أفرزت الظواهر المصاحبة للاستفتاء علي التعديلات الدستورية نتائج مهمة إيجابية وسلبية تصدي لتحليلها كتاب مصر ومفكروها من جميع التيارات، علي أن الظاهرة التي يجب أن نعالجها فوراً وبكل حسم، وبرفض واضح لأي محاولات للتهوين من شأنها هي استخدام المنبر في الأغراض السياسية البحتة، وهي ظاهرة في منتهي الخطورة علي الإسلاميين قبل غيرهم، وهم أول من سيكتوون بنارها إن لم توأد هذه الفتنة والآن، وعليه فمن واجب الكتاب الإسلاميين أن يكونوا هم أول من يتصدي لها. وهناك جملة تنتشر علي ألسنة الناس عندما يكون المبرر المقدم لتبرير الخطأ مبرراً لا يقل سوءاً عن الخطأ ذاته، فيقولون »عذر أقبح من ذنب«، أي أن العذر المقدم لتبرير الذنب هو أقبح من الذنب ذاته، وهذا هو الحال في خطيئة استخدام منابر المساجد للدعوة لموقف سياسي دنيوي معين في مسألة اجتهاد دنيوي ونظر في مصالح ومفاسد دنيوية لا علاقة لها بحلال أو حرام بين لهم فيه من الله برهان، ولقد سبق في تبرير هذه الخطيئة والبدعة المميتة تبريرات كلها أقبح من الذنب. فأول الرد هو التهوين من شأن هذه الظاهرة وادعاء أنها ظاهرة فردية لا حاجة لتكبيرها والعتاب علي الإسلاميين بشأنها، وهذا غير حقيقي بالمرة، فلم تكن ظاهرة فردية، ولكنها كانت موسعة جداً وشملت مئات بل آلاف المساجد في خطبة يوم الجمعة اليوم السابق للاستفتاء، وفي منطقتي »هليوبوليس وتريومف - مصر الجديدة« هناك أربعة مساجد تورطت في الدعاية لرأي معين علي المنبر، فإن كان هذا هو الحال في منطقة كما يقولون من مناطق الطبقة المخملية، فكيف بالمناطق الشعبية وفي الريف والصعيد، وكيف يدعي أحدهم بعد ذلك أنها كانت ظاهرة فردية؟! وثاني الردود أن ما حدث كان »رد فعل« علي احتشاد الكنيسة للتصويت في اتجاه معين، فاحتشدت القوي الإسلامية للتصويت في الاتجاه المضاد!!، وهذا والله هو العذر الأقبح من الذنب، فالخطأ لا يبرر الخطأ، ورسول الله - صلي الله عليه وسلم - يقول في الحديث الصحيح أخرجه الترمزي »لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وأن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أسأءوا فلا تظلموا، والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يعقل أن تتحرك الأغلبية بمنطق رد الفعل؟!، وأن تتحول الأمور السياسية الدنيوية إلي اصطفاف طائفي أبله لم يأمر به الشرع ولا دعا إليه، وأن المسجد يدعو إلي »نعم« لأن الكنيسة تدعو إلي »لا«!!، ما هذا الهراء يا قوم؟ لا الإسلام يدعو إلي »نعم« ولا المسيحية لها علاقة ب»لا«، إنه أمر حياتي دنيوي بحت قائم علي النظر في المصالح، فإن ادعي أحدهم أن الكنيسة تقول كذا فقد أساء لدور الكنيسة وأقحمها فيما ليس لها، وإن قال أحدهم فوق المنبر إن الإسلام يدعو لكذا فقد افتري علي الله الكذب وأساء لدور المنبر. ولقد قال لي من أثق به وهو من ضواحي مدينة طنطا إن هناك شيخاً مشهوراً عندهم يدعي الشيخ حامد، وأنه لما أدلي بصوته سأله أحدهم: ماذا قلت يا شيخ حامد، فقال الرجل ببساطة: قلت: نعم، فخرج السائل لينشرها في جميع أنحاء الحي والأحياء المجاورة »الشيخ حامد قال نعم«!!، وانتشر الأمر كالنار في الهشيم فإذا بالمئات أو الآلاف يقولون نعم لأن الشيخ حامد قال نعم! إن هذا النهج المرعب لا يخيف فقط العلمانيين ولا غير المتدينين كما يدعون، لا والله بل هو مخيف لكل مسلم حريص علي دينه وتعاليمه، ويعلم أن هذا النهج هو عين ما جاء الإسلام ليحرر الناس منه، وهو القول الذي قال به ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس عندما سأله: لماذا جئتم؟ قال: جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلي عبادة رب العباد، ولقد قطع رسول الله - صلي الله عليه وسلم - هذا الأمر عندما قال »أنتم أعلم بأمر دنياكم«، أي أعلم منه - صلي الله عليه وسلم - وهو الذي لا ينطق عن الهوي، فكيف لأحد بعد رسول الله أن يدعي الامتزاج بين الأمور الدنيوية والدين، وأن اختياراته الشخصية هي رأي الدين وقراره، من هذا الذي يدعي لنفسه ما لم يكن لرسول - صلي الله عليه وسلم -، ولقد رجع الرسول - صلي الله عليه وسلم - عن رأيه في غزوة بدر وفي غزوة أحد، وفي غزة الخندق عندما أراد أن يعطي المحاصرين من ثمر المدينة مقابل فك الحصار فرفض السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فهل رجع الرسول عن رأيه في دين؟!، أم هي أمور دنيوية محلها النظر والمصلحة، ليعلمنا - صلي الله عليه وسلم - أن نفكر وأن نناقش وأن نفصل بين ما هو دين وما هو أمور الدنيا، ليعلمنا ألا نكون إمعات، فإن كان الرسول - صلي الله عليه وسلم - قد عاد عن رأيه في الأمور الدنيوية، فمن هذا الذي يدعي أنه إذا قال الشيخ فلان كذا فالقول قوله. إن المجتمع المسلم حقاً ليس خطاً لإنتاج الإمعات، بل هو معين للفكر والشوري والتعددية.. هذا هو الإسلام كما تعلمه السلف عن رسول الله.،. يا من تدعون السلفية. [email protected]