نشأت فى أسرة متوسطة الحال كان ترتيبى الطفلة الثالثة بين شقيقاتى. والدى طيب القلب حنون، أما والدتى كانت رائعة الخصال لم يشغل بالها إلا أبنائها وزوجها لا أبالغ إذا قلت إننى عشت أجمل أيام العمر فى بيت والدى. لم ينقصنى سوى الحصول على قسط من التعليم، خاصة أن قريتنا البسيطة لم تهتم بتعليم الفتيات لأنه غير مفيد لها لأن المصير المحتوم لأى فتاة هو الزواج وانجاب الأبناء. مكثت بالمنزل أساعد أمى بعد حصولى على الشهادة الابتدائية أساعدها وأتعلم منها كيفية إدارة شئون المنزل، والحقيقة أننى تعلمت من أمى الاحترام والطيبة بالإضافة إلى أننى ورثت جمالها الفائق. مرت الأعوام ووصلت إلى سن الزواج وبدأ الخطاب فى طرق باب أسرتى أملاً فى الزواج منى وبالرغم من بيئتنا البسيطة إلا أن والدى لم يفرض على الارتباط بزوج بعينه وتركوا لى الاختيار، وفى أحد الأيام تقدم لطلب يدى شاب بمجرد أن تحدثت إليه وقعت فى حبه وتمنيت الارتباط به أعلنت لوالدى الموافقة على الزواج منه وتمت الخطبة فى بيتنا الصغير وارتديت دبلة ذهبية لن أجد الكلمات التى توصف سعادتى أمضيت ليلتى الأولى أتحسس خاتمى الذهبى وأشرد بعقلى أرسم فى عقلى صورة لحياتى مع زوج المستقبل. وبدأت أسرتى فى تجهيزى وكافح زوجى لإنهاء تجهيزات بيتنا صغير وبعد مرور عامين من الخطوبة تم الزفاف وانتقلت إلى بيت زوجى. حياتى الزوجية فى البداية كانت من أسعد أيام حياتى، خاصة أننى اكتشفت أن زوجى دمث الخلق طيب القلب حنون عذب الحديث نقى السريرة، اكتملت سعادتى بإنجابى ابنى الأول والذى اضفى على حياتى سعادة فوق سعادتى مرت الأعوام هادئة وبدون أن أشعر وجدتنى أماً لخمسة من الأبناء. لن أنكر أن حياتنا بدأت تشهد بعض الصعوبات بسبب طلبات واحتياجات الأسرة والأبناء فهم يحتاجون إلى المأكل والملبس بالإضافة إلى نفقات التعليم الباهظة ما أضطر زوجى للعمل ليل نهار حتى يتمكن من توفير احتياجات أسرتنا الكبيرة خاصة أننى رفضت تماماً خروج أبنائى من التعليم أو حرمان بعضهم لأننى وحتى الآن أشعر بالألم بسبب عدم حصولى على قسط وافر من التعليم. فى أحد الأيام انقلبت موازين حياتى فجأة وأصيب زوجى بجلطة بالمخ أسفرت عن اصابته بشلل بالجانب الأيمن وبين ليلة وضحاها أصبح عاجزاً عن الحركة ولازم فراش المرض، وبالتالى أصبح عاجزاً عن العمل، وفقدنا مصدر الدخل الوحيد لى ولأبنائى الصغار. بدأت فى بيع مصوغاتى الذهبية وأنفقتها كاملة على علاج زوجى، أملاً فى إتمام شفائه لكن بكل أسى لم تتحسن حالته بل ازدادت سوءا خاصة مع عجزى عن توفير الدواء المناسب له ضاق بى الحال تعثرت ظروفنا المالية وبدأت فى الاقتراض من الأهل والأصدقاء وبسبب عدم وجود دخل تعاظمت الديون على كاهلى وتضخمت لدرجة أننى عجزت عن سدادها، بالإضافة إلى تراكم إيجار الشقة الذى تؤوينا وأصبحنا مهددين بالطرد بين اللحظة والأخرى. منذ فترة، أعلنت أجهزة الدولة عن القروض الحسنة لإنشاء مشاريع صغيرة رأيت فى هذا ضوءاً من الأمل بعد أن نسجت خيوط اليأس داخلى وأصبح بيتى معتماً من كثرة الآلام تقدمت بأوراقى وحصلت على القرض ولأن التعاسة أصبحت حليفة لحياتى خسرت أموال القرض، ولم أحصد سوى اليأس والقهر فوائد البنك ازدادت أضعافاً وأصبحت مهددة بالسجن وأولادى أصبحوا على حافة الهاوية والدهم قعيد الفراش وأنا على وشك إلقاء القبض على وأثناء هذا الظلم ودموع القهر الشديد ظهر بريق من الأمل فجأة فقد ورث والد زوجى قطعة أرض تقدر بملايين الجنيهات سجدت لله شكراً تخيلت أن والد زوجى سيساعدنى وسيقف بجوارى ارتميت تحت قدميه أبكى من كثرة القهر والألم طلبت منه الوقوف بجوارى وبجوار ابنه القعيد وتسديد ديونى لكن رده كان بالرفض والطرد واتهمنى بالطمع فى أمواله خرجت فى حالة من الانهيار صوت أنين زوجى لا يفارق أذنى وآهاته تدمر قلبى وصلت إلى بيتى رافعة الرايا البيضاء، مستسلمة لأقدارى تمنيت الموت لاستريح من قسوة حياتى. أخبرته بما فعله والده كاد أن يفقد عقله وهدانا تفكيرنا أن أقيم دعوى ضد والد زوجى أطالبه بمساعدتنا مالياً وتسديد ديوننا والالتزام بإكمال علاج أبنه وتعليم أبنائى، تقدمت بالأوراق الدالة على صحة روايتى وأنتظر أن يصدر حكم قضائى لصالحى.. شكوت للقاضى حجود والد زوجى، وأخذت زوجى المعقد بكرسيه المتحرك ليشرح للقاضى حالنا طالباه إلزام والده بالإنفاق عليه فكما للآباء حقوق على أبنائهم أيضاً وللأبناء حقوق على آبائهم والدى جاحد سيدى القاضى أنقذنى وأولادى من قسوة قلبه.