نقيب الصحفيين يوجه رسالة إلى الجمعية العمومية بشأن تأخر زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا    ارتفاع ملحوظ للبتلو، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    نواف سلام: العمل جار لحماية لبنان من الانجرار إلى أي مغامرة جديدة    باير ليفركوزن يخسر من شباب فلامنجو البرازيلي بخماسية في الظهور الأول ل تين هاج    درجة الحرارة غدا السبت في مصر    أمطار اليمن والإمارات وفيضانات باكستان حديث السوشيال ميديا    أنغام تفتتح مهرجان العلمين وتقدم باقة من أبرز أغانيها    8 نصائح للوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا وتعزيز المناعة    اقتربت العودة.. فليك يرغب في ضم تياجو ألكانتارا لجهاز برشلونة الفني    نتائج ألعاب القوى تتلألأ في البطولة الأفريقية بنيجيريا    محمد صلاح: أنا أعظم لاعب أفريقي.. ولقب دوري أبطال أوروبا الأغلى    الحزب العربى الناصرى: العلاقة المصرية السعودية عصيّة على التشكيك    الرئاسة السورية: نتابع بقلق بالغ ما يجرى من أحداث دامية فى الجنوب السورى    تفاصيل سقوط كوبرى مشاة على طريق القاهرة الإسكندرية الزراعى.. فيديو    قطر والإمارات والكويت ترفض مخطط إسرائيل لتغيير وضع الحرم الإبراهيمي    عبد الله عمرو مصطفى يطرح أولى تجاربه فى عالم الغناء only you    افتتاح مهرجان الأوبرا الصيفى على المسرح المكشوف    إعلام إسرائيلى: نتنياهو أبلغ الكابينت بضرورة المرونة لأن ترامب يريد اتفاقا    "اللعب في الدماغ".. وثائقى ل"المتحدة" يرد على خرافة بناء الكائنات الفضائية للأهرامات    عبد السند يمامة عن استشهاده بآية قرآنية: قصدت من «وفدا» الدعاء.. وهذا سبب هجوم الإخوان ضدي    فوز فريقين من طلاب جامعة دمنهور بالمركز الأول فى "Health Care" و "Education Technology"    ريال مدريد يرفع درجة الاستعداد: معسكر تكتيكي مكثف.. صفقات قوية.. وتحديات في روزنامة الليجا (تقرير)    تين هاج يغلق الباب أمام انضمام أنتوني إلى ليفركوزن    تراجع طفيف للأسهم الأمريكية في تعاملات الظهيرة    انتخابات الشيوخ 2025.. حزب العدل يطلق حملة لدعم مرشحيه في القاهرة الكبرى    شقق بنك التعمير والإسكان 2025.. احجز وحدتك بالتقسيط حتى 10 سنوات    لف ودوران    نصر أبو زيد.. رجل من زمن الحداثة    حسام حبيب يتعرض لكسر في القدم قبل أول حفل رسمي له بالسعودية    اشتعال النيران في سيارة بشارع 45 شرق الإسكندرية    قوات الإنقاذ النهري وغواصين الخير يبحثون عن شاب غرق بشاطئ كناري في الإسكندرية    مفاجأة في واقعة مصرع 5 أشقاء بالمنيا.. الأب يعاني في المستشفى وابنته الأخيرة نفس الأعراض    «قراءة القراءة في مصر».. ندوة على هامش معرض مكتبة الإسكندرية للكتاب    أعقبته عدة هزات.. زلزال يضرب نابولي بإيطاليا    فحص 1250 مواطنا ضمن قوافل مبادرة حياة كريمة الطبية فى دمياط    هل مساعدة الزوجة لزوجها ماليا تعتبر صدقة؟.. أمين الفتوى يجيب    اتفاقية بين مصر وأمريكا لمنح درجات الماجستير    الصحة: حملة تفتيشية على المنشآت الطبية الخاصة بغرب النوبارية بالبحيرة للتأكد من استيفائها للاشتراطات الصحية    المبعوث الأممي إلى سوريا يدعو لوقف الانتهاكات الإسرائيلية فورا    براتب 10000 جنيه.. «العمل» تعلن عن 90 وظيفة في مجال المطاعم    حزب مصر أكتوبر: العلاقات "المصرية السعودية" تستند إلى تاريخ طويل من المصير المشترك    الهيئة الوطنية تعلن القائمة النهائية لمرشحي الفردي ب"الشيوخ" 2025 عن دائرة الإسكندرية    جهاز تنمية المشروعات ينفذ خطة طموحة لتطوير الخدمات التدريبية للعملاء والموظفين    فتح طريق الأوتوستراد بعد انتهاء أعمال الإصلاح وعودة المرور لطبيعته    وزير الأوقاف ومفتي الجمهورية ومحافظ كفر الشيخ يفتتحون المرحلة الأولى من تطوير مسجد إبراهيم الدسوقي    مصرع عامل في حريق اندلع داخل 3 مطاعم بمدينة الخصوص    بعد تصريحه «الوفد مذكور في القرآن».. عبدالسند يمامة: ما قصدته اللفظ وليس الحزب    سد النهضة وتحقيق التنمية والسلم الأفريقي أبرز نشاط الرئيس الأسبوعي    وزير الخارجية يواصل اتصالاته لخفض التصعيد بين إيران وإسرائيل وتفعيل المسار الدبلوماسي    نصر أبو الحسن وعلاء عبد العال يقدمون واجب العزاء في وفاة ميمي عبد الرازق (صور)    الرعاية الصحية وهواوي تطلقان أول تطبيق ميداني لتقنيات الجيل الخامس بمجمع السويس الطبي    قبل ترويجها للسوق السوداء.. ضبط 4 طن من الدقيق الأبيض والبلدي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 18-7-2025 في محافظة قنا    «أمن المنافذ» يضبط قضيتي تهريب ويحرر 2460 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فشكراً أشرف!?    انخفاض أسعار الذهب الفورية اليوم الجمعة 18-7-2025    الهاني سليمان: الأهلي لا تضمنه حتى تدخل غرف الملابس.. والزمالك أحيانا يرمي "الفوطة"    هل تعد المرأة زانية إذا خلعت زوجها؟ د. سعد الهلالي يحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"الوفد‮" داخل بيت الرعب ببنغازي
نشر في الوفد يوم 22 - 03 - 2011



حذار ان تمر الي جوار هذه البناية‮..‬فالشوارع المجاورة خالية طوال الايام من المارة‮ .‬لا وجود للافتة تحذيرية تفيد بعدم الاقتراب،‮ انما هو ميراث لبضعة وأربعين عاماً‮ من القهر‮،
