يبدو أن الفساد الذي أصاب قطاع الصحة خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، لن ينتهي قريباً.. فالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية، وهي إحدي هيئات القطاع الصحي، أصبحت بؤرة للفساد والمفسدين. وكشفت «الوفد» في تحقيقات سابقة، تمرير مستحضرات مضادات السرطان، واعتمادها دون خضوعها للرقابة.. وأيضاً تمرير مستحضرات غير مطابقة للمواصفات، واعتمادها في السوق. كما حصلت «الوفد» علي مستندات جديدة، حيث بلغ إجمالي الأموال المهدرة بالهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية خلال 5 أشهر فقط (من يوليو حتي نوفمبر 2011) نحو 3.1 مليون جنيه، تم إنفاقها بمعرفة رئيس الهيئة، بالمخالفة لأحكام قانون الموازنة العامة للدولة، وطبقاً لتقرير حديث للجهاز المركزي للمحاسبات. أكد التقرير قيام رئيس الهيئة بصرف حوالي 90 ألف جنيه بنسبة 16% من حصيلة إيرادات العينات المستعجلة، كمكافآت للقائمين علي العينات في شعب الهيئة المختلفة، وهو ما يخالف قانون الموازنة العامة للدولة، والذي يجرم تخصيص أي مبالغ من متحصلات المصاريف الإدارية التي تتقاضاها الهيئة نظير قيامها بأداء خدماتها. وعلي الرغم من تجريم القانون ذلك، إلا أن رئيس الهيئة الدكتور أسامة عبدالستار قام بتخصيص 1% من قيمة دخل العينات، وثم قام برفعها إلي 6% ثم 8 و24% حتي وصلت تلك النسبة إلي 58% وهو ما اضطر معه رئيس الهيئة إلي توصية العاملين بعدم ذكر مصطلح العينات المستعجلة عند طلب المكأفاة! ولم يكتف رئيس الهيئة بتخصيص مكافآت غير مشروعة للقائمين علي العينات.. بل هناك 1.6 مليون جنيه مصروفات خاصة برسوم تحليل العينات، وتسجيل المستحضرات الحيوية - حسب ما ورد بنص التقرير - لم تلتزم الهيئة بتوريدها في موعدها الملزمة بتوريدها إلي البنك المركزي، أو الخزينة العامة في نهاية كل أسبوع. ورصد جهاز المحاسبات تأخر الهيئة في توريدها، كما أن الهيئة لم تلتزم بتحصيلها في مكانها بفرع الهيئة بالهرم، ونفذت ذلك بفرع الهيئة بالعجوزة. ويتم إرسال الأموال بصورة يومية إلي الهرم، مما يعرضها إلي مخاطر، خاصة في ظل الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد حسبما جاء في التقرير. كما يتم تحصيل تلك المبالغ دون تاريخ لإيصالات الاستلام، بما يعني ضعف الرقابة علي أموال الدولة. ورصد التقرير ازدواجية الصرف في الهيئة.. فنحو 165 ألف جنيه تم صرف 65 ألفاً منها لرفع القدرة الكهربائية في مباني الهيئة، لتفادي حدوث أحمال زائدة تؤدي إلي انقطاع التيار. وتم تسجيل هذا المبلغ ضمن الباب السادس، علي الرغم من كونها من اختصاصات الباب السادس، وهو ما ترتب عليه ظهور المبلغ المنصرف في البابين علي غير الحقيقة، حتي إن التقرير طالب بضرورة خصم المبلغ من الباب الثاني للمصروفات بالهيئة واستبعاد نفس القيمة من مصروفات الباب السادس، وهو ما تكرر أيضاً مع مبلغ 100 ألف جنيه تم إنفاقها طبقاً للباب الثاني أيضاً، وكذلك مبلغ 55 ألف جنيه بشأن قطع غيار ومواد صيانة. ورصد التقرير أيضاً، تأخر الإجراءات المخزنية لأصناف دوائية بحوالي 1.1 مليون جنيه، حيث إن نص القانون يمهل الهيئة 4 أسابيع لإنهاء إجراءات المخازن، إذا ما تم إرسال عينات للتحليل. لكن التقرير أكد تأخر تلك