة في كل حل. المسلم الإيجابي لا تنضب أفكاره والسلبي لا تنضب أعذاره كذلك المسلم الإيجابي يرى في العمل والجد أملا والسلبي يرى في العمل ألما. والمسلم الإيجابي يصنع الأحداث والسلبي تصنعه الأحداث، والمسلم الإيجابي ينظر للمستقبل والسلبي يخاف المستقبل، كما ان المسلم الإيجابي يزيد في هذه الدنيا أما السلبي فهو زائد عليها .
إيجابية الرسول في تطلعه للمستقبل
لما اشتد الأذى على رسول الله بعد وفاة أبي طالب وخديجة رضي الله عنها خرج إلى الطائف فدعا قبائل ثقيف إلى الإسلام فلم يجد منهم إلا العناد والسخرية والأذى ورموه بالحجارة حتى أدموا عقبيه فقرر الرجوع إلى مكة.
قال: " انطلقت – يعني من الطائف – وأنا مهموم على وجهي فلم استفق إلا وأنا بقرن الثعالب – ميقات أهل نجد – فرفعت رأسي فإذا سحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك وقد أرسل لك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.
ثم ناداني ملك الجبال قد بعثني إليك ربك لتأمرني بما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين – جبلان بمكة – فقال رسول الله: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً " متفق عليه.
وقد وقع الأمر كما تمناه النبي وخرج من صلب فرعون الأمة أبي جهل عكرمة رضى الله عنه، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة المبشر بالنار في سورة المدثر سيف الله المسلول خالد بن الوليد.
وهكذا المسلم يرى الأمل دائما غير منقطع وينظر إلى الواقع وإن اشتد عليه بايجابية وتفاؤل. وفي الحديث " من قال هلك الناس فهو أهلكهم". (رواه مسلم عن أبي هريرة). ( فهو أهلكهم أي أشدهم هلاكاً)..
في هذا الحديث يبين صلى الله عليه وسلم عظم من قال في الناس أنهم هلكى، لأن في ذلك حكم على عموم الناس بالهلاك وهو أمر غيبي لا يستطيع أحد الاطلاع عليه إلا بالوحي، والوحي قد انقطع من السماء. فكان جزاؤه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن القائل بذلك أنه أهلك الناس وأفسدهم، وهذا على رواية الرفع (بضم الكاف من أهلكهم).
أما على رواية النصب (بفتح الكاف من أهلكهم) فمعناها أنه أهلك الناس بكلامه ذلك وقنطهم من رحمة الله تعالى. قال الحافظ ابن عبد البر: هذا الحديث معناه لا أعلم خلافا فيه بين أهل العلم أن الرجل يقول ذلك القول احتقارا للناس وازدراء بهم وإعجابا بنفسه..
وقال الخطابي: معنى هذا الكلام أن لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم ويقول قد فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك من الكلام يقول صلى اللّه عليه وسلم إذا فعل الرجل ذلك فهو أهلكهم وأسوأهم حالاً مما يلحقه من الإثم في عيبهم والازراء بهم والوقيعة فيهم، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه فيرى أن له فضلاً عليهم وأنه خير منهم فيهلك .
فانظروا إلى هذا القول فقط كيف يؤدي بالمرء إلى الهلاك والخسران، وهو مجرد قول لا مساس فيه بأموال الناس ودماءهم وأعراضهم، وكل هذا لأن قائل هذا القول نظرته للمجتمع سوداوية لا أمل فيها..
"يروى أن مسلمة بن عبد الملك كان في جملة من الجند يحاصرون إحدى قلاع الروم، وكانت محصنة والدخول إليها صعباً إلا من نقب فيها تخرج منه أوساخ المدينة، فوقف مسلمة ينادي في الجند: من يدخل النقب ويزيح الصخرة التي تحبس الباب ويبكر حتى ندخل...