‬حفرت في‮ ذاكرة مواطني‮ بنغازي‮ لافتة شديدة الصرامة‮ "‬هنا بيت الاشباح فابتعد‮ "...‬مقدار السرعة للسيارت المارة عبر الطريق الرئيسي‮ لابد وان‮ يتجاوز الخمسين ومن‮ يخالف السرعة‮ يتعرض لرصاص أبراج الحراسة التي تنتشر عبر السور الاسمنتي‮ الذي‮ يعلو الارض بستة امتار‮ .‬طبيعي‮ ان تستمع الي الاصوات التي تشبه العويل واحيانا تشبه صيحة لاشباح قادمة من جوف الارض‮ ,‬هي‮ بالفعل صيحات لكنها لافراد‮ يقطنون زنازين لايعلمها الا الله‮.. ويرددها صدي‮ البحر والذي‮ تحول بفضل قادة المكان الي مقبرة تأوي‮ جثث من خرجوا من المكان‮ .‬إذا سمعت الصوت فلا تلفت‮ يمينا أو‮ يسارا‮ تستطيع فقط ان تتمتم ببعض الايات مما ترسله الذاكرة ؛شريطة ان تكون التمتمة في‮ صمت‮ . البناية تشق وسط المدينة كمعلم جغرافي‮ يقف بجبروته امام الجميع ليؤكد تيمة دلالية واحدة‮ "‬نحن هنا فاحذر ان تهمس‮ "‬
علي مساحة تزيد علي‮ ال60‮ فداناً‮ وبوسط المدينة الثانية لجماهيرية العقيد ملك ملوك افريقيا،‮ تقطن البناية الاسمنتية‮ .‬تعلو اسوارها ابراج الحراسة التي تطل من فتحاتها بنادق الحراس لا وجوههم‮ .‬فمن‮ يعملون بالداخل ليسوا معروفين لاهل المدينة‮ ,,‬فربما كان سائق التاكسي‮ الذي‮ تركب معه هو احد القادة الذي‮ تخفي‮ للاطمئنان علي أحوال القوم ومراقبة تصرفاتهم‮ ....‬
حذار ان تتكلم في‮ شخص العقيد الاخ القائد‮ ...‬حذار ان تتكلم في‮ امور الدولة‮ ..‬كل من سبقوك وباحوا حتي‮ لزوجاتهم في‮ لحظات العناق‮ ,‬اقتادوهم الي هنا‮ ,,‬ولم‮ يعلم عنهم أحد‮ ,,‬اطلق حكماء المدينة مقولة رددتها اجيال كثيرة‮ " الداخل هنا مغضوب عليه من فاطر السماء‮ "..‬
هنا وداخل هذه البناية ازهقت ارواح لا حصر لها ولا مخلوق‮ يستطيع ان‮ يتنبأ بتعدادها‮ ,‬وهنا أيضا كانت أولي‮ القطرات لدماء شباب بنغازي‮ الذين فخخوا انفسهم لتحطيم اسوار اشهر المعتقلات السياسية في‮ العالم‮ "‬معسكر الفضيل بو عمر‮ "...‬من داخل بيت الرعب نرصد‮ ,‬وداخل زنازينه القديمة التي اصبحت شاهدا علي عصر ملك الملوك وعميد الحكام نلتقط اي‮ بقايا بشرية لارواح هامت هنا‮ ...‬
الفضيل بو عمر‮ ..‬
وكأن ملك ملوك افريقيا العقيد القذافي‮ يتعمد دائما تشويه الرمز الذي‮ يحمل مضمونا تاريخيا بارزا داخل التراث الليبي‮ فلم‮ يكن الفضيل بو عمر ابرز قادة الحرس الداخلي المعني‮ بحماية شخص العقيد ولا كان قائداً‮ في‮ الحرس الخارجي‮ المعني‮ بأمن الوطن الذي‮ يتربص به الاعداء‮ ..‬كان الفضيل بو عمر مجاهدا ضرب بنضاله الديني‮ والتاريخي‮ اروع الامثلة حين كان مجاورا لعمر المختار في‮ كل نضالاته ضد المحتل الايطالي‮ ,‬لدرجة ان الليبيين‮ يلقبونه بالمجاهد القرين‮ "‬أي الذي‮ رافق عمر المختار في‮ كل رحلاته وفتوحاته‮ " ويقولون ان جواد الفضيل بو عمر كان‮ يلازم جواد المجاهد المختار وكان الارتباط بينهما وثيقا حتي‮ في‮ علاقة الدواب ببعضها‮.‬
