كتائب علماء الأزهر كانت تقاتل بكلمات الحق بجوار الجنود فى الخنادق لترفع روحهم المعنوية التأهيل النفسى للجنود قبل خوض أى معركة هو نصف العبور نحو النصر، وهناك سلاح خاص اسمه « التوجيه المعنوى» والذى من بعض مهامه الجليلة الاستعانة برجال الدين فى همم الجنود، وترغيبهم فى الحماسة والقتال والفوز بأحد الحسنيين النصر أو الشهادة. وشهدت حرب اكتوبر الخالدة هذا الجانب التعبوى، بشكل يشبه الأساطير فى تفانى المقاتلين وحرصهم على الشهادة، فى سبيل رضا الله ونصر الوطن.
كان لشيوخ الأزهر الشريف دور كبير فى تلك المهمة، فالشيخ الجليل محمد متولى الشعراوى يذهب إلى الجنود فى مواقعهم ويلتقى بهم، ويلقى عليهم من علمه ما يؤكد لهم فضل الجهاد والانتصار لدين الله والوطن، ومن محاضراته المسجلة مع أبطال حرب أكتوبر التى قال فيها:»فما أسعدنى بهذا اللقاء، أسعد به سعادة تستشعر ثمرات ذلك اللقاء.. إننا جميعاً جنود الحق، أنا بالحرف وأنتم بالسيف، وأنا بالكتاب وأنتم بالكتائب، وأنا باللسان وأنتم بالسنان (أى أدوات الحرب والقتال)، وقال: الجهاد فى سبيل الله مبدأ من مبادىء الإسلام الأصيلة، والغيرة على القيم هى الأصل الأصيل فى الإسلام.
لم يكن الشيخ الشعراوى وحده الذى قام بدور جليل فى معركة التأهيل النفسى للجنود.
بل كان شيوخ الأزهر البارزون الدكتور عبد الحليم محمود، وله قصة طريفة رائعة، ومن قبله بسنوات الشيخ حسن مأمون الذى نادى عقب النكسة فى 67 مخاطباً القادة العرب بضرورة منع تصدير البترول للدول التى تساند العدو الصهيونى.
ومن شيوخ الأزهر الشيخ محمد الفحام والشيخ العدوى، وكتائب من الدعاة كانت تذهب إلى كتائب المقاتلين، تؤدى واجبها الدينى والوطنى بكلمات الحق الصادقة والحض على الجهاد والنصر أو الشهادة بجوار الجنود فى الخنادق والتحصينات لتثبيتهم ورفع الروح المعنوية لديهم.
وكان الرئيس السادات، كما تذكر الشهادات المتعددة التى صدرت عن حرب أكتوبر كمثقف وعارف بالنفوس والحروب مهتماً بإسهام رجالات الأزهر فى معركة أكتوبر، والاستعانة بشيوخه لتعبئة الروح المعنوية للمقاتلين، فقد كانت المهمة ثقيلة فالانكسار النفسى كان يقبع فى نفوس المصريين إلى جانب الإصرار على الانتصار مهما كان الثمن غاليا، فكان لابد من التدريب الشاق والأخذ بأسباب النصر فى كل المجالات المعنوية والمادية من العتاد والتسليح.
ومن جليل ما حدث عندما أفتى بعض العلماء فى لقائهم بالجنود يوم الحرب الأول وما تبعه من أيام بإباحة بل ضرورة عدم الصيام، كى يستطيع المقاتل الأخذ بأسباب القوة البدنية وتحمل شراسة القتال، فرد بعض المقاتلين:»لا نريد أن نفطر إلا فى الجنة».
وهكذا ارتفعت الروح المعنوية إلى عنان السماء تشتاق الشهادة، بفضل التوجيه السليم الصادق لعلماء الدين.
المصادر التى تعدد دور الأزهر الشريف فى حرب أكتوبر المجيدة عديدة جدا، ولكننا نتوقف عند حادثة نادرة التكرار، كان لها الفضل فى رفع الروح المعنوية ليس عند المقاتلين فقط بل جموع الشعب المصرى بل والرئيس السادات ومن معه من القادة، وهى بشارة النصر التى بشره بها الرسول الكريم بواسطة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر، ذكرها الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ الحديث والدكتور إبراهيم عوض فى كتابه «عبد الحليم محمود.. صوفى زماننا» وأيضا ذكرها الدكتور محمود جامع مستشار الرئيس السادات والصديق الصدوق له، فى كتابه «كيف عرفت السادات». ملخص القصة أن الدكتور عبد الحليم محمود، وهو صاحب أفق روحانى شاسع، قد رأى النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم فى المنام، قبيل حرب أكتوبر وفى الوقت الذى كان الرئيس السادات يفكر فيه باتخاذ القرار، رأى النبى الكريم وهو يعبر قناة السويس يرفع راية «الله أكبر» ومعه علماء المسلمين والقوات المسلحة. فاستبشر الشيخ خيرا وأيقن بالنصر، ومن فوره ذهب إلى الرئيس السادات ودار بينهما حديث مارأى الشيخ، الذى قال له إذا كان يفكر فى الحرب وقد تمت جاهزية الجيش للقتال ، فليتخذ القرار مطمئناً إياه بالنصر.
وفور اندلاع الحرب ذهب الدكتور عبد الحليم محمود إلى منبر الأزهر الشريف، وألقى خطبة ممتعة توجه فيها إلى الجماهير والحكام مبيناً أن حربنا مع العدو الصهيونى، هى حرب فى سبيل الله، وأن من يموت فهو شهيد وله الجنة، أما من يخلف عنها ثم مات فإنه يموت على شعبة من شعب النفاق.
وهكذا جعل الدكتور عبد الحليم محمود من الأزهر الشريف غرفة عمليات وطنية تضيف إلى مهامها الجليلة فى جبهة القتال الجبهة الداخلية أيضا، وبالاتفاق والتنسيق مع وزير الأوقاف آنذاك عبد العزيز كامل، كان خطباء المساجد خلية نحل فى دروس دينية يومية لتبصير الناس بضرورة الجهاد، وأن أولادهم يخوضون أشرف المعارك ولو أصيب أحدهم أو استشهد فذلك مدعاة فخر لأهله، وأيضا حثهم على المشاركة المدنية فى الجهاد مثل التبرع بالدم فى المستشفيات وكذا الحراسة للمنشآت الوطنية فهذا جهاد كبير، وحماية الكبارى الرئيسية والطرق ليلاً تحسباً لأية غارات أو مفاجآت من العدو فلابد من جاهزية الجبهة الداخلية، وهكذا انصهرت مصر ، كل مصر بفضل حماسة شيخ الأزهر الجليل ونفوس أهلها المعبأة بمرارة النكسة التى لابد وأن تزول بحلاوة النصر.
وعلى الجانب الآخر المشرق فى مصر وتلاحم شعبها، كان للكنيسة دورها المميز الذى لخصه البابا شنودة فى عدة كلمات جامعة مانعة شافية لاتحتاج إلى شرح، قال فى الذكرى الأولى فى احتفال الكنيسة بالنصر: كان هناك الجيش الثانى والجيش الثالث يحاربان، أحدهما يقوده أحمد بدوى المسلم، والآخر يقوده فؤاد عزيز غالى المسيحى، ويرفرف عليهما علم مصر.