فقام رجل قد غطى وجهه بثوبه وقال أنا يا أمير الجند ودخل النقب وفتح الباب ودخل الجند القلعة فاتحين.. وبعدها وقف مسلمة بين الجند ينادي على صاحب النقب حتى يكرمه على ما فعل، وكان يردد من الذي فتح لنا الباب فما يجيبه أحد! فقال أقسمت على صاحب النقب أن يأتيني في أي ساعة من ليل أو نهار. فطُرق باب مسلمة طارق ليلاً ، فيلقاه مسلمة مستبشراُ أنت صاحب النقب فقال الطارق هو يشترط ثلاثة شروط حتى تراه. قال مسلمة وما هي؟ قال: ألا ترفع اسمه لدى الخليفة ولا تأمر له بجائزة ولا تنظر له بعين من التمييز، قال مسلمة افعل له ذلك.
فقال الطارق أنا صاحب النقب وانصرف وترك جيش مسلمة ذاهبا إلى سد الثغور في أماكن أخرى" ( ابن منظور: مختصر تاريخ دمشق 7/273 ) ويذكر أن مسلمة كان يدعو بعدها قائلا اللهم احشرني مع صاحب النقب.
أمثلة الإيجابية في القرآن
أولاً: قصة مؤمن القرية:
قال: الله عز وجل: " وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ..."
"وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ" لم يمنعه بُعد المكان أن يأتي ليبلغ دعوته، وينشر معتقده، فقد جاء من أقصا المدينة! والغالب أن من يسكن أقصى المدينة هم ضعفاء الناس وفقراؤهم ولم يمنعه ذلك من اتيان قومه لدعوتهم ونصحهم .
"رجل" ورجل هنا نكرة أي أنه من عامة الناس وليس من وجهائهم
"يسعى" ولم يأتِ ماشياً! فإن ما قام في قلبه من الهمة العالية، والرغبة، في نقل ما عنده للآخرين، حمله على أن يسعى .
"قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ" فلم يكتف بوجود ثلاثة رسل وإنما جاء بنفسه ليدعو قومه ويرغبهم في اتباع المرسلين .
ثم يبين دليل صدق أنبيائهم " اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ".
ثم يسوق الحجج العقلية، فيقول: "وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ".
هذا مثال لمؤمن حمله إيمانه الحق الصادق، على أن يجهر بدعوته، صريحة، واضحة، بين الناس. ونادى بملء فيه: "إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ" فقتله قومه. والقصة لم تنتهِ عند هذا الحد! قتل الرجل وبشرته الملائكة بالجنة "قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ".
سبحان الله ! حتى بعد الموت، والفوز بالجنة، لا يزال في قلبه الشعور بالرغبة في العطاء، والنصح للآخرين. ولم يشمت بهم، وإنما تمنى أن يعلم قومه بعاقبته، لعل ذلك يحملهم على أن يقبلوا نصحه.
قال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله " يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ"، وبعد مماته في قوله: "يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ"
ثانيا: إيجابية نملة: يقول تعالى: "حَتَّىٰ إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ" (النمل:18).. سليمان نبي الله هو وجيشه يمشون في الطريق و أمامهم مجموعة من النمل يسعون لطلب الرزق.. تحملت نملة واحدة مسؤولية الإنذار والتحذير وصاحت في النمل " يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده )واعتذرت عن سليمان وجنوده فقالت( وهم لا يشعرون".
" قالت نملة" نملة نكرة ليست معرفة ...!!! ومن ثم فأي واحد منا يتحمل المسؤولية يكون موضع تقدير واحترام لأنه يصبح إيجابياً.
ثالثا: قصة الهدهد: يقول تعالى: "وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لأعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لأذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ" (النمل:20-21) فسيدنا سليمان يجمع كل صفات القائد العظيم: 1- يتفقد الجيش كل يوم. 2- حينما لم يجد الهدهد لم يتسرع في اتهامه، بل سأل هل هو حاضر أم غائب؟ فربما كان موجودًا في مكان ما بين أفراد الجيش ولم يره سيدنا سليمان. 3- الحزم: فقد هدد بعقاب الهدهد. 4- العدل: فقد طلب أن يأتيه الهدهد بسبب غيابه؛ حتى لا يوقع به العقاب. 5- الإنصات: منح الفرصة للهدهد للدفاع عن نفسه. وجاء الهدهد من سبأ بنبأ يقين، سمع الهدهد بأن قومًا يعبدون الشمس، بمملكة سبأ باليمن، وهو في فلسطين، أي على بعد مسافة كبيرة من اليمن، فطار إلى اليمن يتفقدهم، حتى أنه ذهب إلى عرش الملكة وعاد بالأخبار، ليصبح سببًا في هداية أمة.