بيت الرعب‮
نجيب ابو زكريا احد السكان القريبين من معسكر الفضيل الذي‮ يتوسط المدينة‮ يبدا الكلام قائلا‮ " يكفي‮ ان اقول ان كل المساكن التي بنيت الي جوار المعسكر أجبروا سكانها علي سد منافذ التهوية‮ ,‬فالبيوت التي تمر علي اي‮ واجهة من واجهات المعسكر‮ يجب ان تكون كتلة اسمنتية صماء لانافذة فيها‮ ,,‬وظل معسكر الفضيل بو عمر فزاعة لكل من تسول له نفسه الخوض في‮ اي‮ حديث له صلة بالسياسة وجعل سكان المدينة‮ يخشون علي انفسهم من أقرب المقربين‮ "‬
وينتقل ابو زكريا الي ملمح آخر من ملامح بيت الرعب عبر وصفه لحركات القبض والنفي‮ داخل المعتقل فيقول‮ :"‬سكان المدينة والمجاورون لمعسكر الفضيل‮ يعرفون التوقيتات التي تأتي‮ فيها عربات نقل المعتقلين السياسيين فهي‮ في‮ الغالب تأتي بعد الثالثة من منتصف الليل‮ ,‬ذات مرة التقيت بسيارة منهما وانا قادم من الطريق وكان سائقها زنجياً‮ شديد الضخامة بمجرد ان التفت اليه أحسست بالفزع كون اي‮ سيارة للشرطة تمر جوار المعسكر فهي‮ تعني‮ انها محملة بمعتقلين سيكون مصيرهم بعد لحظات في‮ علم الغيب لذا التفت مسرعا دون ان أظهر دهشتي‮ ..‬يفتح الرتاج الخارجي‮ للبوابات الامامية للمعسكر ويختفي‮ معها صوت المحرك‮ ."‬
وتسأل‮ »‬الوفد‮« ابو زكريا عن مدي‮ فزع اهل بنغازي‮ من معتقل الفضيل بو عمر فيجيب‮ :"‬للاسف صار معسكر الفضيل بو عمر رمزاً‮ للتنكيل والبطش والنفي‮ واحيانا‮ يكون الموت افضل من الدخول او الاقتياد اليه لما نسمعه من اساطير التنكيل بمريدي‮ المكان‮ "‬
بينما‮ يتحدث الدكتور خليل المسماري‮ حول تاريخ معسكر الفضيل بو عمر فيروي‮ :"‬في‮ الستينيات شهدنا معسكر الفضيل بو عمر وكان في‮ عهد الملك السنوسي‮ إكاديمية للشرطة لتخريج الضباط‮ .‬معسكر الفضيل بو عمر كان مبني‮ واحدا فقط وبعد عام‮ 1969‮ ضم القذافي‮ مجموعة الفيلات الي المعسكر وتم تحويط كل الاراضي‮ المحيطة بالمعسكر بأسوار ارتفعت عن الارض في‮ البداية حوالي أربعة امتار ثم علت بعد ذلك الي ستة امتار وللأسف فإن اصحاب الارض والفيلات مثل عائلات عتلاجي‮ وبالتمر لم‮ يستطيعوا الاعتراض او التفوه بكلمة‮ ،‮ لكن شهرة المعسكر وفزعه لم ترد الي الاذهان الا بعد انتفاضة الطلبة‮ ".
الصيحة الأولي‮
