معادلة غريبة وعجيبة عندما يعلن مسئولو هيئة السلع الغذائية، أن أزمة نقص القمح تهدد بكارثة في توفير رغيف الخبز لأكثر من ثلاثة وثمانين مليون مصري بالداخل طبقاً لآخر احصائية لجهاز الاحصاء.. العجيب والغرابة هي الرفض المتعمد من الحكومة لاستلام القمح المنتج محلياً من الفلاحين الذين أفاء الله عليهم بزيادة في الإنتاجية هذا العام، واستعدادهم للقيام باستيراد الفرق بين الإنتاجية والاستهلاك من الخارج.. وقد أشرت في آراء سابقة هنا إلي أن الحكومة تعللت برفض استلام القمح الزائد هذا العام بحجة عدم وجود صوامع تخزين، في الوقت الذي تجهز فيه الصوامع لخدمة مافيا استيراد القمح!! ويبدو أن هناك اتفاقاً بين بنوك التنمية المكلفة باستلام القمح وهيئة السلع الغذائية، لتوفير الرعاية الكاملة لمافيا الاستيراد الكامل من الخارج، ويبدو أن هناك اتفاقاً آخر بين هيئة السلع وآخرين في مراكز البحوث الزراعية والوزارة، للحد من زيادة إنتاج القمح.. وإلا فما معني أن كل مصري وطني حر يحلم بتحقيق ذاتي للقمح، وهناك من العقبات والعراقيل الكثير لمنع زيادة الإنتاج.. والواضح والظاهر أن هناك يداً طولي تقوم بحرب شعواء ضد قضية توفير القمح المحلي، والاكتفاء فقط بالاستيراد الذي يستنزف الدولة مادياً ويخدم مصالح المافيا فقط. مؤخراً استمعت لبعض الاخوة المزارعين الذين أحزنوني بقولهم انهم فوجئوا بزيادة في إنتاجهم من القمح واضطروا إلي تقديمها علفاً للمواشي بعد رفض الشون استلامها منهم، والمعروف أن الفلاح يستقطع كمية استهلاكه من القمح تكفيه لمدة سنة حتي الموسم القادم.. والكميات التي تزيد علي حاجته لم يجد مفرًا من بيعها علفاً للماشية.. يتم هذا بالتزامن مع إعلان الحكومة أنها اتفقت علي استيراد كميات من القمح، المنطق غريب ويدعو إلي الحسرة والأسي والعقل كان يحتم أولاً حصر الكميات المنتجة محلياً وحساب الفرق بين المنتج والمستهلك للبحث عن الاستيراد.. لكن ما يحدث هو أن المافيا تصر علي ألا يكون في مصر حبة قمح واحدة لزيادة الكميات المستوردة من الخارج لتحقيق أكبر مكسب مادي علي حساب الدولة التي تضيع أموالها في جلب القمح المستورد، وعلي صحة المواطنين الذين اعتادوا تناول الخبز المخلوط بالسوس وخلافه من الحشرات، وهي قضية أخري تستحق البحث فيها، خاصة أن نوعية القمح المستورد لا يرضي بائعوه استخدامه علفاً للحيوانات!! في مصر الثورة يجب تصحيح كل هذه المفاهيم الخاطئة، وهذه الازدواجية التي عانت منها البلاد علي مدار عقود طويلة، وتسببت في خدمة المافيا المستوردة للقمح خاصة لو علمنا أن الحكومة تسند عمليات الاستيراد للتجار وشركات خاصة ولا تقوم هي بنفسها بالاستيراد.. فمتي يتم تصحيح كل هذه المفاهيم الخاطئة، فالثورة المصرية جاءت لتصحيح كل شيء، وأري أن أهم قضية يمكن أن تتبناها الدولة هي قضية القمح.. ولذلك أقترح علي حكومة الدكتور هشام قنديل أن تقوم بإنشاء هيئة قومية للقمح، لا تكون تابعة لأية وزارة وتكون لها استقلاليتها وتقوم بتشجيع زراعة القمح، وتتولي هي بنفسها عملية استيراد القمح لسد الفرق بين المنتج والمستهلك.. وهذا استكمال للرأي الذي طرحته قبل ذلك علي الدكتور قنديل لو أراد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه. الهيئة القومية للقمح، باتت ضرورة ملحة الآن في مثل ظروفنا بمصر، وتكون من مهامها الإشراف الكامل علي زراعة القمح وتوفير احتياجات المزارعين واستلام المنتج منهم بالأسعار العالمية حتي الوصول إلي حد الاكتفاء، وخلال هذه الفترة تقوم الهيئة بنفسها بالاستيراد للكميات الناقصة لسد احتياجات الناس، ويشرط ألا تسند الهيئة المقترحة الاستيراد لآخرين للقضاء علي المافيا، وساعتها سيتم استيراد القمح العالي من البروتين والخالي من السوس والحشرات الذي ترفضه المواشي، وأعتقد أن إنشاء هيئة القمح أهم قضية يمكن أن تشغل بال الدولة الآن، بدلاً من الصراع السياسي الذي يساعد في خراب مصر، ولا يوجد أي مانع أو عقبات تحول دون إنشاء هذه الهيئة المقترحة وتكون تبعيتها لمؤسسة الرئاسة مباشرة، فهل تقدر الحكومة علي اتخاذ هذا القرار.. أم أن المافيا تمنع هذا الاقتراح؟!!