»أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض« صدق الله العظيم »النحل: 45« ذهب الفلاح الفصيح إلي مولانا السلطان يشكو إليه حاله، دخل فألقي التحية والسلام غير منحن ولا مطأطئ الرأس وإنما مرفوع الهامة مستقيم الجبهة فقال: يا مولاي السلطان، أشكو إليك وزيراً، وتعجب السلطان وتساءل: هل جننت؟.. تشكو إلي وزيراً مرة واحدة؟.. فأجاب الفصيح علي الفور: بل أشكوه مائة مرة يا مولاي السلطان، وضحك السلطان ضحكة قصيرة وقد أدرك أن الفصيح لم يفهم مراده ولكنه تغاضي عن ذلك وسأله: وماذا فعل لك وزير أيها الفصيح؟.. كادت الدموع تفيض من عينيه ولكنه تماسك بصعوبة شديدة وقال وهو ينهنه: أغلق دكاني يا مولاي وشمعه بالشمع الأحمر وقطع عنه الكهرباء والمياه، سأل السلطان: ولماذا فعل ذلك أيها الفصيح؟.. فأجاب لأنه يريد أن يهدمه يا مولاي السلطان، ولماذا يا فصيح؟.. تساءل السلطان: أجاب الفصيح: يريد أن يهدم الدكان ليبني مكانه سوبر ماركت يتربح من ورائه حراماً يا مولاي.. ولكن بما أنه لا يستطيع أن يجهر بأغراضه النكراء فقد اختلق حججاً واهية ليصبغ علي فعلته الدنيئة صفة شرعية فيخدعكم يا مولاي ويخدع الرعية.. وسأل السلطان: وبماذا احتج أيها الفصيح؟.. قال الفصيح: زعم أن دكاني يشكل خطراً علي قصر العود والدف الذي يجاوره يا مولاي.. قال السلطان: أي قصر هذا؟.. إنني لم أسمع عنه من قبل.. أوضح الفلاح: إنه قصر كان والدك السلطان الأعظم قد أمر بتشييده منذ مائة عام فقد كان والدك يرحمه الله يحب الغناء والموسيقي، قال السلطان علي الفور: إذن يجب أن يهدم دكانك.. والليلة إذا كان يشكل حقاً خطراً علي قصر أبي.. قال الفصيح: هاقد قلتها بنفسك يا مولاي يجب أن يهدم فوراً إذا كان يشكل فعلاً خطراً علي قصر الوالد المعظم، ولكن الأمر ليس كذلك يا مولاي.. إن دكاني المتواضع يلازم قصر الوالد المعظم منذ أربعة وثلاثين عاماً، والاثنان ينعمان بالهدوء والسلامة والأمن دون أن يعكر صفوهما حادثة واحدة وذلك بفضل الله ورعايته وعنايته.. سأل السلطان: وكيف احتج عليك وزير يا فصيح؟.. أقصد ما هي تلك الحجج التي زعم أنها تشكل خطراً علي قصر أبي.. أجاب الفصيح: جاءته ع الطبطاب كما يقولون يا مولاي، كانت الحجة جاهزة وعلي المقاس يا مولاي، تعلمون عظمتكم أنه حدث في ولاية وزير غير الميمونة حرائق كثيرة وانهيارات كثيرة »وشه نحس« هكذا يقول العامة يا مولاي.. حريق كان مهولاً في دار الثقافة أو الصعيد راح ضحيته أربعة وثلاثون من خيرة شباب وفقهاء السلطنة، ثم حريق في ديوان الشوري أودي بكثير من الوثائق والمستندات التي تخص السلطنة، ثم حريق في دار الفنون السلطاني وسط العاصمة التهم القبة السماوية التي كانت تعلو صالة الديوان التي كانت آية في الجمال والروعة، بالإضافة إلي عدة حرائق أخري في أماكن متفرقة من العاصمة، واحدة في قرية ليبون علي النيل والأخري في منطقة الإسعاف في قصر كان مبنياً علي الطراز الإسلامي الجميل، والثالثة في منطقة الشرابية والرابعة في سوق الجمعة، وغيرها وغيرها ودمرت هذه الحرائق عدة عشرات من البيوت ومئات من العشش كما فتكت بعشرات الجمال والخيل وعدة مغالق للأخشاب وشردت مئات المواطنين، وكانت الطامة الكبري يا مولاي عندما تسبب بإهماله الجسيم في انهيار الجبل في القلعة فأطاح بعدة عشرات من الضحايا ما بين قتيل وجريح »وشه نحس« هكذا يقول العامة يا مولاي.. وجد وزير إذن الحجة أمامه جاهزة تماماً وعلي المقاس، إنه خطر الحريق الذي يهدد الأثر العظيم قصر العود والدف، ولم يتردد وزير فأسبغ علي حريقه المتوهم حجماً هائلاً من الخطورة حتي يوهم مولاي ويوهم الرعية أنه »يا حبة عيني« حريص علي الأثر العظيم.. قصر والد عظمتكم السلطان الراحل، فصرخ وهلل وبكي وناح.. و.. وأذن الديك وصاح.. فسكت الفصيح ولم يبح بأكثر مما باح، فأراح مؤقتاً واستراح، حتي الجمعة القادمة إن شاء الله العليم الفتاح.