الحصة الأولى فى الجنة

قررنا نحن، أروى، وسندس، وريم، وأدهم، وأحمد، وباقي أصحابنا، فنحن كثير، ربما خمسين، قررنا وبدون سابق إنذار، ولا عبرة لمزلقان، ولا سلطان، أن نتلقي حصتنا الأولى اليوم فى الجنة، ففى الجنة ذلك أفضل، كل شىء هنا أفضل.
نعم هى حصة استثنائية، فنحن عصافير الجنة، قررنا مغادرة دنياكم، ففى الجنة ذلك أسعد.
فى الجنة ذلك أفضل، فنحن سئمنا إهمالكم، كرهنا إنكاركم لحقنا فى حياة أرغد، نحن الأفقر فى الملبس والمسكن والمأكل، فى الجنة ذلك أفضل.
فى الجنة ذلك أفضل، ففى الجنة دوائى وشفائي، فما كنت أجد لديكم أدويتى، تبكون فرم عظامى، وما كنت أجد منكم كوب حليب لها، علام تبكون إذاً؟!
فى الجنة ذلك أفضل، هنا لا حرمان، ولا زحام، هنا لى مقعد، هنا لى مكان، هنا أجد الأمان، والسلام.
فى الجنة ذلك أفضل، فقد كنت فى دنياكم أتعذب، من قلة حيلة أبي، أتعذب، من تدبير أمى الخرافي حتى توفر لى لقمة افطار فى كيس صغير، أتعذب، من تبادلى ملابس إخوتى القديمة، أتعذب، من ملابسي الداخلية المهترئة، من أكمام قميصي التى تقلبها أمى على وجهها الأقل اهتراءً، اتعذب، من برد، من حر، اتعذب.
أنا "الشاطر"، أنا "الحافظ" قد أصبحت اليوم فى دنياكم "المشطور"، لذا هنا فى الجنة، هنا، ذلك أفضل، هنا سأتلو آيات الكوثر، ومن يدى نبيي أشرب.
فى الجنة ذلك أفضل، فما عدت أسمع أصواتكم المتصارعة الجوفاء بلا عمل، من المخطئ، صاحب المزلقان، أم الوزير، أم الغفير، أم الرئيس، سأريحكم، إنها " القضبان"، سارت عليها مع العجلات، أشلائي، تبا للقضبان.
فى الجنة ذلك أفضل، وأشلاء عظامى الغضة، الصغيرة، التى تبكون فرمها تحت القطار البائس المسكين، تدهسون أنتم أمثالها، أضعافا مضاعفة، عظاماً للوطن الكبير القديم، فعلى اشلائي تبكون كالتماسيح، تستقطبون باسمها أهل وطنى وما فوضتكم، وتقسمون إخوتى الأحياء كى يغدو مثلى أموات.
فى الجنة ذلك أفضل، وكم أود أن تجهزوا قطارًا لدهس منظومة فساد بلادى، فقد تأخرتم كثيرًا حتى دهسنى قطار منظومتكم الخربة العتيقة، ألم يكفيكم أن يشهدها، ويعانيها، جدى وأبي وعمى وخالى، ألم تكفيكم هذه الأجيال، أم تريدون دهس أجيال أخرى بعدى؟!
فى الجنة ذلك أفضل، يا أماه، ويا أبواه، فى الجنة ذلك أفضل، لا تحملا من بعد هم المأكل والمشرب والمسكن والملبس والعلاج والتعليم، لا تحملا هم العيش، هم المستقبل، سأرتل هنا آياتى، وسأنعم هنا بحياتى، سأنتظركم هنا، فكفكفوا الدموع، ويا قلب أمى، صدقنى، فى الجنة ذلك أفضل، فى الجنة ذلك أفضل.