تحت عنوان "دولة الارتباك والفوضى" نشرت مجلة "فورين بوليسى" الأمريكية مقالاً ل" افرايم سنيه"، الجنرال المتقاعد فى الجيش الإسرائيلي، والذى شغل منصب نائب وزير الدفاع. وهو حاليا رئيس مركز "دانيال ابراهام" للحوار الاستراتيجي في كلية نتانيا الأكاديمية، حول الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها، وتساءل الكاتب قائلا:"لماذا يمثل إعلان الرئيس الفلسطينى "محمود عباس" قيام الدولة الفلسطينية فى الاممالمتحدة أمرا مهما وخطيرا، بالنسبة لإسرائيل والولاياتالمتحدة الامريكية؟. وقالت المجلة إن الحرب بين اسرائيل وحماس أعادت الاهتمام الدولي بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني وزادت من المخاطر المحيطة بالرئيس الامريكي "باراك أوباما" فى تعامله مع محاولة الفلسطينيين الاعتراف في الأممالمتحدة بدولة فلسطينية غير عضو، حيث ينوى رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" التقدم بهذا الطلب اليوم "الخميس" التاسع والعشرين من نوفمبر الذى يناسب الذكرى 65 لقرار الأممالمتحدة بتقسيم أراضي فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية. مكانة أمريكا فى العالم العربى فالأمر لا يقتصر على الرئيس الأمريكي أن يقرر كيفية الرد، بل إن الأمر أيضًا يتعلق بالكونجرس الأمريكي وقادة إسرائيل، الذين سيواجهون الناخبين في 22 يناير المقبل، وأشارت المجلة إلى أن كيفية تفاعل كل من هذه الأطراف مع هذا الحدث، ستكون له تداعيات بالغة الأهمية لمكانة الولاياتالمتحدة في العالم العربي، وأمن إسرائيل (وعلى وجه التحديد ما إذا كان "عباس" أو حماس ستسيطر على الضفة الغربية)، وجدوى حل الدولتين، وأضافت أنه عشية تصويت الأممالمتحدة على الطلب الفلسطينى، تعارض إسرائيل والولاياتالمتحدة على حد سواء بقوة حملة إقامة دولة للفلسطينيين. وإضافة إلى هذه العوامل فإن الرئيس "عباس" صرح للتليفزيون الاسرائيلي في وقت سابق من هذا الشهر قائلا: "اننا لن نعود للإرهاب والعنف"، وأضاف: "سوف نعمل فقط من خلال الدبلوماسية ومن خلال وسائل سلمية"، ثم قدم "عباس" تنازلا مفاجئا فى قضية اللاجئين التي تعاني منها طويلا محادثات السلام الاسرائيلية الفلسطينية، مشيرا إلى "أنه في حين كان لاجئا من "صفد"، إلا أنه يرغب في زيارتها، ولكن لن يعيش هناك"، وقال: "إن فلسطين بالنسبة لي هى حدود ما قبل 1967 مع القدسالشرقية كعاصمة"، وأوضح أن الضفة الغربية وقطاع غزة هي فلسطين، وكل شيء آخر هو لإسرائيل". وقبل أيام فقط من هذه المقابلة، في رام الله، أكد "عباس" لمجموعة صغيرة من جنرالات إسرائيل السابقين، وأنا من بينهم (كاتب المقال )، أنه سيطلب من رئيس الوزراء الاسرائيلي استئناف مفاوضات السلام المباشرة، مباشرة بعد اعتراف الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية. لابد من حل الدولتين
لذلك ماذا ينبغي على "أوباما" أن يفعل؟ ... الحقيقة هي أن محاولة الفلسطينيين الحصول على الأغلبية الكاسحة في الجمعية العامة للأمم المتحدة ستتحقق على أي حال ولا حاجة للذهاب الى مجلس الأمن، حيث تتمتع الولاياتالمتحدة بحق النقض، وقال الكاتب إن المعارضة الأمريكية لهذا التوجه لن تحسن شعبية الولاياتالمتحدة في العالم العربي، ويجب على واشنطن دعم هذا الجهد، ولكن فى حالة دعمها، يجب أن تحصل على التزام واضح من قبل السلطة الفلسطينية بعدم استخدام مركزها الجديد فى الاممالمتحدة لمقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية أو اتخاذ تدابير أخرى مثل المقاطعة الأكاديمية أو التجارية، ومن شأن هذا النهج أن يعيد موقف الولاياتالمتحدة مرة أخرى كقوة، يمكن أن تشجع بقوة حل الدولتين والاصطفاف مع القوى المعتدلة في العالم العربي. ضربة فى كبد اسرائيل وإذا أصر الكونجرس الأمريكي على تهديده بقطع الدعم المالي عن لسلطة الفلسطينية كجزء من سلسلة من الإجراءات العقابية لحملة "عباس" في الأممالمتحدة، فإنه