شوارع امتلأت بالصمت وخيم الحزن على الجميع وباتت الرياح تلهو بين أرجاء القرية الصغيرة وجدران تراصت أمامها أجساد الرجال واتشحت بالسواد حزنًا على القتيل، بعدما تجرد الجانى من كل معانى الإنسانية عندما شاهد والدته تتشاجر مع شقيقها، فلم يتحمل هذه المشاهد وانهال على خاله بالسلاح النارى إلى أن امتلأ وجهه بالتراب بعدما خالطته دماؤه. داخل قرية نوى بمركز شبين القناطر بمحافظة القليوبية، تلمس الطيبة وجوه المواطنين، يستيقظ الجيران بحثًا عن لقمة العيش، ثم يذهب كل منهم إلى عمله، وفى المساء يجتمعون على المقاهى، يقصون على بعضهم معاناة الحياة، وتنتهى الجلسات بضحكات باهتة، ويعود كل منهم إلى بيته، ليجدد طاقته لمتاعب اليوم التالى. يستيقظ «محمد» كل يوم كباقى شباب القرية، يبادر فى الذهاب إلى عمله الذى يكتسب منه رزقه، فالعمل كطباخ فى مطعم، ليس أمرًا سهلًا يتطلب مجهوداً ليس باليسير، ويعود آخر اليوم بالكاد تحمله ساقيه للمنزل، يؤدى صلواته، ثم يخلد إلى النوم، لم يكن فى مخيلته أبدًا أنه سيأتى يوم ويحمل لقب قاتل، وأهل القرية جميعًا لا يصدقون كيف لمحمد صديقهم أن يرتكب هذه الجريمة البشعة. وبصوت يملؤه الصدق قال أحد أصدقاء المتهم: كيف لصاحب القلب الطيب أن يمسك بالسلاح، فكل همه فى الحياة أن يكفل لأسرته الصغيرة حياة كريمة، تغنيهم عن سؤال الناس، فلا نعرف عنه إلا الشخص الخلوق، وأما خاله فقد اعتاد المجىء إلى منزل شقيقته «والدة محمد» والشجار معها، فضلًا عن سمعته السيئة على لسان الجيران. وفى اليوم الموعود جاء محمد من المطعم، ويا ليته ما عاد، أنهكه العمل، كعادته يقضى ما فاته من الصلوات، ثم يجلس لتناول الطعام مع زوجته وطفليه، ويقطع عليه تناوله الطعام صوت ملأ أرجاء القرية، ويقابله صوت سب وشتم، فيتفاجأ محمد من الصوت أنه فى المنزل المقابل، إنه بيت والدته، فانطلق محمد مسرعًا تجاه أمه ليغيثها من مصيبتها التى دفعتها لإصدار هذا الصراخ وطلب المساعدة. هرول سريعًا تجاه بيت أمه، بعد أن غلى دمه، محدثًا نفسه من يجرؤ بالتعدى على ست الحبايب، فإذا ب«أسامة» خاله يتشاجر مع والدته ويذيقها من العذاب ألواناً، حاول محمد تهدئة خاله، فأسامة يتردد على شقيقته، خاصة فى الفترة الأخيرة، بسبب معاناته من أزمة مالية، ويتعمد الشجار معها، ليرغمها على التنازل عن ميراثها عنوة عنها، فكانت تقوم بطرده، وتوالت المشاكل والمشاجرات معه، فهو مسجل خطر، فالشجار مهنته يتكسب منه رزقه، وفى يوم الحادث جاء إلى شقيقته وهى سيدة كبيرة بالسن وقام بالتعدى عليها بالسب والشتم والضرب، وواجه «محمد» سباب وإهانات خاله بالتوسلات «يا خالى ما ينفعش كده دى أختك ما يصحش تبهدلها كده» حتى يعيده لرشده، وتحل المشكلة بشكل عقلانى غير الضرب والسب ولكن دون جدوى، فالشيطان قد عقد العزم على عدم حل هذه المشكلة. استشاط الابن غضبًا على والدته، ومن خاله الذى لم يعط توسلاته أى اهتمام، غلى الدم فى عروقه وازدادت ضربات قلبه، ولم يدرك نفسه، حتى أمسك بمسدس وبضغطة على الزناد تخرج طلقة لتستقر فى رأس أسامة، تلقيه على الأرض، يفيق محمد من غفلته، فيجد خاله غارقًا فى بركة دماء، اهتز وجدانه من هول ما رأى، هل أنا من فعلت ذلك؟.. هل أنا قتلت خالى؟.. دارت فى ذهنه تساؤلات كثيرة، عنوانها الندم، وأطلق صرخات مدوية، طالبًا العون من جيرانه. زاد سكان القرية من سرعتهم، فى تلبية صرخات صديقهم، فلا يستطيعون التأخير، فكما تعدوا منه على الشهامة والرجولة ووقوفه معهم وقت الشدائد، فيريدون رد بعض مساعدته التى يقدمها لهم، وفرًا وصل وفد غفير من الجيران إلى منبع الصرخات، فيجدون ما لم يتوقعونه يوماً، فصديقهم يمسك بمسدس، وبجواره خاله يلفظ أنفاسه الأخيرة. ساعد الجيران الطباخ القاتل فى نقل المصاب إلى المستشفى، فى محاولة منهم لإنقاذه، ولكن القدر له رأى آخر، وصل أسامة إلى المستشفى، وحاول الأطباء إنقاذه، لكنه فارق الحياة، وألصق لقب قاتل بابن شقيقته. اكتست القرية بالسواد، فالقرية لم تعهد الجريمة فى قاموسها، فاليوم ارتكبت على أرضها أبشع جريمة، يهتز لها عرش الرحمن، واصطف الجيران صفًا واحداً، بعد أن تعالت أصوات بكائهم، فالرجل الخلوق، يخرج من بيته مكبلًا بالسلاسل، يظهر عليه مزيج من الخوف والندم، متجهين به إلى عربة الشرطة.