يوم 18 «نوفمبر» الحالي هو موعد تنصيب البابا تواضروس الثاني بابا للاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وبذلك يكون البابا رقم 118 الذي يجلس علي مقعد مارمرقس الرسول الذي بشر مصر بالديانة المسيحية.. الكنيسة لم يفتها أن توجه دعوة للرئيس محمد مرسي لحضور حفل التنصيب، بالإضافة إلي توجيه دعوات لكل ممثلي الأطياف السياسية والوطنية المصرية.. والمعروف أن أنظار العالم كله ستتوحه إلي الكاتدرائية الكبري بالعباسية، لتشهد حفل التنصيب الذي نتمني ألا يغيب عنه الرئيس لأسباب كثيرة أهمها أن آخر زيارة قام بها رئيس مصري للكنيسة كانت عام 1977 عندما قام الرئيس الراحل أنور السادات بزيارة البابا شنودة الثالث طيب الله ثراه ذلك الهامة الوطنية الكبري التي رحلت عن عالمنا قبل ثمانية أشهر.. زيارة الرئيس مرسي للكنيسة في حضور حفل التنصيب له مغزي سياسي كبير، فهو أول رئيس مدني يحكم مصر، والبلاد بشقيها المسلم والمسيحي تطلع إلي دولة مصرية مدنية عصرية، وغياب رئيس البلاد عن حضور حفل التنصيب يترك في النفوس آثاراً غير محمودة وغير ملائمة..بل إن هذه الزيارة ستغلق كثيراً من الملفات الشائكة المعلقة بين الكنيسة والدولة وتزيل آثاراً كبري عالقة في نفوس الاخوة الأقباط إضافة الي أن زيارة الرئيس للكنيسة ستطفئ بعض مشاعر الغضب العالقة في نفوس بعض الاخوة الأقباط من تصرفات النظام السابق الذي كان أحياناً يسكب البنزين علي النار سواء بعمد أو بدون عمد، ولولا الحكمة البالغة التي كانت تتمتع بها الكنيسة المصرية لوقف آثار غير محمودة العواقب، ولكن حسن تصرف قيادات الكنيسة وعلي رأسهم قداسة البابا شنودة الثالث لعبت دوراً فاعلاً ومؤثراً في إطفاء النار التي كادت تشتعل. الآن ما أحوجنا في مصر لأن تلتئم أي جروح وأن تزال أي آثار سلبية عالقة، فالوطن مصر ينادي الجميع أن يكون يداً واحدة وعلي قلب رجل واحد كما أن زيارة الرئيس مرسي إلي الكنيسة ستكون سببا رئيسياً لاخماد أي نار قد تهب من الولاياتالمتحدة أو أوروبا الغربية، فالتحالف الأنجلو الأمريكي يعمل جاهداً ليل نهار علي إشعال جذوة الخلاف بين أبناء البلد الواحد في مصر، وكان النظام السابق يشرب هذا الطعم القادم من خلف الأطلنطي وتشتعل الأزمات بين أبناء مصر مسيحيين ومسلمين.. وقد قرأت في إحدي الوقائع أن الرئيس السادات رحمه الله تلقي تعنيفاً أمريكياً لأنه كان يسعي لرأب الصدع مع الاخوة الأقباط في مصر، حتي بلغت الأزمة مداها بعد أربع سنوات من زيارته للبابا شنودة والذي لم يسلم مما فعله السادات في «سبتمبر» عام 1981 عندما اعتقل البابا شنودة تحت مزاعم واهية!!! لو قام الرئيس محمد مرسي بزيارة الكنيسة وحضر حفل تنصيب البابا تواضروس الثاني لانتهت الكثير من الملفات العالقة وزالت الكثير من الأزمات بهذه الزيارة.. ثم إن زيارة الرئيس للكنيسة ستكون لها أبعاد أخري ذات أهمية بالغة وكسب ود دول أوروبا الشرقية ودول أمريكا الجنوبية وروسيا، وهو ما يطلق عليه تحالف الروم، الذي بشر به الرسول «محمد صلي الله عليه وسلم» عندما قال فيما معناه إن الأمة الإسلامية ستتحالف مع دولة الروم والمقصود بها هنا دول أوروبا الشرقيةوروسيا.. كما أن زيارة «مرسي» للكنيسة المصرية ستكون لها آثارها الإيجابية البالغة علي الكنيسة الشرقية الكائنة في روسيا، وحتي لو أغضبت هذه الزيارة دول أوروبا الغربيةوالولاياتالمتحدةالأمريكية، لأن ذلك سيحدد موقفاً حيادياً لمصر كدولة كبري في منطقة الشرق الأوسط.. فزيارة «مرسي» الحاكم العربي المدني الآتي بانتخابات حرة مصرية، ستوطد العلاقات مع دول أوروبا الشرقية التي سيأتي اليوم إن آجلاً أو عاجلاً ويكونون حليفاً قوياً للأمة العربية، بديلا عن الحضارة الغربية المزيفة التي تساعد الصهيونية وتنفذ مخططاتها.. ولذلك فزيارة الرئيس للكنيسة وحضوره حفل التنصيب، ستأخذ بعداً عالمياً يقوي من موقف مصر الوحدة مسيحيين ومسلمين في أعين دول العالم أجمع بما فيها الصين التي ستكون واحدة من تحالف الروم الذي يقف إلي جوار العرب في مواجهته الصهيونية العالمية والتحالف الأنجلو أمريكي. والجدل حول زيارة «مرسي» للكنيسة لا يحتمل أي تأويل سوي انه في مصلحة الوطن أولاً القيام بهذه الزيارة، خاصة لو علمنا أن الاخوة السلفيين لهم موقف مسبق في هذا الشأن ويرفضون أصلاً زيارة الكنيسة. الفرصة الآن أمام الرئيس مرسي لأن يحقق انتصارا داخلياً كبيراً وخارجياً رائعاً بهذه الزيارة، وحتي لو أن بطانة السوء طالبته بعدم الزيارة عليه أن ينأي عن ذلك ويكون علي رأس الحاضرين في حفل تنصيب البابا رقم 118.. فلن ينساها له التاريخ وسيسجلها له من أوسع الأبواب. بل ستكون هذه فاتحة خير لعلاقة جديدة مع الاخوة الأقباط حرموا منها علي مدار عقود طويلة.. ويرحم الله عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما بحث عن البابا الغائب أو لنقل المختبئ من ظلم الرومان. وانشأ علاقة متينة بين العرب الفاتحين وأقباط البلاد لن ينساها التاريخ أبداً.