مازال الحزن يخيم على منزل أسرة شهيد مصر و«الوفد» محمد السيد محمد عبدالفتاح الذى استشهد بعد إلقاء 3 قنابل غاز عليه أثناء قيامه بدوره فى المستشفى الميدانى بالتحرير لإسعافه الجرحى والمصابين إثر أحداث الاشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين العام الماضى فى أحداث «محمد محمود». خرج الشهيد محمد البالغ من العمر 32 سنة عضو لجنة شباب «الوفد» بحلوان العام الماضى متوجها فى الصباح إلى عمله بأحد المقاهى بالمعادي، ولم يعد كعادته مرة أخرى إلى منزله بعد سقوطه أول شهيد بقنابل الغاز التى كانت تلقى على المتظاهرين لتفريقهم. لم يستدل على هوية الشهيد محمد فور سقوطه جثة هامدة وأصبح مجهولا حاله حال عدد كبير من أقرانه الذين سقطوا داخل الميدان وقتها، فتطوع أحد الحاضرين بتصويره ونشر صورته على موقع التواصل الاجتماعى «الفيس بوك» طلب ممن يتعرف عليه الاتصال بالرقم المكتوب، وبالفعل شاهد الصورة أحد زبائنه فى المقهى ولكنه لم يتأكد منها جيدا وقام بالاتصال بالحاج سعيد شقيق الشهيد وأبلغه بأنه شاهد على أحد المواقع صورة تشبه شقيقه محمد تؤكد سقوطه شهيدا ضمن أحداث شارع «محمد محمود» وأن عليه الاتصال بالرقم المذكور على الموقع للتعرف عليه. فقام الحاج سعيد بالاتصال بالرقم وأبلغوه أن جثمان الشهيد متواجد داخل مشرحة زينهم فانتقل «سعيد» هو وابن خاله «أسامة» للتعرف عليه داخل المشرحة، وبالطبع وجد جثته ضمن الضحايا بعد أن فقد عقله لحظات من شدة الصدمة على فراق أصغر أشقائه وكيف سيبلغ الخبر لوالدته وكيف سيكون حال زوجته وابنه «أدهم» الذى لم يتعد ال 7 سنوات وابنته «ملك» التى لم تبلغ العام. لم تكف حال أسرته عن البكاء حتى الآن وبعد عام ومازلت تطالب بالقصاص من الجانى الذى لم يعرف بعد. كانت أولى كلمات زوجة الشهيد «بتنا اتخرب» فى حديثها سيطر على وجهها الحزن والأسى والدموع على فراقه وخوف من المستقبل الذى ينتظرها وينتظر ابنى الشهيد «أدهم» و«ملك» اللذين لا يزالان فى عمر الزهور ولم يفرح بهما، وأثر فيها أنهما لن يتذكرونه حينما يكبران. قالت زوجة الشهيد ل «الوفد» العام الماضي: «أنا آخر واحدة شفته قبل ما ينزل وكانت نظراته لىَّ ولأولاده نظرات وداع»، تعجبت من نظراته التى لم أرها من قبل وزاد قلقى عليه بعدما أخذ يقبل ابنته «ملك» عدة مرات وكلما خرج من الباب عاد مرة أخرى ليقبلها وفعل نفس الشىء مع «أدهم» وهو نائم وأوصانى على الأولاد وعلى نفسى وعلى والدته التى لا تفارق الفراش. صمتت الزوجة قليلاً وهى تبكي..ثم تابعت الحديث قائلة: «أنا وولاده وأمه منعرفش نعمل حاجة من غيره.. منعرفش نعيش من غيره.. هو اللى كان مسئول عننا.. أمه متعرفش تاخد الدواء من غيره هو اللى يعرف مواعيده وكان بيتصل بيها من الشغل يفكرها.. إحنا كده هنموت وراه كلنا..منهم لله اللى موتوه منهم لله.. حسبى الله ونعم الوكيل». وطالبت الزوجة منذ عام المسئولين بضرورة سرعة التحقيق ومعرفة الجانى عن سقوط الشهداء فى أحداث «محمد محمود»، وشددت على إصرارها على ملاحقته قضائياً إلى أن يتم إعدامه وأكدت مطالبتها بالقصاص منه مهما بلغت درجة سلطته وأكدت أن هذا الإجراء ليس فقط حقها بل هو للحفاظ على حق ابنائها الذين فقدوا والدهم دون سابق إنذار ودون وجه حق.. ثم واصلت البكاء قائلة: «هو مش حرام مصر تاكل ولادها.. أنا بقيت خايفة على ولادى يتعمل فيهم كده!!». وقالت والدة الشهيد: «ابنى كان مؤدب وكان مشهود له بكده من كل الناس.. الجيران كلهم زعلوا عليه وعلى أدبه وعلى شبابه اللى راح.. ابنى راح وساب ولاده صغيرين ملحقش يفرح.. البلد أخدته من ولاده». وروت والدته آخر حديث دار معه يوم الحادث آنذاك ظهرا فى مكالمة تليفونية من مقر عمله كان يطمئن عليها وعلى صحتها وشدد عليها أن تأخذ دواءها فى موعده، وتذكرت أنها كانت أطول مكالمة تدور بينهما وطلب منها أن تعتاد على أخذ الدواء كل يوم دون أن يذكرها كالعادة قائلا: «هتعملى إيه من غيرى يا ماما لو جرالى حاجة.. ومين هياخد باله من العيال ما أنت الخير والبركة يا حاجة»، وتابعت حديثها مؤكدة أنه لم يخطر ببالها أن يحدث له مكروه وأخذت حديثه كمزاح منه ليطمئنها على صحتها وأن مازال أمامها عمر لتربى له أولاده ولم يكن فى بالها أنه حديث الوداع. وقال «أسامة عبد الخالق» ابن خال الشهيد أمين صندوق لجنة الوفد بحلوان: «محمد الله يرحمه كان فرحان بالثورة وشارك فيها من أولها وكان أمله أنه يقدر يشارك فى التغيير، ودوره فى الثورة لم يقتصر فقط على التظاهر، بل كان يشارك فى مساعدة الأطباء داخل المستشفى الميدانى وإسعاف المصابين وامداد الثوار بأى مساعدات يستطيع تقديمها». وأضاف أسامة أن محمد كان دائم الثورة على الفساد على الرغم من عدم مشاركته فى أى تظاهرات أو احتجاجات قبل 25 يناير، لكنه كان دائما يحاول حتى لو لم يصل إلى شىء وبدا ذلك واضحا فى النشاطات الشبابية التى قام بها داخل لجنة حزب الوفد بحلوان، فشارك بالكتابة والإعداد فى مجلة الحائط التى تشرف عليها اللجنة وناقش عدة قضايا ومواضيع سياسية معنية بأوضاع الفساد التى خيمت على سماء الوطن قبل الثورة. وقال حسن شقيقه: إنه كان مشاركا فى ثورة 25 يناير منذ أول يوم على الرغم من تحذيرى له بعدم المشاركة خوفا على حياته وعلى والدته التى تعشقه، لكنه كان يصر على الذهاب كل يوم بعد الانتهاء من عمله، لم يضره مكروه من أول أيام الثورة وحتى آخرها على الرغم من مرور سقوط آلاف الشهداء وقتها، ويشاء أن يسقط شهيدا الآن بعد أن تجددت الثورة مرة أخرى. وتابع آخر كلماته قائلا: «لطفك يا رب لطفك بأمى وولادى.. لا حول ولا قوة إلا بالله».