قالت دار الإفتاء المصرية، إن البحث عن الأطفال التائهين من ذويهم أو الإخبار عنهم والنداء عليهم عن طريق مكبرات الصوت في المساجد هو أمرٌ جائز شرعًا، بل ومستحب أيضًا؛ لما فيه من التعاون على البر والتقوى والنجدة وإغاثة الملهوف، بل إذا غلب على الظن تَعَيُّنُه طريقًا للحفاظ على الطفل من الضياع أو التلف فإنه يصير واجبًا شرعًا، وليس هو داخلًا في باب النهي عن نشدان الضالة في المسجد مِن قريب أو بعيد. وذكرت الدار عبر موقعها الرسمي، أن الإمام مسلم روى في "صحيحه" عن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم يَقُول: «مَن سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُد ضَالَّةً فِي الْمَسْجِد فَلْيقلْ: لَا رَدَّهَا اللهُ عَلَيْك؛ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لهَذَا»، وروى مسلم أيضًا عَن بُرَيْدَة رضي الله عنه: أَن رجلًا نَشد فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ: من دَعَا إِلَى الْجمل الْأَحْمَر؟ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا وجدت، إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لما بنيت لَهُ». وبينت الدار، أن علَّة النهي صون حرمة المساجد التي بنيت للعبادة والصلاة والذكر وقراءة القرآن والاعتكاف عن ملهيات الدنيا ومشغلاتها، وما يقتضيه ذلك من طلب الهدوء والسكينة فيها حتى لا يحصل التشويش على المصلين والعابدين، أو الانصراف عن عمل الخير. وأوضحت، أن المنهي عنه في هذه الأحاديث ما يكون فيه تشويش على من في المسجد، ومنافاة لما جُعِلَت المساجد لأجله؛ بحيث تكون المساجد مرتعًا للأمور الدنيوية المحضة من البيع والشراء المشتمل على المساومة والتغابن، وطلب البحث عن الحيوانات الضالة والممتلكات المفقودة، مع ما قد يكون فيه مِن جُعل مادِّي يلهي عن حضور الصلاة أو يشوش على صلاة الحضور، ونحو ذلك من المُلهيات والمشغلات، والضَّالَّةُ في اللغة: هي الحيوان الضائع، ولا تطلق على غير الحيوان، أما غير الحيوان فيقال فيه: لُقَطَة، وضائع، ولا يطلق على الضائع من الإنسان ضالة. وأضافت الدار، أن البحث عن الأطفال التائهين عن طريق النداء عليهم عبر مكبرات الصوت بالمساجد لا صلة له بالنهي الوارد في الحديث لا من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى، أما اللفظ: فإن الطفل التائه لا يُسَمَّى ضالة في لغة العرب فلا يشمله لفظ الحديث أصلًا. وأكملت: وأما المعنى: فإن النداء على الطفل والبحث عنه هو من باب حفظ النفوس من التلف، وهو أهم الكُلِّيات الشرعية الخمس، ولا شك أن صيانة المُهَج وإبقاءها مُقَدَّم على غيره من المصالح الخاصة والعامة، وإذا ضاع الطفل من أهله يجب على الناس شرعًا التكاتفُ والتعاونُ والعمل على رجوعه إليهم عن طريق أرجى الوسائل لذلك، فإن المساجد هي مجامع الناس، خاصة في القرى والبلدان الصغيرة التي يعرف الناس فيها بعضهم، فيُرجَى مِن خلال النداء عبر مكبراتها عودةُ الأطفال التائهين، فإذا تعينت المساجد طريقًا لذلك صار واجبًا؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وذلك كله من باب التعاون على البر والتقوى، وفيه مِن ثواب إغاثة الملهوف وتفريج كُرَب الناس وإعانتهم ونجدتهم ما رغَّبت إليه الشريعة وأمرت به وحثَّت عليه، لكن يُرَاعَى تطبيق ذلك بطريقة منظمة لا تشويش فيها على المصلين، ولا يجوز بحال من الأحوال لا شرعًا ولا عقلًا ولا عُرفًا أن يقال لهم: لا ردَّه الله عليكم! ومن خاطبهم بذلك فهو آثمٌ شرعًا وملومٌ عُرْفًا.