المرأة جندى مجهول فى معركة الكرامة... وتكاتف ووحدة المواطنين سبب النصر سندات الجهاد.. والتبرع بالدم.. والأغانى الوطنية.. والعمليات الفدائية.. أبرز بطولات المصريين فى الحرب الكنيسة والمسجد.. إيد واحدة لرفع الروح المعنوية للجنود والتشجيع على قتال العدو والمساهمة فى دعم القوات وقت الأزمات.. يظهر معدن المصريين الحقيقى، فالوحدة والتكاتف والتضامن وإيثار المصلحة العامة على المصالح الشخصية كان النمط الغالب للكافة. وخير مثال على ذلك، تكاتف المصريين ودعمهم أيام الحرب والتى كانت بدايتها فى السادس من أكتوبر 1973 والذى تزامن فى يوم العاشر من رمضان، حيث امتلأت الأجواء روحانية مباركة بأدعية المصريين بالنصر والكرامة والهزيمة للأعداء، علاوةً علي انها لم تخل من التضامن والتشجيع عبر الأغانى والكلمات التى تحفز الجنود وتدفعهم للأمام نحو معركة الخلاص من العدو. واستلهم المؤلفون ومن ورائهم الشعب، كلمات الجنود على الجبهات لترديدها وتدوينها فى أنشودة تظل على ألسنة الكافة، فكانت «بسم الله.. الله أكبر».. أولى الأغنيات التى أذيعت وقت الحرب، واستلهم كاتبها الشاعر عبدالرحيم منصور كلماتها من صيحة رجال العبور «الله أكبر»، ولحنها الموسيقار بليغ حمدى فى مبنى الإذاعة والتليفزيون، وغنتها المجموعة. وبجانب الحالة الفنية التى جمعت قلوب الشعب والفنانين والمؤلفين للتضامن مع الجنود وتشجيعهم، فكان وقت الإعلان عن تنفيذ القوات الجوية مهمتها ببراعة ونجاح فقد أصابت مواقع العدو، ملحمة تاريخية جسدها الشعب وكأنه فى أرض المعركة مع الجنود وليس فى شوارع المحروسة، حيث تفاعل المواطنون مع الحدث بشكل عفوى وصادق، حيث رددوا عبارات التكبير وتبادلوا العناق والتهانى، ومنهم من تفاعل مع اللحظة بالبكاء بينما قامت السيدات بإطلاق الزغاريد من نوافذ الشرفات. سندات الجهاد علاوةً على هذه المشاعر الفياضة والتضامنية، لم تخل مظاهر الدعم المادى والعينى من قبل المواطنين للجنود وكأنها رسالة بأنكم لستم وحدكم.. بل نحن معكم.. والحرب.. حربنا كلنا وليست حربكم، وجسدت الإعلانات التى انتشرت فى شوارع القاهرة هذه الحالة، حيث امتلأت حوائط المحروسة بمطبوعات تحمل عنوان «ساهم فى معركة المصير وحرر أرضك» وفى إعلان آخر، جاء الشعار الأساسى له «سندات الجهاد.. لضمان حاضرك ومستقبلك وتأمين النصر وما بعد النصر»، وكان غرض هذه الحملات جمع أموال للجنود من أجل مساعدتهم فى معركتهم وشراء المعدات اللازمة للحرب. وتم طرح هذه السندات بفئات «50 قرشا، وجنيه واحد، وخمسة جنيهات، وعشرة جنيهات، و100 جنيه»، وكان الاكتتاب بالبنك المركزى المصرى وفروعه وجميع البنوك وفروعها على مستوى الجمهورية، بفائدة صافية تصل إلى 4.5% سنويا، ولا يجوز الحجز عليها، وتكون معفاة من الضرائب والرسوم. فور الإعلان عن السندات، لبى المصريون النداء، ووقف الرجال والنساء فى صفوف أمام شبابيك البنوك، رفع الرجال أيديهم بما حملوا من جنيهات، بينما شاركت كل سيدة بجزء من مصاغها لدعم القوات. المرأة.. الجندى المجهول وإذا كان الشعب المصرى بكافة طوائفه لم يتوان عن دعم جيشه، لكن سيظل هناك دائما جندى مجهول، يقوم بعمل بطولى احياناً لا يلتفت إليه الكثيرون، ولا يذكرونه فى أحاديثهم، هذا الجندى هو المرأة المصرية.. الغائب الحاضر فى كل حدث يمر على مصر. ففى كافة المحافظات ضربت المرأة أروع الأمثلة فى البطولة والشرف والتضحية من أجل الوطن. فى سيناء، رفعت المرأة البدوية شعار «الوطن أولاً» وتمردت على كافة العادات والتقاليد البدوية التى تحجم من دور المرأة، فكانت هى حلقة الوصل بين قيادات الجيش المصرى فى القاهرة والجنود على الجبهات، حيث استطاعت السيدات البدويات نقل رسائل ومعلومات سرية للجنود خلال فترة الحرب، كما حافظت على الأسرار ولم تتفوه بكلمة أمام الغرباء. علاوةً على هذا الدور، ساعدت المرأة