إن الآفة التي أصابت الأمة حتى العقلاء الفاهمين منها هي آفة أنه واقف إلى أن يؤمر, سلبيٌ إلى أن يُحرَّك, ينتظر مَن يقول له افعل أو لا تفعل، وفي هذا كأنما احتقر عظيمًا وهبه الله إياه, فعطَََّل في نفسه الذاتية, والإيجابية، والتفكير في مصير الأمة, وعطل في نفسه معنى المشاركة, واحتقر في نفسه أن يصلح ما يستطيع إصلاحه دون أن يأتيه أمر بإصلاحه, وهذه الآفة التي يقع فيها كثير من الناس حتى الملتزمون والعاملون في المجال الدعوي لله تبارك وتعالى هي التي أصابت العمل الإسلامي بنوع من الفتور في كثير من الأحيان.
هذه هي الذاتية التي استشعرها الهدهد, فلم ينتظر إذنًا من أحد وقام غِيرةً على دين الله, قام لكي ينظر أين دين الله في هؤلاء الناس.
الايجابية في سنة الرسول- صلى الله عليه وسلم
حض الرسول- صلى الله عليه وسلم – على الاختلاط بالناس وحضور جمعهم ومجالس الذكر وزيارة المريض وحضور الجنائز ومؤاساة المحتاج وإرشاد الجاهل.
واهتم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمواقف الايجابية والأخلاق النبيلة التي كان يتمتع بها غير المسلمين في عصره وإشادته بها ودعوته إلى الأخذ بها مع التأكيد على أن من الضروري أن يشترك المسلم بالعمل الايجابي من أي جهة أتى بل و يبادر إلى ذلك ، مثل حلف الفضول الذي اهتم بنصرة المظلومين والفقراء وقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم –"لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأجبت".
والسعي في نفع الناس جميعا كان ملازما للنبي صلى الله عليه وسلم حتى قبل البعثة فقد استدلت خديجة على أن ما حصل في غار حراء لا يمكن أن يكون شرا للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت له : كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكَلَّ وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق و تصل الرحم و تحمل الكَلَّ و تكسب المعدوم، وتَقْري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ومعنى " تحمل الكَلَّ" يدخل في هذا الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك وهو من الكلال وهو الإعياء، أما قولها " وتكسب المعدوم" تكسب غيرك المال المعدوم أو تعطيه إياه تبرعا. "تَقْري الضيف" تكرمه يقال للطعام المقدم للضيف قِراً. "وتعين على نوائب الحق" جمع نائبة وهي الحادثة ما يحدث في الناس من المصائب.
وكما في قصة مساعدة النبي صلى الله عليه وسلم لبدوي غير مسلم ليسترجع دَيْنا له من أبي جهل رأس الكفر، فلم يمنع عدم إسلام الطرفين من بذل الجهد في عمل إيجابي.
قدم رجل من أراش (اسم قبيلة) بإبل له بمكة, فابتاعها منه أبو جهل, فمطله بأثمانها (تأخر متعمدا ), فأقبل الأراشي حتى وقف على ناد من قريش, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس, فقال: يا معشر قريش, من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام فإني رجل غريب, ابن سبيل, وقد غلبني على حقي, قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس- لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وهم يهزؤون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنه يؤديك عليه.
فأقبل الأراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا عبد الله, إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله, وأنا رجل غريب ابن سبيل, وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه, يأخذ لي حقي منه, فأشاروا لي إليك, فخذ لي حقي منه يرحمك الله قال: انطلق إليه وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رأوه قام معه قالوا لرجل ممن معهم: اتبعه فانظر ماذا يصنع قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه فقال: من هذا؟
فقال: محمد فاخرج إلي، فخرج إليه وما في وجهه من رائحة, قد انتقع لونه, فقال: " أعط هذا الرجل حقه"، قال: نعم, لا تبرح حتى أعطيه الذي له. قال: فدخل فخرج إليه بحقه فدفعه إليه. ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال للأراشي: الحق بشأنك.
