أسقطت ثورة 25 يناير النظام السابق فى 18 يوماً، وانتصر عليها الإهمال الذى أصبح يعشش فى كل شبر على الأرض.. من أخطر أنواع الإهمال استمرار تدهور حالة الطرق وتخلف قطارات السكة الحديد التى أصبحت تحصد أرواح المواطنين الأبرياء يومياً، وتسيل دماؤهم على الأسفلت وقضبان السكة الحديد بدون ذنب جنوه واحتلت مصر مركزاً متقدماً فى هذه الحوادث بعد أن فاق عدد القتلى والمصابين تحت عجلات القطارات والميكروباصات والأتوبيسات والعبارات البحرية عدد الشهداء فى جميع الحروب التى خاضتها مصر. اصطدم قطارى الفيوم بين قريتى سيلا والناصرية مساء أمس الأول أثناء سيرهما على خط واحد ومصرع وإصابة عدد من ركابهما، نموذج صارخ للإهمال وغياب الضمير فى هيئة السكة الحديد، والاستهتار بحياة المواطنين وتفشى الفساد، وعدم الإحساس بالمسئولية، وضعف مستوى العنصر البشرى، التحقيقات المبدئية التى أجرتها النيابة أكدت وقوع الحادث نتيجة خطأ أدى الى اصطدام القطارين من الأمام، وقد يشيل المسئولية عامل التحويلة الغلبان، ويستمر البهوات الكبار فى مواقعهم استعداداً للانتقال إلى موقع كارثة أخرى لالتقاط الصور التذكارية. لن يكون حادث قطارى الفيوم الأخير فى كوارث القطارات، فنحن دولة موبوءة بهذه الكوارث التي تنكد علينا فى الأعياد، والإهمال هو كلمة السر وراء كل كارثة. ودعنا عيدالأضحى منذ أيام بحادث سقوط بعض المسطحين فوق أحد القطارات بعد اعتلائهم السطح لعدم تمكنهم من الحصول على تذاكر سفر إلى الوجه البحرى، وقضى أهالى الصعيد العيد لأول مرة بدون دموع بعد أن اعتادوا على تصادم القطارات علي خطوط الوجه القبلى، في كل عيد أضحى نضع أيدينا على قلوبنا خشية تكرار الكارثة المروعة التى حصدت قرابة الألف قتيل ومصاب بعد تصادم قطارين أمام العياط فى أحد أعياد الأضحى منذ سنوات قليلة. لماذا تحولت القطارات من وسيلة انتقال آمنة يفضلها الركاب فى جميع دول العالم على الوسائل الأخرى كالطائرات والسيارات واستخدمت بعض الدول مثل اليابان قطار الطلقة الفائق السرعة الذى يقطع آلاف الكيلو مترات فى زمن قصير لخدمة رجال الأعمال والراغبين فى تقليل زمن الرحلة لقضاء إجازات قصيرة، بينما تحولت القطارات عندنا إلى وسيلة قتل، أو وسيلة من وسائل الحد من الكثافة السكانية. إن هذه الكوارث المتكررة تحتاج إلى وقفة لمعرفة أسبابها، إذا كانت من أخطاء بشرية لابد من محاسبة المقصرين، وإذا كانت وراءها عيوب فى جرارات القطارات، أو خطوط السكة الحديد فلابد من إصلاحها، لا يكفي انتقال السادة الوزراء والمحافظين والمسئولين إلى موقع الحادث للتظاهر بالحزن على الضحايا، وصرف تعويضات هزيلة لأسرهم تكشف عن انخفاض قيمة البشر مقارنة بارتفاع أسعار الكوسة كل مسئول إلى مكتبه ويعتقد أنه أدى ما عليه. قلت للدكتور رشاد المتينى وزير النقل فى مقال بعد تعيينه فى منصبه: حوادث القطارات وراء استبعاد معظم وزراء النقل السابقين من أمثال إبراهيم الدميرى ومحمد منصور، وعصام شرف، وإذا أردت أن تستمر، أو أن يكون خروجك من الوزارة ليس عن فشل فراعِ ضميرك واعمل على النهوض بالسكة الحديد وابدأ بثورة فى تطوير القطارات وحاسب المهملين وانهض بالكوادر البشرية لكن يبدو أن «المتينى» يريد أن ينضم إلى طابور المعاشات، لم يواجه الإهمال فى السكة الحديد لكنه أيضاً خلق سوقاً سوداء لبيع تذاكر القطارات، ويبدو أن خروجه سيكون وراءه دعاء أهالى الصعيد عليه بعد أن جعلهم يبيتون فى محطة السكة الحديد للبحث عن تذكرة سفر فى قطارات غير آمنة، وقد يصل الأمر إلى أن يقوم الراكب بكتابة وصيته قبل أن يحجز تذكرة سفر بالقطار.