البدوية الجنود وقت الملحمة التاريخية، فكانت توزع الغذاء على القوات فى جبهات الحرب، وتساهم فى معالجة الجرحى ورعايتهم، كما وقفن كالرجال أمام الجنود الإسرائيليين ومعداتهم العسكرية، وساهمن فى توصيل الأسلحة وكافة المستلزمات العسكرية للجنود المصريين. فى كافة محافظات القناة، تكاتفت السيدات لمساعدة الجنود، حيث واصلن العمل فى المستشفيات لمدة 24 ساعة يومياً لخدمة الجرحى وإسعاف المصابين، بجانب ذلك كان لنساء القاهرة والجيزة وباقى المحافظات دور فى دعم الجنود من خلال التطوع فى الهلال الأحمر المصرى، أو التبرع بالدم، فضلًا عن جمع التبرعات وشراء الملابس والبطاطين، لأسر الشهداء والمصابين. وكان للأمهات وربات البيوت دور فى المعركة ايضاً، فكن يدفعن أزواجهن وأبناءهن للمشاركة فى الحرب ودعم الجنود، وبعضهن شاركن فى المقاومة الشعبية فى المدن، وهنا تحكى إحدى الشهادات على هذه الملحمة وتدعى «جيهان جارو» فى إحدى مقالاتها «ذهبت والدتى التدريبات العسكرية أيضا لتتعلم الفنون العسكرية وأيضا لمساعدة الجرحى والمصابين، بل أكثر من ذلك حملت المجموعات النسائية المتطوعة المواد الغذائية والمعدات الطبية للوحدات العسكرية القريبة منهن لتقديم الدعم المعنوى والمادى أيضا للجنود، ثم كان هناك فريق آخر من المقاومة الشعبية أيضا من النساء والرجال معا فكانت النساء وقتها تؤدى دورها فى الإسعافات الأولية للجرحى والمصابين هكذا كانت أمى وزميلاتها مثالا يحتذى به لحب الوطن». وتأكيدا على هذا الدور، أصدرت وزارة الإعلام كتابا بعنوان «المرأة المصرية..مشوار طويل من الحجاب إلى 6 أكتوبر»، أظهر دور المرأة المصرية فى الحرب، حيث تم تدريب أكثر من 13 ألف سيدة على أعمال التمريض للمساعدة فى المستشفيات فى حين كان هناك 6 آلاف ينتظرن دورهن للمشاركة فى إسعاف مصابى الحرب. ولم تخل مظاهر دعم المصريات للجنود، حيث وقفن أمام المستشفيات للتبرع بالدم لمساعدة جرحى الحرب فى المستشفيات، حيث تم تم تسجيل أسماء ما يقرب من 9000 سيدة تبرعن بدمائهن. مفيش جريمة فى حين كان الفدائيون من أبناء مصر المدنيين، وبخاصة فى مدن القناة (السويس - بورسعيد - الإسماعيلية) يشاركون فى الحرب من خلال المواجهة المباشرة مع العدو أو مساعدة الجنود، أو القيام بتنفيذ عمليات نوعية ضد القوات عن طريق مهاجمة سيارات العدو ودباباته بالقنابل، أكد العديد من الخبراء مسألة تراجع معدل الجريمة وقت حرب 73، وهذا ما كشفت عنه احصائيات وتقارير وزارة الداخلية التى سجلت عدم وجود بلاغات أو محاضر لمدة 3 شهور قبل الحرب وبعدها واكتملت المدة حتى نصف نوفمبر، وكانت وقتها المجالس العرفية داخل الأحياء والقرى هى التى تقوم بحل النزاعات القائمة، علاوةً على ذلك لم يتم حصر أو تسجيل حالة سرقة واحدة رغم أن أصحاب المحلات كانوا يتركون محلاتهم فى العراء دون حراسة فى أوقات الغارات لتكاتف الشعب. وهذا التراجع فى معدلات الجريمة، كشف حرص الخارجين عن القانون والمجرمين فى التوبة خلال أيام الحرب والتكاتف مع الجنود بالتوقف عن الأنشطة الإجرامية، وهذا ما أكدته سجلات الأمن العام والأجهزة المعنية فى فترة حرب 73، حيث خلت من الجرائم الجنائية، كما كشفت السجلات حينها أن الجريمة خلال الأيام الأولى من الحرب وهى الفترة من 6 وحتى يوم 21 أكتوبر انخفضت فيها الجرائم الكبرى عن مثيلتها فى العام السابق من 95 جناية عام 1972 إلى 71 جناية فى أيام الحرب وبنسبة كبيرة هى 26%، وطبقاَ للتسجيلات فقد تراجعت أرقام جنايات السرقة الكبرى من 11 جناية فى الفترة نفسها من العام السابق إلى 7 جنايات وبنسبة 40% حسب سجلات الأمن العام. وحسب الإحصائيات الأمنية فى ذلك الوقت، انخفضت جرائم السرقة الصغيرة انخفاضا يزيد عن 35%، بينما شهدت جرائم النشل اليومية انخفاضا يزيد على 45 % عما كانت عليه قبل الحرب، وخلال اليوم الثانى للقتال وهو