بقلم : المستشار مصطفي محمد أحمد إن كنت متفقاً معنا علي أن ما حدث ثورة فإن الثورة تعني إزاحة نظام وإقامة آخر مكانه، فماذا يُنتظر ممن أُزيح وضاع شرفه ومهدد بالسجن فليس بعاقل منهم من ينتظر في منزله حتي يتم إيداعه في غياهب السجون. إنها ثورة وهم أعداء وأصحاب ثأرات وخصومة وأمل في الهرب من مصيرهم المحتوم من ضياع شرف وحرية. إنها ثورة كما هي الحروب (غالب ومغلوب) فعلي الغالب أن يشد وثاق المغلوب حتي تضع الحرب أوزارها، (لا يستطيع أحد أن يدعي أن الأمور استقرت ووضع الصراع بين السابق والحالي أوزاره). (إن إمساك العصي من النصف وان كان أبغض الحلال أيام الثورة ، فإنه أبغض الحرام الآن) فإمساكها وقت قتل الناس وإيزاءهم وموقعة الجمل وإن كان بغيضا وحيادا سلبيا فإنه الآن بُغض حرام ، فالآن وبعد الثورة لا يصح التوسط وإمساك العصي من النصف فقد اعترفتم جميعا مجلسا عسكريا وحكومة بوجود ثورة مضادة فماذا تنتظرون ؟. أيها الجيش العظيم كونوا [خير أجير] "إن خير من استأجرت القوي الأمين" فالقوة والامانة صفتان اتفق عليهما عقلاء البشر في كل أمة من الأمم وشريعة من الشرائع وكلما كانت المهمة والمسئولية أعظم كان التشدد في تحقيق هاتين الصفتين أكثر وأكبر. تأمل معنا أيها الجيش العظيم هذا التلازم الظاهر بين هاتين الصفتين (القوة والامانة ) في القرآن الكريم. 1-صفة جبريل مبلغ الوحي والرسالات (إنه لقول رسول كريم ذو قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم امين) 2- قول يوسف عليه السلام للملك (اجعلني علي خزائن الأرض إني حفيظ عليم). فلم يقل اني نبي بل اني حفيظ لما اتولاه عليم بكيفية تدبيره. 3- قول عفريت من الجن لسليمان عليه السلام عندما طلب منه أن يأتيه بعرش بلقيس ملكة سبأ (أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي آمين). أيها الجيش العظيم إن إجتماع (القوة والأمانة) في الناس قليل ولسوف يظل النمط الذي يجمع بين (القوة والأمانة) نادرا في بني الانسان وكلما اقترب من الكمال شخص صار وجوده أكثر ندرة، والقوي الذي لا يؤتمن، والموثوق العاجز هما اكثر الناس. إن هذه الندرة في القوة والامانة جعلت عمر بن الخطاب يردد مرارا (اللهم أشكو إليك قوة الخائن وضعف الأمين). إن ثنائية القوة والامانة هي »اكسير النجاح« فكن [خير أجير] أيها الجيش العظيم وكن [قويا امينا]. لم تكن العقوبة يوما أمرا مستحدثا في حياة الانسان او حالة طارئة فيه إنما العقوبة من الامور التي رافقت الانسان منذ النشأة الاولي، فيمكن القول ان العقوبة مما عجنت به فطرة الانسان لحفظ نوعه وحمايته كما أشار القرآن (ولكم في القصاص حياة) فمع وجود الانسان علي الارض تكونت لديه فكرة واضحة عن مبدأين أساسيين في الحياة مازالا يحكمان حتي قيام الساعة وهما العمل الحسن يقابله العمل الحسن (الثواب) والعمل السيء يقابله العمل السيء (العقاب) والغرض من العقاب ليس هو التنكيل وانما هو ردع وانذار للافراد من مغبة ارتكاب الجريمة وردع مرتكبها بما يتركه من ألم يحول بينه وبين العودة للإجرام ثانية. الجيش العظيم بالله عليكم كيف نتقي شر اركان النظام السابق ولا تضيع البلاد والعباد (ان لم تشدوا وثاقهم) حتي تهدأ الامور وكذلك تتم محاسبتهم عما أجرموا فكيف للناس وللبلاد من امان وهم يعيثون في الارض فسادا يتلاقون ويتحركون ويتصلون ويخططون ويدبرون بليل، وما أمر المطالبات الفئوية وحوادث السرقات والاعتداءات علي المال العام والخاص والأفراد وتأجيج النزعات الدينية وهدم الكنائس ليس ببعيد. الكل خائف علي نفسه وأولاده وعرضه وماله فالذهاب الي المدرسة غير امن والبقاء في البيوت غير آمن والسير في الطرقات غير امن والسفر غير امن والخوف علي الثورة قائم فهلا خرج لنا احد ليطمئن الناس علي ما تم بشأن ما تردد من مسئولية النظام عن تفجير كنيسة القديسين وتفجيرات سيناء وهدم كنيسة اطفيح وقطع اذن مواطن وغزوة الصناديق وعوث اركان النظام في الارض فسادا وذهابهم الي اعمالهم السابقة وتلاقيهم في الاماكن العامة جهاراً نهاراً؟. أيها الجيش العظيم ان التفويض الممنوح لكم من الشعب هو ضبط الامن ومحاسبة الفاسدين . ان امساك العصي من النصف اليوم لن يغفر التاريخ فيها لأحد يوم تضيع البلاد ان ترك اركان النظام السابق الآن ترف لا قبل للوطن به أيها الجيش العظيم إنني أنشدكم الله ان تمدوا أيديكم ليد الشعب ونرفع معاً لافتة القانون ونضعها (علي رءوسنا جيمعاً) فيكون الكل أسفل القانون وليس فوقه احد كما كان سابقا [ولنأتي بمن كان فوق القانون ونضعه اسفله لتكونوا خير أجير]. إن تجميد أموال الرئيس السابق ومنعه من السفر مثل الماء الدافئ وبرامج التوك شو سابقا التي اعدت لتريح لا لتشفي. [إن الماضي قد يعود اذا استمر إمساك العصي من النصف]. ان محاسبة الماضي ليست للانتقام وانما لتأمين الحاضر والمستقبل . اجعلوا التحقيق مع الماضي (يطال الجميع اكرر الجميع وبدون إذن لكل حالة علي حدة) اطلقوا جهات التحقيق من عقالها حتي يطمئن الناس الي ان القانون (اضحي فوق الجميع). أيها الجيش العظيم رصيدكم وشرعيتكم التي حصلتم عليها من انحيازكم الي شعبكم (أخشي ان تتآكل) اذا لم تسارعوا بمحاسبة كل من أساء ويسيء الي هذا الوطن. بعض ظني- وهو الاثم منه - يقول لي : ان وراء الاكنة ما وراءها. *نائب رئيس محكمة النقض