كثرة الذكر لله من الاعمال التى يحبها الله سبحانه وتعالى و الثَّرْثَرَةُ مِنْ أسْبَابِ قَسْوَةِ القَلْبِ: وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي". وإنما كان الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب لأن القلب لا يلين إلا بذكر الله تعالى كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.[4]. فذكر الله تعالى هو غذاء القلب، ومصدر قوته، وترياقه الشافي له من الشهوات والشبهات، وبل هو حياة القلب، فإذا انقطع ذلك عنه ضعف القلب وتمكنت منه أمراض الشهوات والشبهات فقسى، فاستحق البعد عن رحمة الله تعالى، أعاذنا الله من الخزي والخذلان. من أسباب الحسرة يوم القيامة أن يجلس العبد مجلسا ثم يقوم ولم يذكر الله تعالى فيه، ولو لم يكن فيه شئ من الكلام الحرام، فكيف الحال إذا كان المجلس كله خوض في الباطل، أو وقوع في الغيبة والنميمة والبهتان، والسخرية والاستهزاء نسأل الله تعالى السلامة. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ رَأَوْهُ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ".[16]. وكما لا يجوز الخوض في الباطل لا يجوز سماع الباطل، ومجالسة من يخوض فيه، فإن المستمع شريك المتكلم. قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.[17] قال أبو حيان: حكم تعالى بأنهم إذا قعدوا معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها، وهم قادرون على الإنكار مثلهم في الكفر، لأنهم يكونون راضين بالكفر، والرضا بالكفر كفر. والخطاب في أنكم على الخلاف السابق أهو للمنافقين؟ أم للمؤمنين؟ ولم يحكم تعالى على المسلمين الذين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين بمكة بأنهم مثل المشركين، لعجز المسلمين إذ ذاك عن الإنكار بخلاف المدينة، فإن الإسلام كان الغالب فيها والأعلى، فهم قادرون على الإنكار، والسامع للذم شريك للقائل. من أسباب دخول النار عياذًا بالله أن يخوض العبد مع الخائضين، فإذا تكلموا في الدنيا تكلم معهم، وإذا ولغوا في أعراض الناس ولغ معهم، وإذا سخروا واستهزؤوا سخر واستهزأ معهم، وإذا خاضوا في آيات الله تعالى خاض معهم، فاستحقوا بذلك النار؛ لأن هذه صفات المجرمين. قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾.[18] قال الطبري رحمه الله: أي وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه. وقال ابن كثير رحمه الله: أي نتكلم فيما لا نعلم. وقال قتادة رحمه الله: كلما غوي غاو غوينا معه.