سيكون قد وجه ضربة قوية ليس في قدم اسرائيل ولكن في كبدها، لأن انهيار السلطة الفلسطينية اقتصاديا ووقف قوات الأمن الفلسطيني عملياتها بسبب القيود المفروضة على الميزانية، سيعوق جهود مكافحة الإرهاب في الضفة الغربية التى تعانى بشكل كبير، حيث إن قوات الدفاع الإسرائيلية ستضطر بعد ذلك لزيادة وجودها في الضفة الغربية على حساب مناطق أخرى في المنطقة، وتوليد مزيد من الاحتكاك غير الضروري مع السكان في الإقليم، كما أن التعاون المثمر بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية وعمليات التدريب التى يقوم بها فريق الجنرال الامريكى "كيث دايتون" لتلك القوات سوف تنهار، بعد ان حقق هذا التعاون، وقف شبه تام للنشاط الإرهابي في الضفة الغربية في السنوات الأربع الماضية وهو ما أثار اعجاب امريكا، والى جانب ذلك، سيتم قتل المزيد من الإسرائيليين، ويجب على أصدقاء إسرائيل في الكونجرس أن يدركوا ذلك. عباس أفضل من حماس وعرفات واشارت المجلة الى أنه على مدار20عاما، قاد "عباس" المعسكر الفلسطيني الذي يعارض بشدة الإرهاب ويفضل الاتفاق عبر التفاوض مع اسرائيل كسبيل وحيد لضمان قيام دولة مستقلة، وفعل ذلك بشجاعة، ضد الزعيم الفلسطينى الراحل "ياسر عرفات" وضد معارضة "حماس" الاسلامية المدعومة من ايران ، ولكن أحداث السنوات القليلة الماضية أحبطت سياسة "عباس". نتنياهو سبب فشل السلام فبعد أن اتفق الزعيم الفلسطيني "عباس" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إيهود أولمرت "على مبادئ اتفاق الوضع النهائي - بما في ذلك القضايا الشائكة مثل القدس واللاجئين - اضطر "أولمرت" للاستقالة في مواجهة اتهامات الفساد، تمت تبرئته منه لاحقا، وخلف "بنيامين نتنياهو"، "اولمرت" كرئيس وزراء لاسرائيل، وقام بتجميد التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية لمدة 10 أشهر وقبول مبدأ حل الدولتين، ولكن الشروط التي فرضها لاستئناف المفاوضات كان يستحيل التعامل معها ، ومنها، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وهو ما لم يفرض على أي دولة عربية تفاوضت مع إسرائيل، بما في ذلك مصر والأردن، وسوريا. وسرعان ما اكتسبت جماعات المستوطنين النفوذ في الحزب الحاكم بزعامة "نتنياهو"، وفى الشهر الماضي اندمج حزب "نتنياهو" ( الليكود) مع حزب وزير الخارجية "افيجدور ليبرمان" الذى يدعم جهارا طرد "عباس" من السلطة، والذي، إذا ما نفذ، سيسلم بشكل فعال السيطرة الكاملة على الضفة الغربية لحماس وتبرير الاحتلال إلى الأبد . وقال الكاتب إن حكومة إسرائيل الحالية ليست مهتمة بالتوصل لاتفاق يتضمن التنازل عن الأراضي في الضفة الغربية وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولذلك لم يكن هناك خيار آخر سوى محاولة عباس الحصول على ذلك من الاممالمتحدة . وحتم الكاتب بأن مبادره "عباس " جيدة لإسرائيل وتيحرج هؤلاء الاسرائيليين الذين يفضلون استمرار الاحتلال على وجود دولة يهودية ديمقراطية ذات أغلبية يهودية. ولكن الاممالمتحدة بالاعتراف بفلسطين ستفرض واقع دولة ذات أغلبية عربية ويمكن ان تصبح دولة واحدة تدمر الحلم اليهودى. ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية فى اسرائيل بعد شهرين، فإن الساسة الإسرائيليين، الذين حاولوا طوال السنوات الماضية التغاضى عن هذه الحقيقة، عليهم أن يختاروا " إما حل الدولتين أو الدولة الواحدة . وعلاوة على ذلك، فأن منح الفلسطينيين وضع دولة غير عضو في الأممالمتحدة لا يضر بأمن إسرائيل لأنه لن يغير قبضة اسرائيل العسكرية على الضفة الغربية. واضاف الكاتب أنه من الممكن ان يكون طلب "عباس" اقامة دولة فرصة تاريخية إذا تعاملت معه الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية بحكمة، أو يمكن أن يكون فرصة ضائعة أخرى ، وستكون النتيجة كارثية وعلى كل صاحب مصلحة في هذا الصراع أن يقرر قريبا جدا على أي جانب من التاريخ يقف.