أيام ترحل وماضٍ يبتعد.. وتظل الذكريات قصصًا صامتة.. وأحداثًا تنطوى.. وحوادث تمضى.. إلا أنها تترك فينا أثرًا لا يزول.. ففى حياتنا ذكريات لا تُنسى مهما مر عليها الزمان. تبحث «الوفد» فى ذكريات رجال القضاء والشرطة جرائم تركت بصمات بارزة فى سجل الماضى.. وفى كل أسبوع نسرد جريمة من ذكرياتهم. الزمان: أغسطس 1998 المكان: ساحل طهطا الجريمة: قتل بالسم (قتيل داخل الشنطة) العميد طارق عيسى – رئيس مباحث بنى سويف– يروى لنا جريمة فى ذاكرته وقعت أحداثها منذ أكثر من عشر سنوات فى قرية الساحل التابعة لمركز طهطا، وما زالت عالقة فى ذهنه لأنها توافقت مع المقولة الشهيرة بأن الجريمة لا تفيد، وتطابقت مع قول الله عز وجل «إن ربك لبالمرصاد». ففى شهر أغسطس من عام 1998، عندما كنت رئيسا لوحدة مباحث قسم طهطا، تلقينا بلاغا من أهالى قرية الساحل التابعة لمركز طهطا، بالعثور على جثة رجل موضوعة داخل شنطة بترعة القرية فى العقد السادس من عمره وشبه متحللة، أى غير واضحة المعالم، فقمنا بتحرير محضر بالواقعة، وأخطرنا النيابة العامة التى أمرت بتشريحها لبيان سبب الوفاة، وتولت التحقيق بإشراف المستشار أحمد الشريف مدير النيابة العامة بطهطا. وكانت المهمة شاقة نظرا لأن القتيل لم يكن معروفا لدى أهالى المنطقة، كما أنه لم يكن هناك يوميات غياب محررة لأشخاص تتطابق بصماتها مع هذا الشخص، واستمر هذا لأكثر من أسبوع فى البحث المتواصل لمعرفة هوية الرجل القتيل، وشاءت إرادة الله تعالى ألا تضيع دماؤه هدراً، فقد همس فى أذنى أحد المصادر السرية بأن شخصا يدعى فايز، 55 سنة، صاحب محل بويات متغيب عن المنطقة منذ أكثر من شهر، وبسؤال زوجته مريم، 26 سنة، حاصلة على مؤهل متوسط أكدت أن زوجها فى مدينة بورسعيد بسبب عمله فى التجارة، فاصطحبناها إلى قسم الشرطة وعرضنا عليها بعض ملابسه، فأصيبت بحالة ذهول، ليس من هول المنظر ولكن كأنها تتعجب من كيفية العثور عليها ولكن حاولت أن تتمالك وتخبرنا بأنها لا تخص زوجها، فقمنا بمواجهتها بما توصلت إليه تحرياتنا، وأنها على علاقة آثمة مع ابن شقيقة زوجها المدعو وائل 32 سنة نقاش، فانهارت واعترفت بأنها وضعت السم فى العصير لزوجها، وبعد أن غاب عن الوعى، جاء العشيق وحمل الجثة ليلاً، وألقاها فى الترعة حتى يخلو لهما الجو ويتمكنا من الزواج وقمنا بالقبض على العشيق القاتل وحاول الإنكار، ولكن واجهناه بأقوال عشيقته، فاعترف وقام هو الزوجة بتمثيل الجريمة أمام النيابة العامة، فأمرت بحبسهما على ذمة التحقيق، وأحالتهما محبوسين إلى محكمة جنايات سوهاج، فقضت بإعدامهما شنقاً، ثم تقدم دفاعهما للطعن على الحكم أمام محكمة النقض، التى رأت أن هناك فساداً فى الاستدلال وقصوراً فى التسبيب وإخلالاً بحق الدفاع، ما يوجب نقض الحكم، وإعادة محاكمتهما أمام دائرة أخرى، فقضت الدائرة الجديدة عليهما بالسجن المؤبد، وما زالا خلف الأسوار يترقبان بصيص أمل للخروج قبل أن يموتا فى غياهب السجون.