وزير الصناعة يجب أن يرحل فوراً ويترك موقعه، حتي ولو كان يحتل موقعاً قيادياً في جماعة الاخوان المسلمين. ونحن نعرف الوزير الذي يبني وينشئ لا أن يدمر ويغلق، خصوصا مصانع الغزل والنسيج، التي كانت من أهم رموز الصناعة المصرية.. فهذا الوزير الذي لا أعرف اسمه، ولا يتذكره مصري واحد، اتخذ قراراً بيبيع 22 شركة للغزل والنسيج، بكل ما عليها من مصانع ومنشآت، وبكل ما فيها من عمال وفنيين وهو بذلك يشرد مئات الألوف، هم أسر آلاف العاملين بهذه الصناعة التي كانت مفخرة لمصر وللمصريين.. وسبحان الله بين وزير يبني ووزير يغلق.. ولو كان الدكتور عزيز صدقي وزير صناعة جمال عبدالناصر حياً لمات كمداً وراح غلاً.. وهو الرجل الذي كافح طويلاً لانشاء هذه الشركات وغيرها ونشرها في كل مدن مصر في الوجه البحري وفي الصعيد.. وكان هدفه تنفيذ البرنامج الصناعي الطموح الذي قامت عليه ثورة يوليو 1952. وفتح مئات الألوف من البيوت.. حتي ان عبدالناصر كان يفخر بهذه المصانع.. وكان يصر علي أن يزور أي رئيس دولة أجنبي أكثر من مصنع من هذه المصانع.. خلال زيارته لمصر.. وقد رافقت عدداً من هؤلاء الرؤساء عند زيارتهم لهذه المصانع في المحلة الكبري وكفر الدوار وشبرا الخيمة ودمياط والاسكندرية.. بل في بني سويف وميت غمر.. ** هذه المصانع ياسادة يغلقها وزير صناعة ثورة يناير دون أن يناقشه أحد.. فهل قامت ثورة يناير لتهدم أهم انجازات ثورة يوليو.. والمشكلة أن هذه المصانع بشركاتها ليست تابعة لوزير الصناعة.. بل هي قانوناً تابعة لوزير الاستثمار بصفته الوزير المسئول عن قطاع الأعمال العام الذي تتبع له كل هذه الشركات وغيرها.. فهل تشاور وزير الهدم والاغلاق مع وزير الادارة قبل أن يتخذ قراره الخطير.. وهل تم عرض مشاكل هذه الشركات علي مجلس الوزراء.. وهل وافق مجلس وزراء ثورة يناير علي هذا القرار.. خصوصاً أن البذرة الأولي لثورة يناير انطلقت من أكبر قلعة للغزل والنسيج في مصر، هي المحلة الكبري. ان مثل هذا القرار لا يملكه وزير بمفرده.. بل لا يملكه كل مجلس الوزراء الذي هو يمثل مجلس وزراء ثورة يناير.. بل يملكه الشعب المصري نفسه.. ولا يملكه كل وزراء مصر، حتي لو كانوا مؤيدين أو أعضاء في جماعة الاخوان المسلمين.. وحاشا لله أن يتخذ مصري صميم مثل هذا القرار.. ** والقضية أن سياسة الخصخصة التي طبقتها حكومات عصر حسني مبارك رفضها أغلبية الشعب المصري.. لأنهم باعوها بملاليم لمن تربح من ورائها بالمليارات.. ومنه لله د. عاطف عبيد وزير الخصخصة عندما كان وزيراً ثم أكمل جريمته عندما أصبح رئيساً للوزراء.. باعها ولا نعرف أين ذهبت حصيلة البيع هذه.. اللهم إلا إذا كانت قد ابتلعتها آبار الفساد الذي أكل الأخضر واليابس في بر مصر كله.. فلا نحن حفظنا هذه المصانع.. ولا نحن استخدمنا حصيلة البيع لوضع أسس جديدة للتنمية.. فخسرنا «الجلد والسقط» من وراء هذه السياسة.. والمؤلم أن يجىء وزير يدعمه مجلس للوزراء في عصر ثورة