هل يمكن للخوف أن يعود فيعشش فى أرجاء البيوت فينفض السمر وتغلق المقاهى، ويسكت الشباب عن الكلام المباح ويلجم الرأى الحر فى أروقة الأحزاب، أن يبتلع الناشطون السنتهم بدلا من قطعها بحد السيف وتسكت الأيدى عن الإمساك بالأقلام الحرة خوفا من بترها؟ هل ستعود مصر إلى عهد التجسس والتنصت، وتسجيل الحوارات ومراقبة ما يحدث فى الزوايا والأركان، تعود لعهد صلاح نصر رئيس المخابرات فى زمن ما بعد ثورة 23 يوليو، لنردد معا تلك الأبيات اليائسة للشاعر الراحل نزار القبانى: يا ربي.. إن الأفق رمادي.. وأنا أشتاق لقطرة نور.. إن كنت تريد مساعدتى يا ربي.. فاجعلنى عصفور. لا أتحدث هنا عن غضب الثوار فى التحرير أو أرجاء المحافظات، اعتراضا على الإعلان الدستورى وما ورد به من معانى التأليه أو التكريس لحكم الفرد، حكم الرجل الواحد، فالإعلان الدستورى سيتم التعامل معه بالقضاء والقانون، وبارادة الشعب الذى خرج من قمقم القهر والطغيان ولن يعود، لكنى أتحدث هنا عما كان بين السطور، سطور خطاب قصر الاتحادية الذى ألقى به الرئيس أثناء إعلانه الدستورى وحوله جمع الإخوان. قال رئيسنا ما معناه وبوضوح لا لبس فيه: إنه يعرف كل ما يدور فى مصر هنا وهناك، ويعرف الكلام الجارى والهمس المتوارى، ولا تخفى عليه خافية «استغفر الله من له وحده علم الغيب وما خفى» وأنه يعرف بحديث هؤلاء الخمسة وهم يتباحثون ماذا سيفعلون، ولا أعرف أنا أو باقى الشعب من هم هؤلاء الخمسة الذين قصدهم، والذين توعدهم الرئيس أنه لن يتركهم، وأنه سيتعامل معهم ومع غيرهم، كل هذه الكلمات وغيرها التى وردت فى خطاب الرئيس، من تهديد ووعيد وعيون مطلقة ترصد ما وراء الستار والظلام، ليس لها إلا معنى واحد لا يقبل التأويل أو البدائل، وهو أن للرئيس عيوناً تراقب وتتنصت، تكليفا أو طوعا، على المجالس والأحزاب، على النشطاء وعلى كل من يدير حواراً ولو كان فى عقر حزبه أو داره، وهو مضمون خطير للغاية، لم يتنبه له الكثيرون لانشغالنا جميعا بكارثة الاعلان الدستورى وتغييب القضاء ولا أقول إقصاءه. ما قاله السيد الرئيس سابقة فريدة، لم يسبق أن قاله أى رئيس سابق بمصر أو كل العالم، ولا حتى عبد الناصر نفسه، الذى زرع جهاز مخابراته أجهزة التنصت والمراقبة فى كل مكان حتى فى غرف النوم، وجند نصف الشعب بالإرهاب والتهديد ليتجسس على النصف الآخر ويقدم حولهم التقارير لأجهزة الأمن، نعم لم يسبق أن هدد أحد الشعب المصرى بأنه مراقب وتحت الأنظار، وأن كل خواطرنا وخلجاتنا مكشوفة ومعروفة، فمن هذا الذى يراقبنا أو كلف بمراقبتنا، هل هو جهاز الأمن القومى البديل لجهاز أمن الدولة، أم رجال الإخوان وقد تم زرعهم فى كل مكان متجاهلين أمر الله سبحانه وتعالى «ولا تجسسوا»، أم أنهم يعتبرون الشعب أعداء لذا يجوز التجسس عليهم، من منطلق «من اضطر غير باغ» فالكل مقال ومقام لديهم تأويل وتفسير يتناسب مع معطيات الموقف ومتطلبات المرحلة. جل ما أخشاه أن تعود مصر إلى عهد الدولة البوليسية، أو يطبق بها ما يعرف بمحاكم التفتيش، وأننى أطالب كمواطنة بسيطة من سيادة الرئيس أن يفسر لى وللشعب معنى كلماته، وكيف تصل إليه المعلومات كبيرها وصغيرها عن «دولهم» و«دوكهم»، ومن هم الخمسة، ومن هم الذين يتآمرون على مصر، وبما يتآمرون، وإذا كان هذا كذلك، لماذا لا تتم محاسبتهم بالقانون، بدلا من رفع عصا التهديد والتلويح لتطول كل فصائل الشعب بهدف إرهابه وتخويفه من العيون الخفية. وبمناسبة التجسس والتنصت، لم تعلق الرئاسة من قريب أو بعيد سواء بالنفى أو التأكيد على الخبر الذى تناقلته معظم وسائل الإعلام يوم الجمعة الماضى نقلا عن ترجمة حرفية لخبر ورد بصحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية، يقول الخبر: إن الرئيس المصرى محمد مرسى وافق على تركيب «أجهزة تنصت ومتابعة إلكترونية «جساسات» على طول الحدود المصرية-الإسرائيلية، وهو الطلب الذى رفضه دوما الرئيس السابق مبارك، حيث يعتبر تركيب هذه الأجهزة انتقاصا من سيادة مصر على مناطقها الحدودية، وذلك وفقا للصحيفة نفسها، وقد وافق مرسى على تركيب أجهزة التنصت استجابة لإسرائيل مقابل إتمام هدنة إطلاق النيران بين إسرائيل وحركة حماس فى غزة، والإسرائيليون انفسهم لم يكن لديهم توقعات بأن مرسى يمكن أن يوافق، فهذه الجساسات ستخدم بالطبع إسرائيل بكل قوة فى المقام الأول وستنقل كل التحركات التى ستحدث على الحدود، وما بعد الحدود بعدة كيلو مترات وصولا إلى سيناء لترصد كل ما يحدث بها وليس متابعة الحركة الحدودية بين مصر وغزة فقط، وأنا أسال مرة أخرى، ما قصة المجسات، وماذا وراء قصة التجسس علينا فى الداخل، ومعاونة إسرائيل للتجسس علينا فى الخارج...؟