‬يكمل المسماري‮ "‬وحتي‮ عام‮ 1975كان المعسكر مكاناً‮ كبيراً‮ اهمله اهل المدينة‮ فكرنا انه بداية لمشروع تعليمي‮ او مؤسسة خدمية تخدم اهل المدينة‮ .‬وفي‮ عام‮ 16‮ شهدت ليبيا انتفاضة طلابية هزت اركانها،خرج الطلاب من جامعة جاريونس والمدارس الثانوية والمعاهدالعليا في‮ تظاهرات بهدف تصحيح وضع البلاد والمطالبة باصدار دستور مدني‮ يكون قاعدة للحكم بين المواطنين والرئيس وكان التنسيق بين الطلاب ان تتضامن معهم بعثات الليبيين التعليمية في‮ الخارج‮ ،‮ وبالفعل كان عام‮ 76‮ شاهدا علي انتفاضة طلابية هزت ارجاء ليبيا وبدا السيناريو الذي‮ استخدمه القذافي‮ كالأتي‮ :‬
اولا‮ :‬توجهت قيادات الحرس البلدي‮ "‬شرطة المرافق‮ "‬وحاولت التعامل مع المتظارهين لكنها فشلت في‮ اجهاض ثورتهم فطلب القذافي‮ اخماد هذا التمرد باي‮ ثمن نتيجة وصول ثورة الطلاب الي الببضاء وتضامن فيها طلاب جامعة عمر المختار‮ .‬
ثانيا‮ :‬جاءت التوجيهات حاسمة الي قيادات الامن الداخلي بالتصدي‮ بكل قسوة‮ " لكن نظرا لان القيادات الامنية كانت تعي‮ مطالب ابنائها إضافة الي ان كل قائد‮ يعلم تمام العلم ان احد ابنائه او اقاربه مشارك في‮ التظاهرات فتعامل الامن الداخلي‮ بدون قسوة‮ .‬
وفوجئنا بكتيبة الفضيل بو عمر تخرج من اسوارها بمنتهي‮ القسوة والضراوة والبشاعة تواصل اعتقال المئات من الطلاب وتهوي‮ بالعصي‮ علي الرؤوس والاجساد وهو الموقف الذي‮ قصم ظهر المجتمع الليبي‮ بسبب نزعته الاجتماعية للقبيلة التي تري في‮ الاعتداء الجسدي‮ امتهانا لكافة افراد القبيلة‮ .‬واستشهد في‮ هذه المصادمات اعداد كبيرة،‮ لكن المفاجأة التي توالت بعد هذا وبعد‮ يومين من احداث القمع‮ . فوجئ اهالي المدينة بقدوم عبد الله السنوسي‮ والملقب بين اهالي بنغازي‮ بالسفاح ومازال قائدا من موالي القذافي‮ . وفد عبد الله السنوسي‮ الي بنغازي‮ وخرجت الكتيبة بكل رجالها تخلو وجوههم من الرحمة او اي‮ من مظاهر اللين،‮ لتأمر سكان المدينة بالتوجه الي ميدان المحكمة،‮ وكانت الفاجعة لكل الاهالي حين وجدوا ابناءهم معلقين في‮ المشانق وسط الساحات ليوم كامل والاجساد تنزف،‮ وكأن السنوسي‮ اراد توصيل رسالة مفادها انه اضحي‮ قائد المعسكر وان بطشه شديد شديد،‮ وبعد حملات المشانق الجهرية‮ .‬شهد ايضا عام‮ 1976‮ اعتقالات بالجملة لشباب جامعي‮ لم‮ يبد او‮ يظهر منهم نفر الي الآن وكأنما ابتلعتهم الارض بعد ان دخلوا الي هذا المكان‮ .‬
ونجح عبد الله السنوسي‮ في‮ مهمته وقمع ثورة الطلاب بالمنطقة الشرقية الشهيرة تاريخيا بمنطقة برقة فكانت مكافأته زواجه من اخت العقيد القائد ملك ملوك افريقيا‮ .‬
بات معسكر الفضيل بو عمر اشهر المعتقلات السياسية في‮ العصر الجديث وبات من جهة اخري مكان الحظوة واهل الثقة والواسطة فكل من‮ يرضي‮ عنه نظام القذافي‮ يأتي ليعين الي هنا‮ .‬فالهوية التي تفيد انك تعمل بالداخل قادرة علي ان تجعلك تعيش دون ان تدفع ديناراً‮ واحداً‮ كون الجميع سيسعون في‮ المقام الاول لارضائك وتجنب سخطك‮ .‬