الإجراءات، حتي وصلت إلي ما يقرب من 5 أشهر، بالمخالفة لأحكام اللائحة المالية للموازنة والحسابات. ولأن الصرف يتم في الهيئة دون رقابة، وحسب مزاج رئيس الهيئة، فإن عبدالستار رفض رداً من وزارة المالية التي أوصت منتصف مايو من العام الماضي، بضرورة رجوع الهيئة إلي وزارة التخطيط لاختصاصها في الإفادة بشأن صرف مبلغ 94 ألف جنيه كتعويض للعاملين بالهيئة عن جهودهم غير العادية للإشراف علي مشروع «مركز الدراسات التطبيقية لبحوث النباتات»، ومشروع بحوث الرقابة الدوائية بالباب الأول تعويضات العاملين بموازنة الهيئة عن عام 2010/2011. ومع رفض «المالية» صرف المبالغ المحددة، جاء رفض آخر من إيمان عزب مدير عام الشئون المالية والإدارية بالهيئة، بأنه لا يجوز صرف مكافآت إشراف تحت بند (جهود غير عادية) لأنه سيكون بمثابة ازدواجية للصرف. وحذرت إيمان عزب في مذكرتها الموقعة منها ومن مديرة عام إدارة الموازنة بالهيئة من تعرضه للمساءلة. وأضافت: أنه لا يوجد بند في مجلد الموازنة يخصص للإشراف علي المشاريع، وأوصت في نهاية المذكرة باعتبار الموضوع كأن لم يكن طبقاً لتلك المبررات. وأمام رفض وزارة المالية والشئون المالية والإدارية بالهيئة، لجأ «عبدالستار» إلي لجنة التخطيط والمتابعة بالهيئة، برئاسة سهير عطية محمود، للتحايل علي الرفض، حيث أجازت له الصرف، مستندة في ذلك إلي موازنة عام 2005! وعلي الفور قام رئيس الهيئة بصرف المكافآت بتأشيرة منه، بدعوي أن المشاريع مازالت قائمة، وتم الصرف بأثر رجعي. الغريب أن الصرف تضمن في أحد بنوده صرف مكافأة مالية من شهر يوليو 2011 حتي مايو 2012 لمصطفي فاضل كمدير إدارة للمشتريات بالهيئة، علي الرغم من أن قرار تكليفه صدر في يناير 2012. وأمام إصرار «عبدالستار» علي مخالفة قرار المالية، وبعد استقالة إيمان عزب مديرة الشئون المالية والإدارية بالهيئة، كانت مكافاة «عبدالستار» لمديرة إدارة التخطيط، بتوليها منصب مدير عام الشئون المالية والإدارية، بالإضافة إلي مهمتها بإدارة التخطيط، وهو ما يجعلها تجمع بين منصبين رئيسيين بالهيئة بالمخالفة للقانون. ولأن الدارج في مصر كثرة اللجان، فإن رئيس الهيئة القومية للرقابة والبحوث الدوائية لم يترك شيئاً بالهيئة، إلا وشكل له لجنة. فقام بتشيكل لجان عديدة وصل عددها لأكثر من 40 لجنة، ووضع نفسه علي رأس كل تلك اللجان، ليتقاضي بدلات حضورها، ومنها لجنة الصحة والسلامة المهنية ولجنة وضع نظام التسجيل الموحد ctd، ولجنة التكافل الاجتماعي، ولجنة التظلمات، واجتماعات لجنة الصندوق، ولجنة التسجيل، ومجلس إدارة صندوق تحسين الخدمة، ودعم البحوث المشتركة، ولجنة العلاج، ولجنة مراجعة واعتماد التقارير النهائية، واللجنة الفنية للعينات المستوردة، ولجنة فحص المواد الخام، ولجنة الإدارة العليا لمراجعة نظام الجودة، بالإضافة إلي اجتماعات لجنة رؤساء الشعب العامة، ولجنة البحوث المشتركة «فايزر مصر»، وتترواح مكافآت وبدلات الحضور من 200 إلي 500 جنيه في الجلسة. كما وضع «عبدالستار» نفسه علي رأس المستحقين لمكافأة مشروع الكواشف التشخيصية، التي تقدر بعشرة آلاف جنيه. الغريب هو وجود اسم الدكتور أيمن الخطيب مساعد وزير الصحة للشئون الصيدلية السابق في اجتماعات مجلس إدارة الهيئة واجتماعات مجلس الصندوق.