«أبو البنات» يستغل كورونا ويستعين بطبيب ليمزق جسد بناته الثلاث.. والنائب العام يحيلهما للمحاكمة الجنائية مطالبات بتشديد عقوبة جريمة الختان.. وخط نجدة الطفل يستقبل الاستغاثات على مدار 24 ساعة يومياً دراسات: الختان ليس إسلامياً ولا مسيحياً ولا فرعونياً ولكنه عادة إفريقية علماء دين: الإسلام يحرم «بتر جزء من جسد الأنثى» خبراء الاجتماع : العفة والشرف والإسراع من بلوغ البنات.. أوهام وراء استمرار الأزمة المجلس القومى للمرأة: 61% من الإناث فى المرحلة العمرية من 15 إلى 17 عاماً تعرضن للعملية رغم تأكيد علماء الدين أن ختان الإناث ليس فرضا دينيا، وتأكيد الأطباء أنه خطر على الصحة النفسية والصحة العامة للمختتنات، وتأكيد خبراء الاجتماع أن عفة البنات لا علاقة لها بالختان، وأن «الأمان مش فى الختان».. ورغم أن منظمات المرأة فى مصر أعلنت الحرب على الختان منذ 13 عاما واختارت منذ عام 2007 يوم 14 يونيو من كل عام يوما وطنيا لمناهضة الختان.. رغم كل ذلك لا يزال هناك من يصر على تمزيق جسد بناته بختانهن. ومن الصدف العجيبة أن يشهد يونيو الجارى، واقعة بالغة القسوة فى مركز جهينة بمحافظة سوهاج ضحاياها 3 صغيرات أعمارهن ما بين 8 و11 عاما، وثلاثتهن خدعهن والدهن مدعيا أنه سيجلب لهن طبيا لتطعيمهن ضد كورونا.. وببراءة طلبت الصغيرات الثلاث من الأب أن يسرع باستدعاء الطبيب الذى سيحميهن من أنياب كورونا التى تهدد الجميع. وجاء الطبيب، لتتم أركان الجريمة ويجرى للصغيرات الثلاث عملية ختان، وسط تشجيع من الأب، ولما علمت أم البنات (المنفصلة عن زوجها) بالواقعة استغاثت بخط نجدة الطفل 16000 التابع للمجلس القومى للمرأة وعلى الفور تم تحرير بلاغ بالواقعة، وأحيل البلاغ لمكتب حماية الطفل بمكتب النائب العام الذى أجرى تحقيقا قضائيا فى الواقعة وبعدها قرر النائب العام المستشار حمادة الصاوى إحالة الأب والطبيب إلى المحاكمة الجنائية. هذه الواقعة أثارت من جديد منظمات حماية الطفل الذين طالبوا بتشديد عقوبة ختان الإناث، وهى الجريمة التى شدد قانون الطفل الصادر رقم 12 لسنة 1996، المعدل بالقانون 126 لسنة 2008، على تجريمها باعتبار الختان «جنحة» يعاقب مرتكبها بالحبس لمدة تصل إلى 3 سنوات، إلا أن الظاهرة استمرت ولم تتوقف، فعاد البرلمان ليصدر قانونا آخر فى سبتمبر 2016 ينص على تشديد عقوبة الختان لتتحول من «جنحة» ل«جناية»، وتصل مدة السجن فيها إلى 7 سنوات، قد تصل إلى 15 سنة فى حالة التسبب فى عاهة مستديمة أو وفاة، أما من يصطحب أنثى لختانها فقد يتعرض للسجن ما بين سنة و3 سنوات. ولا توجد إحصاءات حديثة حول مدى انتشار ختان الإناث فى مصر، لكن كشفت إحصائية عن المجلس القومى للسكان عام 2017، أن 61% من الإناث فى المرحلة العمرية من 15 إلى 17 عاما تعرضن لعملية ختان، فى المقابل ووفق آخر إحصائية نشرتها اليونيسف فى العام 2015 «بلغت نسبة الفتيات والنساء اللاتى أجريت لهن عمليات ختان بين أعمار 15 و49 عاما فى مصر 87%». وبناء على هذه المعطيات قالت يونيسف إن «هذه النتيجة الإيجابية