وتوالت الاحداث فكان عام‮ 1982‮ شاهداً‮ ايضا علي مظاهرات طلابية جديدة ولكن هذه المرة داخل الحرم الجامعي‮ وكان المتصدر في‮ المشهد منذ اللحظة الاولي رجال معسكر الفضيل بو عمر ونصبوا المشانق بساحة الجامعة وحشدوا الطلاب ليشاهدوا تنفيذ الاعدام،‮ في‮ حين توجه افراد من الكتيبة لملاحقة الفارين الي طبرق واقتيادهم الي داخل المعسكر وكالعادة لم‮ يعرف عنهم شيء‮.‬
إله الخوف والوشاية
ومنذ الثمانينيات‮- والكلام للدكتور محمد سالم عميد اعلام جامعة جاريونس‮ - وحتي‮ شهر فبراير الماضي،‮ ظل معتقل الفضيل بو عمر او كتيبة الفضيل بو عمر فزاعة وإلهاً‮ للخوف،‮ وباتت الوشاية والخسة ابرز معالم المبني‮ الصخري‮ الذي‮ تصدر منه الاساطير فبات مكتوبا علي كل سكان بنغازي‮ الحرص في‮ التكلم والحديث بحذر شديد،‮ واصبح للواشي‮ مكانة بعد ان ارتفع ثمن الوشاية الي سيارة ومبلغ‮ مالي‮ يتجاوز ثلاثة آلاف دينار‮. اما مكان الوشاية فهو مبني‮ الحرس الداخلي،‮ وبدون جمع اي‮ ادلة‮ يتوجه افرد الكتيبة في‮ الليل لاقتياد الموشي‮ به الي الداخل دون علم لاحد به او التجرؤ في‮ السؤال عن المختفي‮ .‬ويكفي‮ ان تكون اي‮ ضغينة بين اي‮ مواطن ليبي‮ ثمنا للوشاية به والزج به الي الداخل‮ .‬لدرجة ان بعض المواطنين تغاضوا عن دفع الايجارات والتراخي‮ في‮ اعمالهم دون محاسبة او مساءلة كونهم من الممكن ان‮ يوشوا بك‮ .‬
تحطيم الصنم‮
ومع اندلاع ثورة شباب فبراير الماضي‮ .‬كانت الجموع تتوجه برد فعل لا ارادي‮ الي المبني‮ الذي‮ كان مقرا للارهاب والقمع والظلم وتكميم الافواه‮ .‬بمجرد ان وصلوا علي مقربة من اسواره حتي‮ لاقت اجسادهم الرصاص الذي‮ وصل الي العمارات المجاورة‮ . وفي‮ اقتحام المعتقل رواية‮ يقصها احد الشباب ويدعي‮ سليم ابو حمد قائلا‮ :"‬كل من توجه الي الاسوار اصابه الرصاص‮ ,‬لكن الشباب فوجئوا بسيارة ملاكي‮ يقودها احد سكان العمارات المجاورة ويضع فيها ثلاث اسطوانات من‮ غاز البوتجاز ويتوجه بسرعة جنونية الي المدخل لتنفجر السيارة بالابواب الحديدية وتفتح طريق الثوار،‮ إلا ان الامر كان مازال عصيا علي شباب بنغازي‮ فاحضر البعض اللوادر وقام بهدم الاسوار‮ :"‬كانوا اربعة الي جوار قائد اللودر من‮ يصاب كان‮ يواصل حتي‮ تخرج روحه ثم‮ يتولي آخر القيادة وثالث ورابع حتي‮ آخر شهيد خامس الذي‮ تلقي‮ ست رصاصات ومازالت الروح فيه وقدمه علي دواسة الهدم فهدم السور الشرقي‮ وسمح للثوار بالاقتحام،‮ وعقب الاقتحام كانت الجموع الهائجة والتي‮ خضبت وجهها بدم الشهداء تنطلق الي الداخل الامر الذي‮ جعل كل حراس الكتيبة‮ يفرون‮ .
