بالرغم من مرور آلاف السنين على بداية ظهور الحضارة المصرية، إلا أنها لاتزال تحتفظ تلك الحضارة بأسرار عميقة وكثيرة من بينها صناعة الألباستر التي ورث الأحفاد في الأقصر أسرارها عن الأجداد. ففي جبال الأقصر، تتوافر أحجار الألباستر التي يستخدمها أصحاب الورش الكائنة بغرب المدينة في تقليد التحف الفرعونية، ورغم بدائية الأدوات المستخدمة في تلك الحرفة إلا أن أبناء المدينة ممن تشربوا سر الصنعة يستطيعون تطويع الحجر وتشكيله بسهولة، ليٌنتجون منه إنتيكات ومزهريات وتماثيل مختلفة الألوان والأحجام، تضاهي تلك التماثيل الضخمة الشامخة بالمعابد فتٌبهر زائري المدينة الذين أتوا من مختلف دول العالم. المراحل التي يمر بها حجر المرمر لتحويله إلى تحف غاية في الجمال، تبدأ من الجبل، حيث يتم استحضار كتل ضخمة من أحجار المرمر بواسطة الجمال والحمير ثم يتم تقطيعها ونشرها إلى الأحجام المطلوبة حسب كل شكل. ورغم بساطة الأدوات التي ينحت بها الحرفي المرمر، لكن تخرج القطع في نهاية المطاف بمنتهى الدقة والروعة، بعد عملية مرهقة استغرقت وقتًا لدى الحرفي، لكنه لايبخل بوقته فهو محنك في تفصيلها ويدرك تمامًا أنها حرفة تتطلب الصبر. محمد أحمد والشهير ب"توت"، هو مسؤول أحد ورش الألباستر بالبر الغربي، يقول إنه بعد نشر كتل المرمر إلى أجزاء حسب الشكل المرغوب، يتم لفها بالغراء وتركها في الشمس حتى تتحول لدرجة أعلى في الصلابة ليأتي بعدها دور المبرد ذا الأحجام المتعددة لتجهيز القطعة الحجرية إلى النحت، ثم يأخذ الإزميل دوره في تشكيل القطعة، وبعدها توضع القطع بالفرن ويتم تغطيتها بالشمع، هكذا أصبحت التحف جاهزة للعرض. متعددة هي الأحجار المستخدمة في صناعة التحف والمزهريات والتماثيل، يقول "توت" هناك الحجر الجيري والبازلت والهامر، ولكل منهم استخدامه حسب المطلوب تصنيعه مابين تماثيل أو توابيت وتحف ولوحات. ويوضح كبير النحاتين بورش صناعة الألباستر غربي الأقصر، حسني محمد، أن الألباستر منه تصنيع آلي ومنه اليدوي، لكن الأخير يتميز بخفة وزنه مقارنة بالأول وهو مرغوب لدى السياح ويقبلون على شرائه. في القرنة غربي المدينة لم يكن الحرفيون فنانين في النحت فقط بل في الرسم ايضا، فحتى اللوحات من الحجر الجيري ينقشون عليها مشاهد من الحياة المصرية القديمة ويزخرفونها بألوان تعكس طبيعة الحياة فهي أقرب إلى ألوان المقابر الكائنة غربي المدينة.