فأقبل الأراشي حتى وقف على ذلك المجلس, فقال: جزاه الله خيراً فقد والله أخذ لي حقي. قال: وجاء الرجل الذي بعثوا معه, فقالوا: ويحك ماذا رأيت؟ قال: عجباً من العجب, والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه, فخرج إليه وما معه روحه, فقال له: أعطِ هذا حقه, فقال: نعم لا تبرح حتى أخرج إليه حقه, فدخل فخرج إليه بحقه, فأعطاه إياه.
قال: ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء, فقالوا ويلك مالك والله ما رأينا مثل ما صنعت قط, قال ويحكم والله ما هو إلا أن ضرب عليّ بابي وسمعت صوته, فملئت منه رعبا, ثم خرجت إليه, وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط, والله لو أبيت لأكلني.
ولا ننسى حديث " كل معروف صدقة" الذي يعني أن لدى الإنسان أشياء كثيرة يمكن أن يقدمها للناس ولنفسه كالصدقة والابتسامة وإماطة الأذى عن الطريق وكف الأذى والتسبيح والتهليل . كما أن الأحاديث النبوية تحثنا على هذه القيمة العظيمة، فيقول- صلى الله عليه وسلم " إذَا قَامَتْ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا" صححه الألباني
"فَسِيلَةٌ" أي نخلة صغيرة. " فإن استطاع أن لا يقوم"من محله أي الذي هو جالس فيه. " حتى يغرسها فليغرسها" مبالغة في الحث على فعل الخير كغرس الأشجار فكما غرس لك غيرك فانتفعت به فاغرس لمن يجيء بعدك لينتفع وإن لم يبق من الدنيا إلا القليل.
وحكي أن كسرى خرج يوماً يتصيد فوجد شيخاً كبيراً يغرس شجر الزيتون فوقف عليه وقال له: يا هذا أنت شيخ هرم والزيتون لا يثمر إلا بعد ثلاثين سنة فلم تغرسه؟ فقال: أيها الملك زرع لنا من قبلنا فأكلنا فنحن نزرع لمن بعدنا فيأكل. فقال له كسرى: زه وكانت عادة ملوك الفرس إذا قال الملك منهم هذه اللفظة أعطى ألف دينار فأعطاها الرجل. فقال له: أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في نحو ثلاثين سنة وهذه الزيتونة قد أثمرت في وقت غراسها. فقال كسرى: زه فأعطى ألف دينار. فقال له أيها الملك شجر الزيتون لا يثمر إلا في العام مرة وهذه قد أثمرت في وقت واحد مرتين. فقال له زه فأعطى ألف دينار أخرى. وساق جواده مسرعاً وقال: إن أطلنا الوقوف عنده نفد ما في خزائننا .
طريقنا إلى الإيجابية
وهناك الكثير من العوامل التي تساعد على تنمية " الإيجابية"، وروح المبادرة داخل النفوس، والتي تساهم بصورة كبيرة في خلق شخصية إيجابية مِقْدَامَة، وهذه العوامل كالتالي:
1- الوعي والمعرفة: فالمتابعة الدائمة للمجالات المختلفة تساعد الفرد على استكشاف أبعاد كثيرة من الممكن أن تكون غائبة عنه، فيساعده هذا الوعي على استكشاف فرص جديدة، ومنافذ تكون في كثير من الأحيان مبهمةً له؛ مما يساعده على اقتحامها.
2 - الثقة بالنفس: الكثير منا يُضَيِّع على نفسه فرصًا للانطلاق وفعل الخير؛ سواء كان هذا الخير لنفسه أو للغير؛ نتيجة لتشككهم في قدراتهم وتقليلاً من شأنهم الإيجابي عكس ذلك، فثقته بنفسه تدفعه دائمًا لاقتحام العوائق، وتخطي الصِّعاب.
3 - القابلية للاقتحام والمغامرة: دون اندفاع وتهوّر، مع تقدير الأمور بمقاديرها، وهذه الرغبة في الاقتحام والمغامرة تدفع الفرد إلى اكتشاف آفاق جديدة للحياة، وتساهم في إنماء حصيلةِ الفرد من الحلول، فلا يقف عند عائق متعثرًا ساخطًا؛ ولكنه يمتلك حلولاً بديلةً؛ نتيجة لاحتكاكه المستمر، وخوضِه الكثير من المغامرات التي أثقلت التجربة لديه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.