لم تعم بالسواء على كل المناطق الجغرافية. فقد شهدت منطقة الدلتا أكبر نسبة انخفاض فى معدلات الختان، تليها المحافظات الحضرية». «أما الصعيد فقد شهد أقل التغيير، فما زالت 68% من الفتيات فى الصعيد معرضات لخطر الختان، وهذه النسبة لم تتغير منذ عام 2008. هذا وفقا لدراسة تحليلية أجريت عام 2016 بعنوان «عوامل ومحددات ختان الفتيات من سن 1-17 سنة». وكثير من الكاتبات المشهورات وثَّقن ذكرياتهن مع الختان ووصفن مشاعرهن أثناء إجراء هذه العملية لكى ينقلنها للعالم بأسره، منهم الكاتبة نوال السعدواى، حيث قالت «كنت فى السادسة من عمرى نائمة فى سريرى الدافئ وأحلم أحلام الطفولة الوردية حينما أحسست بتلك اليد الباردة الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء، تمتد وتمسكنى، ويد أخرى مشابهة لليد السابقة خشنة وكبيرة تسد فمى وتطبق عليه بكل قوة لتمنعنى من الصراخ. وحملونى إلى الحمام، لا أدرى كم كان عددهم، ولا أذكر ماذا كان شكل وجوههم، وما إذا كانوا رجالا أم نساء، فقد أصبحت الدنيا أمام عينى مغلفة بضباب أسود ولعلهم وضعوا فوق عينى غطاء كل ما أدركته فى ذلك الوقت تلك القبضة الحديدية التى أمسكت رأسى وذراعى وساقىّ حتى أصبحت عاجزة عن المقاومة أو الحركة وملمس بلاط الحمام البارد تحت جسدى العارى، وأصوات مجهولة وهمهمات يتخللها صوت اصطكاك شىء معدنى ذكرنى باصطكاك سكين الجزار حين كان يسنه أمامنا قبل ذبح خروف العيد. وتجمّد الدم فى عروقى، ظننت أن عدداً من اللصوص سرقونى من سريرى ويتأهبون لذبحى، صرخت من الألم رغم الكمامة فوق فمى، فالألم لم يكن ألمًا، وإنما هى نار سرت فى جسدى كله، وبركة حمراء من دمى تحوطنى فوق بلاط الحمام.. لم أعرف ما الذى قطعوه منى، ولم أحاول أن أسأل، كنت أبكى وأنادى على أمى لتنقذنى وكم كانت صدمتى حين وجدتها هى بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء تتحدث معهم وتبتسم لهم وكأنما لم يذبحوا ابنتها منذ لحظات».. انتهى ما قالته نوال السعداوى عن أسود يوم فى طفولتها. مخاطر وأضرار تعرف منظمة الصحة العالمية ختان البنات على أنه تشويه جزئى أو كلى للأعضاء التناسلية عند الأنثى دون وجود أسباب علاجية، وإن هذه العملية لا تعود بأية منافع صحية على الأنثى، بل قد تعرضها لمشكلات صحية. كما يعرف ختان الإناث عالميًا بأنه نوع من أنواع العنف ضد الفتيات، إذ يعتبر وسيلة اضطهاد ضدها، حيث يخرق موضوع الختان حقوقها وهى طفلة والحقوق الصحية لها وحتى حقها فى الحياة. وتتعرض الأنثى للعديد من الآثار الصحية والنفسية والتى تبدأ بعد إجراء عملية الختان ووفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية، أهمها الإصابة بآلام مبرحة، التعرض لنزيف حاد، انتفاخ الأنسجة التناسلية، الحمى، صعوبة التئام الجروح، إصابة النسيج التناسلى المحيط، صدمة نفسية، مشكلات دائمة فى التبول، زيادة خطر حدوث مضاعفات أثناء الولادة، وحدوث ولادة متعثرة، النزيف المفرط أثناء الولادة، وأخيرا الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة وانخفاض تقدير الذات. واتخذت العديد من الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى العديد من الإجراءات الرادعة لمجابهة هذه الأزمة، حيث خصصت اللجنة الوطنية للمجلس القومى للطفولة والأمومة خط نجدة الطفل بالمجلس القومى للطفولة والأمومة (16000) للإبلاغ عن أى وقائع انتهاك ضد الأطفال وخاصةً عمليات الختان. أما من الناحية الدينية، فقد قطعت دار الإفتاء المصرية الشك باليقين، وشددت على أن ختان الإناث حرام شرعًا، كما أن الأطباء جزموا بضرره، حيث قالت فى بيان لها بالتزامن مع اليوم العالمى لرفض ختان الإناث، الصحيح أن ختان الإناث من قبيل العادات وليس من قبيل الشعائر، فالذى هو من قبيل الشعائر إنما هو ختان الذكور باتفاق. وذكرت أن كثيراً من العلماء بعد بحوث مستفيضة طويلة وبعبارات مختلفة انتهوا إلى أن ختان الإناث عادة وليس عبادة، ومنهم المرحوم الشيخ محمد عرفة، عضو جماعة كبار العلماء، الذى كتب مقالا مطولا فى مجلة الأزهر عدد 24 الصادر عام 1952م فى صفحة 1242؛ حيث قال: «فإذا ثبت كل ذلك فليس على من لم تختتن من النساء من بأس»، ثم استطرد فقال: «وإذا مُنِعَ فى مصر كما مُنِع فى بعض البلاد الإسلامية كتركيا وبلاد المغرب فلا بأس، والله الموفق للصواب»، كما يقول فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي: «أما بالنسبة للنساء فلا يوجد نص شرعى صحيح يُحتَجُّ به على ختانهن، والذى أراه أنه عادة انتشرت فى مصر من جيل إلى آخر، وتوشك أن تنقرض وتزول بين كافة الطبقات ولا سيما طبقات المثقفين». وأشارت إلى أن معظم الدول الإسلامية الزاخرة بالفقهاء قد تركت ختان النساء؛ ومن هذه الدول السعودية، ومنها دول الخليج، وكذلك دول اليمن والعراق وسوريا ولبنان وشرق الأردن وفلسطين وليبيا والجزائر والمغرب وتونس. وأوضحت «دار الإفتاء» أنه بعد أن أحال كثير من الناس الأمر إلى الأطباء، ولقد جزم الأطباء بضررها، فأصبح من اللازم القولُ بتحريمها، لافتةً أن موضوع الختان قد تغير وأصبحت له مضار كثيرة: جسدية ونفسية؛ مما يستوجب معه القول بحرمته والاتفاق على ذلك، دون تفرقٍ للكلمة واختلافٍ لا مبرر له، وإن المطَّلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القولُ بالتحريم. أسباب الاستمرار أوضحت البحوث والدراسات أن هناك الكثير من الأسباب والمعتقدات والدوافع الثقافية والاجتماعية والنفسية وراء استمرار ممارسة هذه العادة فى مصر، أن ختان الإناث من العادات والتقاليد الموروثة منذ زمن بعيد حتى أصبح إجراؤها أمرًا ضروريًا. وأضافت أن الختان من وجهة نظر المجتمع هو محاولة للسيطرة على الرغبات الجنسية للمرأة، وذلك من أجل الحفاظ على عفة البنت وشرف العائلة، ومن ثم حمايتها من الوقوع فى الرذيلة سواء كانت فتاة أو سيدة متزوجة. وأشارت إلى أن سكان أغلب القرى يعتقدون أن الختان يساعد الفتاة على البلوغ الجنسى، ويزيد من خصوبتها عند الزواج ويجعلها تلد بسهولة، علاوةً أن الفتاة المختنة تكون زوجة مطيعة لا ترهق زوجها فى العلاقة الجنسية، وهى فى ذات الوقت تستطيع