يوم 7 أكتوبر خلت مدينة القاهرة من جرائم النشل، وبالنسبة لجرائم القتل فانخفضت أرقام جرائم القتل والشروع فيه خلال هذه الفترة بنسبة 25% عن معدلها فى العام الذى سبق الحرب. الكنيسة والأزهر على جانب آخر، فإن الأزهر والكنيسة دائماً حاضران فى أى مناسبة أو حدث وطنى، فكان لشيوخ الأزهر الشريف دور كبير فى حرب أكتوبر عام 1973، منهم من ألقى خطبًا حماسية فوق المنابر، لبث روح العزيمة والنصر فى قلوب الجنود، كما كان للكنيسة دورها المميز عبر عنه البابا شنودة فى عدة كلمات عندما قال فى الذكرى الأولى فى احتفال الكنيسة بالنصر: كان هناك الجيش الثانى والجيش الثالث يحاربان، أحدهما يقوده أحمد بدوى المسلم، والآخر يقوده فؤاد عزيز غالى المسيحى، ويرفرف عليهما علم مصر. وبعث البابا شنودة الثالث بعدة منشورات، إلى الجنود على الجبهة، والشعب المصرى ككل فى وقت الحرب، دحض خلالها فكرة أن «إسرائيل هى شعب الله المختار»، كما قال البابا فى أحد منشوراته: «إننا لا نخوض حربا عدوانية ولا نعتدى على أملاك أحد، بل إننا نحارب داخل أراضينا، دفاعا عنها، لهذا فإن بلادنا تحارب بضمير مستريح، وبقلب نقى، بل إنها كسبت إلى جوارها ضمير العالم، غير المتحيز، المحب للعدل». الأمر لم يتوقف عند المنشورات فحسب، بل قام البابا بزيارة جبهة الحرب أكثر من مرة قبل حرب أكتوبر المجيدة وبعدها وقام بزيارة جنودنا الجرحى فى المستشفيات ودعمت الكنيسة جيشنا فى الحرب بالدعم الروحى والمعنوى والمادى من أدوية ومهمات. الجدير بالذكر أن البابا شنودة الذى كان ضابط احتياط فى شبابه كان داعما لمصر فى وقت الحرب، وكانت الكنيسة القبطية بما لها من مقرات فى دول العالم تشرح موقف مصر وتدعمه خارجيا. ومن أبرز مشايخ الأزهر الذين ضربوا مثالاً فى التكاتف وجمع المصريين تحت راية واحدة، الشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى إمام الدعاة، حيث ذهب إلى الجنود فى مواقعهم، وأكد فضل الجهاد والانتصار على الأعداء، وسجل الإمام الشعراوى محاضرات كثيرة مع أبطال حرب أكتوبر والتى كانت رسالته فيها الجهاد فى سبيل الله مبدأ من مبادئ الإسلام الأصيلة، والغيرة على القيم هى الأصل الأصيل فى الإسلام. وكان للشيخ عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق دور عظيم فى دفع الجنود من خلال حديثه عن فضل الجهاد، والتى كان لها الفضل فى رفع الروح المعنوية ليس عند الجنود فقط بل جموع الشعب المصرى بل والرئيس السادات ومن معه من القادة. وفور اندلاع الحرب ذهب الدكتور عبدالحليم محمود إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة توجه فيها إلى الجماهير والحكام مبينًا أن حربنا مع العدو الصهيونى، هى حرب فى سبيل الله، وأن من يموت فهو شهيد وله الجنة، أما من يخلف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق. وبرز ايضاً خلال الحرب دور الشيخ عبدالعزيز كامل وزير الأوقاف فى حرب 3197، حيث قام بالتنسيق مع مشيخة الأزهر، بإلقاء دروس دينية يومية لتوعية الناس بضرورة الجهاد، وأن أولادهم يخوضون أشرف المعارك ولو أصيب أحدهم أو استشهد فذلك مدعاة فخر لأهله، وأيضا حثهم على المشاركة المدنية فى الجهاد مثل التبرع بالدم فى المستشفيات وكذا الحراسة للمنشآت الوطنية فهذا جهاد كبير، وحماية الكبارى الرئيسية والطرق ليلًا تحسبًا لأية غارات أو مفاجآت من العدو فلابد من جاهزية الجبهة الداخلية. و شارك الألوف من أبناء الأزهر الشريف كجنود فى هذه المعركة، من هؤلاء فضيلة الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الذى شارك فى حرب أكتوبر كجندى لمدة ست سنوات من عام 1967وحتى تحقق النصر المجيد عام 1973، علاوةً على الشيخ صلاح نصار المشرف العام الأسبق على الجامع الأزهر، والدكتور محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء، والدكتور علوى أمين.