لا يختلف اثنان علي كفاءة ومهنية والرؤية الاستراتيجية بعيدة المدي لدي عراب ووزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر، التي تجلت في أروع صورها إبان سبعينيات القرن الماضي خلال انسحاب أمريكا من فيتنام وتوقيع فك الاشتباك الثاني بين مصر وإسرائيل بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973 طبقاً لقرار مجلس الأمن. في تلك السنوات المجيدة التقي كسينجر الرئيس السادات بطل الحرب لبحث ترتيبات «ما بعد الحرب»، وأذكر أن السادات أراد الحديث عن استعادة القدس وبحث ترتيبات السلام مستقبلاً، فطلب منه كسينجر عدم استباق الأحداث وأنه يجب أن يتحدث عن الواقع علي الأرض، وليس عن الحقوق التاريخية. لقد عاد كسينجر إلي الأضواء بعد تصريحاته الخطيرة التي نشرت مؤخراً، وأعلن حينها أن طبول الحرب علي إيران تدق الآن، ومن لا يسمع تلك الطبول يعتبر «أصم».. وقال إن ضرب إيران هو بداية الحرب العالمية الثالثة، وأن إسرائيل وأمريكا سوف تنتصران في تلك الحرب علي الصين وروسيا اللتين ستتدخلان لنجدة طهران، وشدد كسينجر علي أن هدف واشنطن وتل أبيب من تلك الحرب التي تحتل خلالها إسرائيل 7 دول عربية هو السيطرة وتأمين منابع البترول في الشرق الأوسط. انتهت تصريحات كسينجر التي أدلي بها في نوفمبر الماضي ونشرت مؤخراً لأهداف سياسية وليست خافية علي أحد، ولكن الجدل الذي أثارته لم ينته بعد، وهناك العديد من الملاحظات حول تلك التصريحات يمكن تلخيصها في الآتي: - ضرب إيران.. مسألة ليست مؤكدة، فتارة تعلن إسرائيل قيامها بالضرب منفردة وتارة بمشاركة أمريكية، والعكس صحيح أيضاً بالنسبة لواشنطن، ولكن قرب الانتخابات الأمريكية يرجح تأجيل تلك الضربة إلي العام المقبل في حال نجاح أوباما، لأنه بافتراض نجاح رومني فإنه يستبعد توريط أمريكا في حرب جديدة بسبب أزمتها المالية واستمرار نفس الأزمة في أوروبا. - تحول ضرب إيران إلي حرب عالمية ثالثة.. مشكوك منه، فنحن لو تمت تلك الضربة فالأرجح ألا تتجاوز القواعد الأمريكية في الخليج وإيران وإسرائيل، ويستبعد تورط الصين وروسيا فيها، لأنه قياساً علي ذلك لم تتورط روسيا في الحرب ضد الناتو، عند ضرب صربيا في عام 1998 رغم العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين صربيا وروسيا بحكم العرق السلافي الواحد الذي يربطهما، فهما أبناء عمومة واحدة، أيضاً انتصار أمريكا في تلك الحرب مشكوك فيه، بعد هزيمتها في العراق وأفغانستان، قد يتم تدمير المشروع النووي الإيراني فعلاً ولكن الثمن سيكون فادحاً، لأن المهم ليس من يبدأ الحرب، إنما من يقدر علي إيقافها، تماماً كما نجح هتلر في غزو شرق أوروبا في بداية الحرب العالمية الثانية، واحتل فرنسا وغزا روسيا وضرب لندن بالقنابل، إلا أن نتيجة الحرب انقلبت تماماً بعد دخول أمريكا الحرب، مما أدي إلي هزيمة هتلر وتقسيم ألمانيا. - احتلال إسرائيل 7 دول عربية، قمة العبث السياسي والفنتازيا التاريخية.. هل نسينا ماذا فعل حزب الله في إسرائيل في حرب 2006؟.. هل نسينا هزيمة اللواء الإسرائيلي علي يد مقاتلي حزب الله؟.. حتي إن كاتباً إسرائيلياً قال: إن حزب الله وإسرائيل مثل «توم وجيري» القوي والغبي.. سكت دهراً ونطق كفراً.