اما عبد العزيز مهدي‮ احد المصابين الذين اقتحموا كتيبة الفضيل بو عمر فيحكي‮ عن الاصوات التي سمعوها من تحت الارض وكانوا‮ يتوجهون عبر معدات الهدم للحفر في‮ الارض للتلاقي‮ مع اصحاب الاستغاثات التي سمعوها،‮ واخرجوا ثلاثة رجال في‮ حالة هيسترية من الفزع والدهشة بينما لاقي‮ أحد المعتقلين ربه أثناء الاقتحام برصاص الحرس‮ ...‬
العالم السفلي‮ لمعتقل الفضيل‮
بمجرد ان تدخل هنا وتتجول عبر المساحات الشاسعة من الاراضي‮ تشعر وكانك امام عالم واسع من الفضاء الذي‮ تنتشر فيه ابراج الحراسة‮ .‬والعديد من السراديب التي تؤدي‮ الي‮ غرف اغلبها تم حرقه فلم تعد هناك معالم تدل علي ماهية هذه الغرفة‮ .‬ثم وجدت ضالتي‮ عبر ممر اجتزته الي نهايته فاخرجني‮ الي مساحة صحراوية علي هيئة مربع بها منافذ للتهوية العلوية‮ .‬قرابة ثلاثة منافذ فقط وبجوار كل نافذة برج حراسة‮ .‬
بينما باب علوي‮ علي هيئة ابواب الخزينة الحديدية السميكة‮ يكون بوابة الدخول الي العالم السفلي‮ .‬ممرنا من الباب الحديد الذي‮ يبلغ‮ طوله قرابة‮ 110‮ سم فقط وعرض‮ يتجاوز ال80‮ مترا بقليل،‮ بمجرد الدخول تكون امامك قرابة‮ 30‮ درجة من درج السلم‮ .‬يسارا تدلف الي مجموعة من الغرف مساحة الغرفة‮ تقارب‮ 3‮ أمتار في‮ 4‮ أمتار‮.‬
تحاول الوفد رصد اي‮ ملامح لوجود بشري‮ هنا او معلم‮ يدل علي ان بشرا تنفسوا هنا في‮ الاسفل عبر فتحات للتهوية ترتفع عن سطح ارضية الزنزانة بحوالي متر و60‮ سم‮ .‬نلحظ كتابات بخط اليد بعضها مطموس وآخر فات عليه الكثير لكننا نتوقف عند واحدة،‮ أظنها كانت اسيرة بسجن ملك الملوك تقول جملتها‮ -‬بلا تحريف مني‮ - "‬أصبح الصبح فلا السجن ولا السجان باق‮ " واخري تحمل اسم رانية البرغثي‮ تدون اسمها ولا اعلم الهدف من تدوين لاسم علي جدار زنزانة‮ .‬الحق اننا لم نستطع احصاء الغرف والزنازن من كثرة ما شهدناه من مداخل تقود الي مداخل تقود تفريعات فمرة تبقيك تحت سطح الارض ومرة اخري تلفظك علي السطح الا ان الغالب ان اغوار هذا المعتقل تتكشف عبر دليل‮ يجيد التنقل بتعرجاته‮ .‬
جزاء سنمار‮
ومثلما فعل القذافي‮ مع ثورة الطلاب في‮ العام‮ 1976‮ كرر فعلته بانتداب السفاح‮ - بحد تسمية سكان بنغازي‮- عبد الله السنوسي‮ بهدف انقاذ قلعة القمع واكبر معتقلات القذافي‮ فاوفده مع ابنه السعدي‮ القذافي‮ لانقاذ الكتيبة الامنية‮ .‬الا ان هذه المرة كانت الثورة ملتهبة كالشرر وحاصر الثوار السعدي‮ والسنوسي‮ ورجال الحرس الخاص بهم‮ .‬الا ان تدخل كتيبة من كتائب الصاعقة بالقوات المسلحة كان‮ يشترط اتفاقاً‮ مفاده ان الصاعقة مع الثوار وانها لن تتصدي‮ لهم‮ .‬وهمت فرقة خاصة بانقاذ السعدي‮ والسنوسي‮ ونقلهم الي مطار بنغازي،‮ ومثلما‮ يعيد التاريخ العربي‮ نفسه،‮ وعلي طريقة السيرة التاريخية لاي‮ طاغية‮ يقوم السعدي‮ والسنوسي‮ بقتل رجالهما جميعا واستقلال طيارة خاصة من مطار بنغازي‮ فرارا الي طرابلس‮ .‬
غير ان السؤال الذي‮ بات‮ يطاردني‮ وانا اغادر المعتقل المهزوم بارادة الثوار كان حول مصير من اخرجوهم من جوف الارض،‮ بت أسأل نفسي‮ كيف بدت ثيابهم وكيف كانت هيئتهم‮ ..‬وما الوجهة التي توجهوا اليها هؤلاء المنفيون في‮ الجب ؟
الحق اقول ان الاجابات التي واتتني‮ لم تكن شافية‮ .‬فشهود العيان‮ كانوا‮ مشغولين بنقل الجرحي‮ ودفن رفات شهداء الثورة التي قضت علي فزاعة المدينة الليبية الساحلية‮ .‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.