أن تحافظ على شرف زوجها فى حالة غيابه أو مرضه. ولفتت إلى أن المرأة غير المختنة غريبة منتقدة وسط أقاربها وجيرانها ومجتمعها، قد لا تجد من يتزوجها، وتكون عرضة للشائعات التى تلوث سمعتها وصورتها الاجتماعية. من جانبه قال على إسماعيل عبدالرحمن الباحث فى العلوم الاجتماعية، إن البعض اتهم الفراعنة أنهم أول من قاموا بهذه العادة ولكن من الثابت أن هذا من الأخطاء التاريخية وذلك لأن المصريين اعتادوا تدوين ما كانت عليه حياتهم من عادات وتقاليد، وتوثيقها، إما كتابة أو نقشًا.. لذا نجد من البرديات والجداريات ما يؤكد ممارستهم تقليد «ختان الذكور»، وهو تقليد نقله بنو إسرائيل، ومنهم إلى بنى يعرب، عن المصريين. أما عادة «ختان الإناث» فلا توجد وثيقة تؤكد ممارستها فى مصر الفرعونية، ولم يرد ذكر لها عند المؤرخ مانيتون (280 ق.م)، ولا عند هيرودوت (425 ق.م) حينما زار مصر.. بل بالعكس، كل ما عثر عليه من أدلة يوحى بأن المصريين جرّموا تلك العادة. وفى المتحف البريطانى توجد بردية لرسالة بالأحرف الديموتيقية، أى الشعبية، ترجع للعام 123 ق.م، مفادها أن شابًا من جنوب مصر طلب استعادة هدية (الخطبة) من فتاة، كان مزمعا أن يتزوجها، لما اكتشف أنها مختنة. كما أن جميع البرديات الطبية التى تعرضت لكل ما يخص المرأة من أمراض وأعراض وعلاجات لم يوجد بها إشارة واحدة إلى ختان الإناث. ومن المؤكد تاريخيًا أن المجتمع المصرى قد عرف ختان الإناث قبل اعتناقه المسيحية والإسلام ومن المحتمل أنه دخل مع غزو الأحباش لها فى عهد الأسرة الخامسة والعشرين. فهو عادة أفريقية قديمة بدأت فى وسط أفريقيا، وليست لها أى علاقة بالأديان (الإسلام - المسيحية)، وليست أيضاً فرعونية. ونوه إلى أن هناك العديد من المعتقدات الخاطئة والراسخة فى أذهان العامة ساعدت على استمرار هذه الأزمة، منها الظن بأن إجراء هذه العملية من سنن الإسلام وأنها بمثابة عفة للبنات، كما يسود الاعتقاد بأن الأعضاء التناسلية الخارجية الظاهرة للمرأة قذرة ومقززة. فالختان يعطى الجهاز التناسلى الشكل الجميل. فختان الإناث يوقف نمو الجزء التناسلى الخارجى للمرأة، ولفت إلى أنه من الخرافات الشائعة أيضاً الاعتقاد بأن العضو التناسلى الخارجى للفتاة يستمر فى النمو والكبر فى حالة عدم ختانها حتى يقترب من حجم العضو التناسلى الذكرى، لذا يجب بتره لإيقاف هذا النمو (القبيح) وهو ما يطلق عليه من باب التخفيف وصف التجميل. وأوضح أن هناك اعتقاداً بأن المرأة غير المختنة أكثر شعورا بالشهوة أو الاستثارة الجنسية من المختنة، مشيرًا إلى أن هذا معتقد خاطئ الاثنتان تحسان بالرغبة أو الشهوة الجنسية بنفس القدر تماما حيث إن الإحساس بالرغبة أو الشهوة يصدر من المخ وليس من الجهاز التناسلى الخارجى للمرأة، وما تختلفان فيه هو الشعور بالإشباع، فالمرأة المختتنة لا تعرف الشعور بالإشباع مما ينتج عنه عدم أو ضعف التجاوب خلال المعاشرة الزوجية، الأمر الذى يترتب عليه الكثير من المشكلات الفسيولوجية والعصبية والنفسية كما يؤكد الأطباء والأخصائيون النفسيون.