يناير ليكمل تنفيذ برنامج بيع مصر.. فهل هذا معقول.. بل لماذا اذن قامت ثورة يناير.. هل قامت ليستكملوا سياسة بيع مصر التي رفضناها في عصر مبارك عبيد.. ** ونعترف أن هذه الشركات بكل مصانعها تحقق خسائر مالية رهيبة ولكن هل مصر هي المسئولة عن ذلك.. وهل يدفع عمالها وفنيها ثمن أخطاء غيرهم، الذين أساءوا إدارة هذه الشركات وتوقفوا عن محاولات انقاذها وتطويرها ونقلها من الخسائر إلي المكاسب.. أم أن سياسة ابقاء الحال في هذه المصانع علي ما هو عليه حتي تنهار ومن ثم لا نجد سبيلاً إلا بيعها.. ان محمد علي باشا الكبير هو واضع أساس بناء صناعة الغزل والنسيج في مصر.. وهو الذي شجع ادخال أنواع جديدة من القطن إلي بر مصر وأقام مشروعات الري الكبري، التي كانت القناطر الخيرية في مقدمتها لكي نتوسع في هذه المصانع التي أقامها محمد علي في كثير من مدن مصر. وجاء حفيده الخديو اسماعيل ليكمل سياسة جده ويتوسع في زراعة القطن وفي انشاء المصانع وحفر الترع لكي تقام في مصر هذه الصناعة التي كان انتاجها يغزو العالم كله.. وعودوا إلي أرقام الصادرات المصرية أيام محمد علي وأيام حفيده الخديو اسماعيل. ** ثم جاءت الطفرة الصناعية الثالثة عندما فكر طلعت حرب باشا في انشاء بنك مصر كأول بنك وطني مصري لينطلق الرجل والبنك في انشاء العديد من صناعات الغزل والنسيج والحليج ومعاصر الزيوت والنقل النهري بل والتأمين.. وكلها صناعات قامت علي صناعة الغزل والنسيج الرائعة والرائدة في مصر كلها.. ونشر طلعت حرب مصانعه في المحلة التي كانت صغري لتنافس طنطا عاصمة المحافظة ويصبح عدد سكانها أكبر من عدد سكان طنطا عاصمة المحافظة بفضل صناعة الغزل والنسيج والتجهيز وتوابع هذه الصناعة العظيمة.. ثم هذه هي القلعة الصناعية الثانية كفر الدوار التي تحولت من كفر صغير أي قرية صغيرة لتصبح قلعة للصناعة في غرب الدلتا بفضل مصانع الغزل والنسيج الرفيع وشركة صباغي البيضا وشركة الحرير الصناعي وغيرها.. ** ان روح طلعت حرب باشا وروح د. عزيز صدقي.. بل أرواح محمد علي باشا والخديو اسماعيل، وكل البناة العظام تبكي اليوم ألماً وحزناً علي ما صارت اليه صناعة الغزل والنسيج في مصر الآن. فماذا بقي في مصرا لم يبعه مبارك ورجاله.. لكي يبيعه رجال الاخوان ووزراء الاخوان.. ** انني من منبر الوفد وباسم شعب مصر كله وليس فقط باسم عشرات الألوف من عمال هذه المصانع أرفع دعوي قضائية عاجلة ضد وزير الصناعة الذي أصدر هذا القرار.. بل وأرفع الدعوي القضائية أيضاً علي كل مجلس وزراء مصر علي موافقته علي هذا القرار الجاهل الجائر.. ولو كان في مصر برلمان حقيقي لسحب هذا البرلمان الثقة من الوزير.. بل ولأسقط الحكومة كلها علي جريمتها هذه.. ** تري هل لذلك قامت ثورة يناير.. ووجدنا علي مقاعد الحكم من لا يملك القدرة علي تنمية مصر فيتجه الي بيعها.. حتي ولو كانت هذه المصانع تخسر.. عليهم أن يعينوها وأن يحموها من الضياع.. أم هم يصنعون ضياع مصر كلها؟!