تزوجَته بحثًا عن الاستقرار الذى لطالما حلمت به، فمنذ أن وطئت قدماها هذه الدنيا، وهى تعيش فى عذاب وألم، فقد نشأت فى أسرة مفككة، صوت شجارها لم ينته إلا بعد أن انفصل والداها عن بعضهما، وتركتها أمها ورحلت لتجد نفسها خادمة لزوجة أبيها لا تعرف الله ولا تجد للرحمة مكاناً فى صدرها، فارتمت فى أحضان أول من تقدَّم لخطبتها ليظلها بظله، وصدَّقت المثل القائل بأن ظل رجل ولا ظل حيطة، وقبلت بظروف العريس المادية الصعبة، لتعيش فى ظل رجل ظنت أنه سيكون لها العوض عن سنوات الشقاء التى عاشتها، وسيريحها من عناء العمل، ويعوضها عن حالة التفكك الأسرى التى عاشتها طيلة حياتها، لم يخطر على بال «عزة» ذات الثلاثين ربيعًا بأنها لم تكن سوى فريسة وقعت فى شباك صائدها. بعينٍ دامعة وقلب يدمى حزنًا تحدثت «عزة» عن تفاصيل معاناتها قائلة: «عشت طوال عمرى أبحث عن الحب والاستقرار الذى هجر بيت أسرتى منذ سنوات، ولم أجد أمامى سواه، بهرنى بحنيته وشهامته «المزيفة»، وما كان هذا إلا قناع اصطنعه لكى انخدع فيه، وتبدأ مأساتى من منطلق هذا القناع»، وكأن الراحة أقسمت ألَّا تطرق بابى، وكأن الحزن وعدنى بأن يكون حليفى أينما وليت وجهى». ينتفض جسد الزوجة، وتغمض عينيها محاولة أن تخفى ذرات الدموع التى ملأتها ثم تقول بصوت متهدج: «لم أكن أعلم أننى لم أكن سوى صيدًا ثمينًا له، فالثراء الذى كنت أعيش فيه أزاغ بصره، سقطت فى شباكه، وحين تقدم لخطبتى وافقت دون تردد، وجمعت ما خفَّ وزنه وثقل ثمنه، وعشت معه فى شقة بمنطقة شعبية ادَّعى أنها ملك له». تمتلئ عينها بالدموع، وتكسو ملامح وجهها البرىء علامات الحزن تصمت لبرهة تجمع فيها شتات نفسها المعذبة ثم تستطرد فى رواية حكايتها قائلة: «ولم تمضِ سوى أيام على زواجنا حتى اكتشفت أن زوجى مدمن للمخدرات، وأن بيته ما هو إلا وكر يستقبل فيه أصدقاءه من المدمنين والعاطلين وأصحاب السوابق، تركته وعدت لأهلى لكنهم طردونى، فرجعت إليه ذليلة بدلًا من بقائى فى الشارع، فاستولى على مصوغاتى وأجبرنى على النزول للعمل كخادمة فى البيوت للإنفاق على مزاجه». يرتعش صوتها من الحسرة والبكاء: «لم يكتفِ زوجى بتعذيبى نفسيًا، بل بات يتعدى عليَّ بالضرب المبرح ليلًا ونهارًا بسبب وبدون سبب، ورغم ذلك تحملت وحاولت أن أصلح منه بشتى الطرق، من أجل ألا يعانى أولادى من الحياة المفككة التى سبق أن عشتها، لكننى اكتشفت أننى ظلمت نفسى عندما قبلت بهذا الوضع، ومن قبلها ظلمت أولادى الثلاثة باختيارى أبًا كهذا لهم، فلجأت للمحكمة لرفع دعوى خلع أصحح بها خطئى». تتسارع أنفاس السيدة وتنهمر الدموع من عينيها البائستين فتجبرها على الصمت للحظات ثم تقول بصوت مرتعش: «حاولت الانتحار أكثر من مرة، لكى أتخلص من حياة الذل والمهانة التى أعيشها، ولم أعد أتحمل إحساس الضعف وقلة الحيلة أمامه، وفى إحدى المحاولات قفزت من الدور الثانى لكن الله أراد أن يستمر عذابى ونجوت بأعجوبة، وفى نهاية المطاف تزوَّج عليَّ امرأة «سيئة السمعة» تكبره بأربع سنوات، تولت الإنفاق عليه، وطلقنى ورمانى أنا وأولادى فى الشارع بلا رحمة ولا شفقة، لأصبح إنسانة ممزقة النفس، وحيدة بلا أسرة ولا مال ولا روح، كل ما أتمناه أن أخلص منه فى أسرع وقت، فلن أعود إليه. جئت إلى هنا فقط كى أحصل على نفقة لصغارى رغم أننى متأكدة أننى لن أنال منه شيئاً ولكن هى محاولة ربما عدم دفعه للنفقة يدفعه إلى السجن وينال عقابه على ما اقترفه فى حقى وجزاء تعذيبه لى وإهماله لأولاده.