هذا الكتاب أرشحه لكى يقرأه كل مصرى، وليس فقط الذين يدعون أنهم مثقفون.. لأن القضية التى يتناولها تخص كل المصريين.. لأن نهر النيل وقضية المياه هى أهم ما يجب أن نهتم به، إذ لولا مياه هذا النهر لما قامت أى حياة فى هذه المنطقة من العالم.. والسبب الأساسى الذى يجعلنى أرشح هذا الكتاب للقراءة أنه أول كتاب يكتبه مسئول، ظل مسئولاً أول عن هذا النهر وعن توفير المياه لنا جميعاً وأعتقد أن مؤلف هذا الكتاب ما كان يستطيع إخراجه إلى النور لو ظل النظام السابق فى الحكم.. وثانى الأسباب أنه أتيح للمؤلف أن يسمع ويرى.. بل ويشارك فى مناقشة هذه القضية واتخاذ القرارات.. كما أنه كان فى موقع يسمح له بأن يرى كل أسرار هذا النهر، فى عصر سمعته الأولى التعتيم على مثل هذه الأمور.. أى أنه فتح خزائن الأسرار وكشف كل الملفات، التى تغلق أمام أى باحث.. من خارج هذه القلعة التى هى أقدم قلعة للرى فى العالم.. هى مدرسة الرى المصرى، وهى وزارة من أولى وزارات السيادة فى الدولة.. لأنه على أساس ما يأتى به النهر من مياه كان الحاكم منذ الفراعنة يقرر حجم الضرائب والأموال على الانتاج الزراعى كله.. والدكتور محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والرى الأسبق أتيح له كل ذلك عندما جاء وزيراً للوزارة بعد حركة غير مهذبة تم بها استبعاد وزيرها السابق، الدكتور محمود أبوزيد، رغم كل الجهود التى بذلها لوضع أسلوب جديد وسياسة جديدة للتعاون مع دول حوض النيل. ولكننى هنا أسأل المؤلف: هل نشر كل المعلومات التى عرفها أم أنه كالعادة حجب كثيراً من المعلومات التى قد تضر بالأمن القومى المصرى الذى أرى أن الأمن القومى المائى هو أهم أولياتنا، على مر الزمان. يقول المؤلف الدكتور علام فى كلمته الرقيقة التى أهدانى بها هذا الكتاب أن كتابه به العديد من المعلومات والحقائق التى لم تكن متاحة للكثيرين من الشعب المصرى، مما قد يساهم فى استكمال وتدعيم مسيرتكم الغراء ومقالاتكم الثرية عن نهر النيل وقضاياه. وفى هذا الكتاب «اتفاقية عنتيبى والسدود الاثيوبية.. الحقائق والتداعيات» لم ينس المؤلف أبداً أنه أستاذ هندسة الموارد المائية بهندسة القاهرة وتناول المؤلف فيه الوضع المائى فى مصر، ثم الاتفاقيات القائمة مع دول حوض النيل والاتفاقية الاطارية.. ثم انطلق المؤلف إلى ما جرى فى اجتماع كينشاسا «فى الكونغو» ثم فى اجتماع الإسكندرية.. إلى المبادرة المصرية والمبادرة الرئاسية إلى اجتماع شرم الشيخ وتبعات شرم الشيخ ثم اجتماع أديس أبابا إلى أن وصل إلى جتماع نيروبى لدول حوض النيل ونجاح استراتيجية دول المنبع.. وانطلق إلى مشاريع التنمية فى دول المنبع إلى أن وصل إلى الوضع الأخطر وهو السدود الاثيوبية.. ليصل إلى مشاكل ملف حوض النيل وسأل السؤال الذى مازال يبحث عن إجابة: هل مشاريع التنمية والاستثمار فى دول المنبع هى الحل.. أما الخاتمة فضمت تصور المؤلف عن خريطة طريق للقضية. ويعترف المؤلف بأن أزمة مياه النيل ظلت مغلفة بالكثير من الغموض إلى أن ظهرت الأزمة عقب انهيار المفاوضات فى مؤتمر شرم الشيخ عام 2010، بعد أن كانت مكتومة حتى مؤتمرى كينشاسا «2009» والإسكندرية فى نفس العام. وهى مفاوضات بدأت عام 2000 فى طى الكتمان يغلفها الغموض المتعمد.. ويعترف المؤلف الوزير السابق للرى أن الأزمة كانت أسبق من ذلك عندما أعلنت برلمانات كينيا وأوغندا وتنزانيا فى أواخر عام 2003 عدم الاعتراف باتفاقية 1929 «بين مصر والسودان» رغم أن الدكتور أبوزيد صرح بأن «الأمور» لا تشكل أزمة أو تهديداً كما يقول المؤلف!! ويظهر الكتاب أن هناك قضايا وحقوقاً مفصلية لمصر كانت محل رفض عدد من دول المنابع طوال الوقت ويؤكد أن استراتيجية التفاوض أو التعامل مع هذه الخلافات لم تكن فى مسارها السليم.. إذ إنها أدت فى النهاية إلى إصرار عدد من دول المنابع على أن الوقت قد نفد أمام ما تعتبره هذه الدول نوعاً من الحيل والدفوع المصرية التى تهدف إلى كسب الوقت وانها سوف تتجه إلى التوقيع المنفرد، وهذا ما حدث بالفعل حيث وقعت أربع دول منها أثيوبيا وأوغندا وتنزانيا في مايو 2010 بعد مشاورات مكثفة جرت فى مدينة عنتيبى الأوغندية وسرعان ما لحقت بهم كينيا بعد وقت قصير. وهكذا وجدت مصر نفسها فى مواجهة مفتوحة بشأن قضية هى الأخطر تتصل بشكل مباشر بالأمن القومى المصرى. وحتى هذه اللحظة لم يشرح الدكتور أبوزيد أسباب إقالته من الوزارة.. فهل يتكلم ويروى الحقيقة.. ثم إن الكتاب يتناول فى بابه الأول حكاية الحقوق التاريخية لمصر منذ عام 1891 ثم عام 1906 إلى اتفاق على 1929، الى ان نصل الى عام 1959 عندما قررت مصر انشاء السد العالى. ونواصل غداً هذا السرد الضرورى ليفهم كل مصرى حقيقة القضية.