فجأة في عز نومها.. هبت زوجتي صارخة من آلام لا تطاق في ظهرها.. عرضتها علي أكبر وأهم أطباء العظام، نظرًا لعلاقتي الشخصية القوية بهم.. فهم الذين نلجأ إليهم لعلاج نجوم الكرة.. وكان تشخيص اثنين من الأساتذة الكبار إنه مجرد »انزلاق غضروفي«.. ورغم العلاج لمدة ثلاثة أو أربعة أيام إلا أن الألم في تزايد.. ومن غرائب الطب عندنا أن الطبيب الشاب الذي يباشر العلاج اليومي قرر عمل أشعة معينة.. فإذا بالمفاجأة الكبري.. المرض الخبيث منتشر في الفقرتين المريضتين.. هرولت إلي صديق العمر الدكتور الأستاذ شريف عمر الذي قرر أنه لابد من سفر زوجتي إلي فرنسا لعلاجها في مستشفي محدد هو »جوستاف رويسيه« عند طبيب معين متخصص.. وكتب مذكرة في هذا الشأن لأن السفر عادة يجب أن يكون عن طريق قرار كتابي من »أستاذ بكرسي« في إحدي كليات الطب.. وكتب الدكتور شريف عمر ما معناه ضرورة السفر اليوم بل هذه الساعة لأن المرض في منطقة حساسة. هرولت إلي الصديق الدكتور زكريا عزمي في مكتبة بقصر عابدين الذي طلب مني أن أكتب التماسا لسيادة الرئيس السابق ونرفق 20 صورة من مذكرة الدكتور شريف عمر.. وقرر مشكورًا أن يعرضها علي سيادة الرئيس في مساء نفس اليوم.. وكنت في انتظاره بالمنزل في نفس اليوم بعد أن دب الرعب في قلوبنا بعد كلام الدكتور شريف عمر الذي كتب نفس الكلام في تقريره لسرعة السفر. وفي ساعة متأخرة من الليل اتصل بي مشكورا الأخ زكريا عزمي يخطرني برد سيادة الرئيس السابق المخلوع.. كان رده كتابة وشفاهة.. كتابه بالرفض وشفاهة للدكتور زكريا عزمي قائلا: ما يعرضها يا أخي علي القومسيون الطبي!! رد يدل علي أنه لم يقرأ أساسا الخطاب الذي أرسلت له قلت له فيه إن هذا أول طلب لي وسيكون آخر طلب.. كنت في حالة نفسية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالي.. كانت زوجتي تعاني من آلام لا تحتمل، من الصعب إيقافها لحساسية مكانها حيث النخاع الشوكي الحساس جدًا.. كنا في حالة يرثي لها نحن في النادي الكبير اخوة أكثر منا أصدقاء.. لذا نصحني الجميع بأن أصطحب سيادة الفريق أول عبدالمحسن مرتجي - رغم أنه كان قد ترك رئاسة النادي - أصطحب سيادته إلي رئيس الوزراء وكان أيامها كمال الدين حسن علي قائد المدفعية في حرب أكتوبر.. فاتصلت في هذه الساعة المتأخرة بالفريق مرتجي صاحب الأفضال الكثيرة علي شخصي وأسرتي - اتصلت به رغم نومه مبكرا وشرحت له الموضوع، فطلب مني أن أمر عليه في التاسعة صباحا لنذهب سويا إلي مجلس الوزراء. كان مدير مكتب رئيس الوزراء سفيرًا اسمه سيف اليزل خليفة.. طلب منه الفريق مرتجي أن يقابل رئيس الوزراء لمدة خمس دقائق لا أكثر.. فكان رده بأن الرئيس مجتمع الآن بوزيرين.. فطلب منه الفريق مرتجي أن يعطيه خبرا.. مجرد إخطاره بأنه ينتظره هنا.. وما إن خرج مدير المكتب من الباب الأخضر حتي وجدنا في ظهره مباشرة رئيس الوزراء. تقدم كمال حسن علي نحو سيادة الفريق مرتجي وإذا بالحجرة كلها تهتز.. قدم رئيس الوزراء التحية العسكرية بعنف وجدية ضاربا قدميه ببعضهما رافعا يده عند وجهه قائلا بأعلي صوته: »أفندم«!! احتضنهس الفريق مرتجي وهو يضحك.. ويقول له: وأنت الآن رئيس وزراء وجئت لك في رجاء«.. ورئيس الوزراء يقول بأعلي صوته وهو يحييه التحية العسكرية مرة أخري »كلنا تحت أمرك يا أفندم«.. اتضح أن رئيس الوزراء هو »العقيد كمال حسن علي مدير مكتب الفريق عبدالمحسن كامل مرتجي قائد القوات البرية سنوات طويلة«. هل رأيت الوفاء؟؟.. هل رأيت الأخلاق؟؟.. هل رأيت أولاد الأصول؟؟. المهم.. »جلس رئيس الوزراء معنا ليعرف الموضوع فطلب مني بخفة دمه المشهور بها: اقطع تذكرتين لك ولزوجتك إلي باريس اليوم.. نعم اليوم.. وأخطر سيف اليزل برقم الرحلة واسم الشركة وموعد وصولها ليخطر السفير في أي وقت في المساء لينتظروك في المطار.. لأن إجراءات استخراج قرار يستغرق بأقصي سرعة لا أقل من ثلاثة أيام. ثم ليخفف من التوتر الذي أعانيه قال مداعبًا وهو يضع ذراعه علي كتفي: »ممكن أسلفك ثمن التذكرتين بوصل أمانة«!! لنضحك جميعا!! مكالمة السفير سيف اليزل مدير مكتب رئيس الوزراء للسفير أحمد سمير صفوت بباريس كانت كفيلة بأن تضع كل امكانيات السفارة تحت تصرفنا طوال فترة الاقامة عامًا ونصف العام.. سيارة السفارة كانت معي من الصباح حتي المساء كل يوم!! وشكرا للرئيس السابق المخلوع.. لولا كرهه لي بلا أي سبب ما كان هذا سيحدث .. وإلي اللقاء غدا بإذن الله تعالي مع حكاية تذكرتها الآن الخاصة بأول عيد رياضة.. ولماذا ألغاه الرئيس المخلوع في آخر لحظة؟!